أخبار

مشاهد أمس

عادت أمس أصوات ماكينات الصرافات الآلية لحساب (البنوك) والزبائن وأصحاب الحقوق التي انتظروها طويلاً، ارتسمت على الوجوه العابسة التي عليها غبرة وترهقها قترة ابتسامة من حرم من حقوقه ونالها.. مثل الشاكي الذي يشتكي ظالماً وينصفه القاضي ويرد إليه حقوقه.. ينتابه إحساس بالرضا عن عدل المحكمة ويبتسم في وجه من يلقاه في قارعة الطريق.
منذ صباح أمس توفرت النقود في أيادي المواطنين وأغلب الصرافات تمت تغذيتها بالنقود من فئة الخمسين جنيهاً (الحمراء الفاتح لونها) طباعة جديدة وارد ألمانيا بعد أن عجزت مطبعة العمل التي أنفقت عليها الدولة الكثير من الدولارات في حوش سباق الخيل بالخرطوم جنوب، ولا جواب عند وزير المالية ولا محافظ البنك المركزي عن الأسباب التي أدت لتوقف ماكينات مصنع العملة عن الدوران؟؟ وبالعملة من فئة الخمسين جنيهاً ومن أجلها.. أصطف الناس منذ الصباح في بعض الصرافات في وسط الخرطوم.. ويدخل البعض بثلاث أو أربع بطاقات ويخرج بنحو عشرة آلاف من الجنيهات مثل الظامئ للماء في الصحراء، وفجأة يجد أمامه قارورة ماء.. يشربها بتمهل ويتذوق طعم الماء شهوراً طويلة، والمواطنون في السودان محرومون من حقوقهم.. صبروا على الحرمان وهم ينظرون إلى الصرافات الصامتة.. ويجوبون الطرقات كالسكارى.. وما هم بسكارى.. وفجأة يعلن رئيس الوزراء “معتز موسى” يوم (الأربعاء) الماضي عن شحن بطاريات الصرافات بالمال ليلة (الجمعة)، وتطول الليلة في انتظار صباح (السبت).. ويصدق وعد “معتز موسى” ومنذ الثامنة صباح أمس اخترت لنفسي طريقة تقصٍ ميدانية بدأت ببنك النيل الرئاسة حيث تمت تغذية صرافة البنك بالمال ولم يتعد عدد المواطنين الذين تراصوا أمام الصراف العشرة أشخاص.. اتجهت إلى بنك الادخار فرع العربي.. ولكن الصراف الآلي وضع علامته الشهيرة (خارج الخدمة)، وهي ذات العلامة التي استقبلني بها بنك الثروة الحيوانية شارع المطار، وعلى بعد أمتار منه دخلت صرافة البنك العربي وكانت مشحونة بالمال.. عدت للخرطوم بشارع القصر، عدد قليل من المواطنين حوالي الواحدة ظهراً بصرافة بنك الخرطوم، رفعت يدي للسماء بأن يفرج عن قيد “فضل محمد خير” المحبوس منذ شهور على ذمة التحقيق ولم تذهب قضيته للمحكمة بعد.. في شارع الجامعة صراف بنك أم درمان الوطني بالقرب من وزارة الزراعة يزدحم أمامه المواطنون وعلى بعد خطوات منه غرب مجلس الوزراء صراف البنك الإسلامي لا أحد يطرق بابه ويسأله بضعة جنيهات.. وتفرق الزحام الذي كان يسد الطريق المؤدي لبنك فيصل الرئاسة بسبب توفر المال.. في الصرافات.
سألت امرأة في الأربعينات من العمر، قالت: إنها ستسحب يومياً من رصيدها في البنوك حتى تطمئن بأن شهور الحرمان القسري قد ولت.. وقال مواطن من الحاج يوسف: إن البنوك إذا وفرت السيولة فإن المواطنين سيعودون تدريجياً لوضع مدخراتهم فيها.. ولكنه يخشى الانتكاسة مرة أخرى.
كسب “معتز موسى” رئيس الوزراء ثقة الشعب حيث تحدث وصدق في حديثه.. ولكن هل تستطيع الحكومة ضخ كتلة كبيرة من السيولة في المصارف حتى ينال كلٌ مطلبه من المال ليبدأ بعد ذلك التوازن بين الإيداع والسحب، وتعود الأشياء لطبيعتها ؟، ما تحقق أمس لا يستحق الاحتفاء ولا يعتبر إنجازاً لحكومة “معتز موسى” ولكنها خطوة مهمة نحو إصلاح خطأ وجناية ارتكبتها الحكومة في حق نفسها وشعبها حينما لجأت للمعالجات الإدارية والأمنية لقضية اقتصادية محضة فانكسرت القارورة.. وشرب الكلب الماء من الزجاجة.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية