رأي

الحاسة السادسة

نحتاج للعزلة!

رشان أوشي

نحن بحاجة إلى العزلة أحياناً عن كُل أولئك الذين رسموا نقاطاً سوداء في قلوبنا.. عن كُل أولئك الذين ثقبوا أرواحنا.. نحتاج العزلة كي نغسل كُل السواد ونرمم الأشلاء..
اختار الصحفي والمؤلف الإيطالي “تيتسيانو ترزاني” بعد سنوات عديدة من السفر عبر آسيا للعمل كمراسل صحفي، عزل نفسه في كوخ في محافظة ايباراكى، في اليابان، قال في كتابه (قال لي العراف) الذي تحدث فيه عن رحلته: “شهر كامل لم يكن معي أحد سوى كلبي باولي”. قضى “ترزاني” الوقت في قراءة الكتب، ