تقارير

ندوة الحلول الاقتصادية .. بين المظالم والمعاصي وعدم ولاية وزارة المالية على المال العام

شهدت مشادات بين أعضاء من هيئة علماء السودان و"عبد الرحيم حمدي"

“حمدي” يقدم رؤية جديدة للحكومة بتحديد سعر الدولار الرسمي بـ(10) جنيهات
رئيس هيئة علماء السودان قدم مقترح إصدار تشريع تعزيري لمواجهة سماسرة السوق الأسود.
مدير الأمن الاقتصادي الأسبق: التجنيب والمباني الحكومية وتجزئة الحلول والترقيع أوصل الاقتصاد لهذا الوضع.

الخرطوم ـ سيف جامع
تباينت رؤى المتحدثين من رجال الدين والاقتصاديين في الندوة الكبرى التي نظمتها أمس هيئة علماء السودان بعنوان “رؤية حول الحلول الاقتصادية ومعالجة الأزمة” حول تلخيص أسباب مشكلات الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد . فبينما رأى أعضاء من هيئة علماء السودان أن المظالم والمعاصي قادت إلى تدهور الاقتصاد ،أكد خبراء أن الأزمة إدارية ، تتعلق بالموارد وعدم ولاية وزارة المالية على المال العام ، وشهدت الندوة مداخلات ساخنة من بعض أعضاء الهيئة الذين دخلوا في مشادات مع “عبد الرحيم حمدي” حول الربا والتسعيرة.
وتقدم رئيس هيئة علماء السودان بروفيسور “محمد عثمان صالح” بمقترح بإصدار تشريع تعزيري لمواجهة سماسرة السوق الأسود، الذين يحتكرون كل السلع بما فيها الموز، وشدد على ضرورة التبليغ عنهم ومعاقبتهم .
روشتة حلول من “حمدي”.!!
يرى الخبير الاقتصادي وزير المالية الأسبق “عبد الرحيم حمدي” أن أسباب المشكلة دخول الاقتصاد السوداني منذ فترة في ركود تضخمي انعكس حالياً بصورة واضحة في وجود ركود شديد في الحركة الاقتصادية ـ معالجة ظواهر الندرة المستمرة في السلع الرئيسية هي انعكاس للركود، وهي معالجات إدارية ، أمنية قاهرة بينما في الوقود والخبز والدواء وغيرها تزداد تفاقماً ، ويشير “حمدي” في ورقته، التي قدمها في الندوة بعنوان (برنامج اقتصادي استثنائي موازٍ لميزانيتي 2019ـ 2020م إلى أن ظاهرة الركود التضخمي تنعكس بصورة حادة جداً على الغلاء الجنوني وتصاعد وتيرة ارتفاع الأسعار بصورة هائلة تخلق ضغوطاً اقتصادية وسياسية وأمنية خطيرة، قد تؤدي إلى انفجار لا تعرف عقباه، وقال “حمدي” :إن المشكلة الطاغية في الاقتصاد السوداني ظاهرة الركود التضخمي، ويجب العمل على إزاحتها خلال فترة قصيرة جداً (سنة أو سنتين) حتى يمكن أن يستعيد الاقتصاد قدرته على الحركة إلى الأمام ، ويصبح من الممكن تنفيذ أي برامج مالية أو تنموية بصورة فعالة ،ولابد من رسم وإنفاذ برنامج موازٍ مزامناً للميزانية العامة، تقوم عليه خلية أزمة على أعلى مستوى ،وطرح “حمدي” مقترحات ثلاثة ، يقوم عليها البرنامج بإيجاد موارد كبيرة وسريعة بالجنيه، وإنشاء سوق للنقد الأجنبي ،لتوفير وإدارة الموارد الأجنبية ، وتخفيض ضريبي عن طريق إصلاح الجمارك ، لتوفير موارد لتحريك الاقتصاد ،وأضاف ” تشترك العناصر الثلاثة في هدف أساسي هو توفير موارد للاقتصاد والحكومة، وقال :إن توفير الموارد يساعد على تخفيض التضخم بزيادة الإنتاج ، وتوفير موارد محلية لشراء موارد أجنبية (دولار المغتربين) وتساعد بالضرورة في تخفيض التضخم وتخفيض سعر الصرف بزيادة المعروض والمتاح من النقد الأجنبي ، وأكد “حمدي” أن البرنامج المقترح يعمل على سداد استحقاقات ديون شركات إنتاج البترول، لإغرائها بالعمل لزيادة الإنتاج المحلي وهو أيضاً عامل رئيسي في تخفيض فاتورة الاستيراد وارتفاع سعر الدولار وتخفيض التضخم الناتج من أسعار الطاقة للمستهلك ، وأشار إلى أثر غير المباشر بعد انخفاض التضخم وانخفاض سعر الدولار وتحسين مناخ الاستثمار، وإيجاد القدرة على تحويل أرباح المستثمرين .
وأوضح “عبد الرحيم حمدي” أن الركن الأول للبرنامج يقوم على ثلاثة إضلاع أولها إنشاء صندوق استثماري مفتوح بدون أجل محدد ،تباع فيه صكوك حكومية للجمهور والبنوك مقابل ربح محفز مجز لا يقل عن (30%) سنوياً ،والضلع الثاني برنامج استعادة موارد مجنبة أو محجوزة في وزارت أو مؤسسات في الدولة لا تصل وزارة المالية ، ويقوم البرنامج على إرادة قوية من مديري خلية الأزمة لاستعادة هذه الموارد ، أما الركن الثالث استلاف واسع من أفراد ورأسماليين أو شركات كبيرة ومتوسطة يقوم بموجبه هؤلاء وهم في الواقع ممولو الضرائب بدفع مبلغ كبير للحكومة على سبيل التسليف يسدد في فترة (3ـ5) سنوات ،أو يسمح لهم باستعمالها لسداد التزاماتهم مع الحكومة ، والركن الثاني من البرنامج إنشاء سوق مستقل للنقد الأجنبي خارج بنك السودان المركزي تأتي إليه كل موارد النقد الأجنبي وتشتري منه كل متطلبات النقد الأجنبي وتديره جهة مستقلة من (10) أفراد من مديري المصارف ورجال الأعمال والأكاديميين ويمثل المحافظ فيها بنك السودان وأن تحول لهذا السوق كل موارد الصادر ،حصائل الصادر لكل الصادرات وتحويلات المغتربين وتستعمل هذه الموارد للاستيراد السلعي بالدولار ولتمويل الخدمات واحتياجات الحكومة المدنية والعسكرية على أن يدار هذا السوق يومياً بنفس طريقة سوق الأسهم الحالية والتي تبرز من خلالها السعر الحر للدولار أو العملات الأجنبية الأخرى، أي أن هذا السوق هو الذي يوحد سعر صرف الدولار على أن تحتفظ الدولة بسعر رسمي (10) جنيهات للدولار فقط لأغراض سداد الديون السيادية الخارجية ،وتقييم الدولار الجمركي وكل الاستعمالات الأخرى تدار بالسعر الذي سيبرز من خلال السوق وبدون استثناء لآي فرد أو جهة ،وأوصى “حمدي” بأن يقوم البنك المركزي بشراء حصيلة الصادرات بالجنيه ودفع أرباحهم مقدماً بالجنيه بربح (30% ـ50%) وتستعمل موارد حصائل الصادر لشراء السلع الرئيسة الوقود والخبز والدواء إما بواسطة البنك المركزي أو بواسطة البنوك التجارية .
ويقول “حمدي”:إن الركن الثالث من البرنامج إصلاح ضريبي من خلال الجمارك لإنعاش الاقتصاد، وأكد “حمدي” أن إصلاح الجمارك هو رافعة الإنعاش المستهدف.
وفي ورقته قدم “عبد الرحيم حمدي” برنامج دعم سريع لزيادة إنتاج البترول إلى(180)ألف برميل في اليوم وبرنامج واسع لإنتاج محصولات غذاء الناس من لحوم وخضروات وقمح ومنتجات ألبان ودعم القوة الشرائية للمواطنين لأن الاستهلاك أيضاً رافعة مهمة للاقتصاد واتساقا مع أعلاه يصرف النظر تماماً عن أي حديث عن رفع الدعم خلال العامين القادمين، وحول سعر الصرف قال: حالياً الدولار في شارع الأربعين ويصل إلى شارع الـ(60)جنيه ويصل إلى شارع الهوى حال تم تحرير سعر الصرف، وأردف: غالباً أن الإجراءات الصادرة مؤخراً أقرب إلى التحرير رغم نفي الحكومة ذلك .
وقال :إن معاش المواطن يحتاج لتدخل الدولة بضرورة زيادة المرتبات لتحسين معاش الناس ،وحذر من رفع الدعم ، وقال: لا نتحدث عن رفع الدعم ، ولكن يمكن أن يحدث ترشيد للدعم، ودافع “حمدي” عن سياسة التحرير الاقتصادي ، حيث رأى أنها عملت في إصلاح الاقتصاد و . واعتبر “حمدي” :إن حالة الضنك التي تعيشها البلاد الآن كانت موجودة حتى في المدينة المنورة في عهد الرسول “صلى الله عليه وسلم” واشتكى الناس من الأسعار للرسول “صلى الله عليه وسلم” .
أفعال المجتمع سبب الأزمة ..؟
تحدث عضو الهيئة “سعد أحمد سعد” عن حرمة مال المواطن للدولة ،وشدد على أن مال المسلم حرام، وحرمته جاءت واضحة وشديدة في حجة الوداع بقوله صلى الله عليه وسلم- : ((إن دماءَكم وأموالكم حرامٌ عليكم، كحرمةِ يومِكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)) ، وإن أي مال تتحصل عليه الدولة من صاحبه من غير وجه شرعي سيكون نكص عليها وصاحب النكص في النار .
واعتبر “سعد” أن حالة الضنك والفقر والعوز الذي تعيشه البلاد ليست بسبب شح الموارد، وعزا ذلك لعدة أسباب ، بينها أسباب تتعلق بأفعال المجتمع، مستدلاً بالآية (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) ، مؤكدا أن الإشكالية ليست في الدولة وإنما الدولة والمجتمع بجانب كثرة المظالم في الأموال والتعسف في الجبايات وأكل أموال الناس بالباطل والإسراف في الصرف الحكومي والاختلاسات والفساد وظلم الدولة للمواطن بتقصيرها في الخدمات وارتفاع الأسعار، وأضاف ” إن الأسباب نوعان مظالم ومعاصي، بالإضافة لتوقف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم وجود الحسبة والمظالم والتبرج في كافة مناحي المجتمع وفي المكاتب والقنوات الفضائية وانتشار الغناء والمعازف، وزاد ” إذا تحدث أحد عن حرمة المحارم والمعازف يعتبر مجنوناً وهنالك اتفاقية “سيداو” التي تريد أن تساوي المرأة بالرجل، وأن تفعل كل ما يفعله، واعتبر “سعد” الحرب على ختان الإناث حرباً على السنة، مشيراً إلى من الأسباب الأخيرة التهاون في تطبيق الشريعة الإسلامية، وقال “سعد” :إن من الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا الوضع وجود أكثر من (300) ألف شركة و(5) ملايين ترخيص عمل صغيرة، بينما تحصيل الضرائب منها لا يتجاوز (55) ، واشترط منح التصديق التجاري بفتح ملف ضريبي أولاً.
خمس محاور مهمة للاقتصاد؟؟
ويرى الخبير والمدير السابق للأمن الاقتصادي اللواء “عبد الهادي عبد الباسط” أن اقتصاد أي دولة يقوم على خمسة محاور متمثلة في السياسات والهياكل والأشخاص الذين ينفذون السياسات واللوائح والمركزية الحاكمة للرقابة والتوجيه ، مشدداً على ضرورة اختيار أشخاص أقوياء وأمناء وأذكياء من مديرين وقائمين على تنفيذ السياسات، وأكد أن البلاد تعيش تخبطاً بسبب السياسات، والمؤسسات تعاني الترهل، والبلاد في وضع اقتصادي حرج وخطير ولا تنفع معها حلول ترقيعية وأن تجزئة الحلول أوصلنا لهذا الوضع.
ونوه “عبد الهادي” بأن العشر سنوات الأولى للإنقاذ صنفت الاقتصاد السوداني من أفضل اقتصاديات العالم خاصة وأنه في عهد وزيري المالية والاقتصاد “عبد الرحيم حمدي” و”عبد الوهاب عثمان”، مشيراً إلى (حمدي) وضع سياسات جيدة في الصادر مما حقق (1.2) مليار دولار قبل أن يحدث خطأ في نظامنا المالي، وأضاف ” نظامنا المالي مضروب” .
وقال “عبد الهادي” : الخصخصة قادت إلى هذا الوضع لأنها أطاحت بكل المؤسسات الناجحة التي كانت تعمل في الصادر ،وكذلك الخصخصة أفقدت السودان أسهمه في شركة موبيتل (زين سابقاً) ببيع أسهم السودان حيث كانت زين تحقق أرباحاً سنوية (300) مليون دولار، وهذا لم يحدث في دولة بأن الشريك الأكبر يبيع نصيبه للأصغر ، كما تم حل الشركة السودانية لإجارة المواشي التي كانت توفر عملات حرة للسودان .
وانتقد الحديث عن الذهب كداعم للاقتصاد ونوه بأنه لا يتبع للدولة وإنما للمواطنين وهنالك سبب آخر قادنا إلى هذا الوضع هو التجنيب، وأضاف ” أجزم أن وزارة المالية تدير (30%) من أموال البلاد و(70%) من الأموال خارج ولايتها .
وقال “عبد الهادي” :إن أكبر سبب في ارتفاع الدولار، المباني الحكومية حيث أي عمارة ضخمة تتبع للحكومة وأي دولار في هذه الفترة ينبغي أن يصرف في الوجه الصحيح ، تكلفة الأسمنت والخرسانة التي تذهب للمباني تحت الإنشاء بالدولة تكلف حوالي (5)مليارات دولار، وقال :إن ذلك إهدار للأموال العامة، وأردف في ورقته :إن المباني الحكومية من اﻹفرازات السالبة للتجنيب والتي تصنف في خانة الترف وإهدار المال العام ، وقال : إنه بمراجعة بند فواتير البناء نجدها تستحوذ على سوق النقد الأجنبي ،فيما أشار إلى أن (80%) من تلك المباني هي مباني حكومية وشبه حكومية وتنفذ عبر شركات أجنبية بعقود بملايين الدولارات ، وطالب بوقف فوري للمباني ، وقال : إن ذلك كفيل بالمساهمة في إنزال قيمة الدولار.
وقال محافظ بنك السودان المركزي “صابر محمد الحسن”: أول مرة اتفق مع “حمدي” في كل ما قاله، وذكر صابر أن هنالك مسببات للوضع الاقتصادي منها خارج الاقتصاد، مثل الحصار وانفصال الجنوب مما أدت إلى فجوة الموارد وكذلك الحروب والتركيز على النواحي الدفاعية، وأضاف ” لا أعفي سياسات وزارة المالية والبنك المركزي، وقال :إن الحكومة بذلت جهوداً مقدرة للإصلاحات، لكنها لم تأت أُكلها لأنها كانت جزئية والمخرج الآن ونحن على أعتاب موازنة جديدة في تصميم برنامج شامل على أن يكون حديث المتحدثين في الندوة جزءاً من البرنامج .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية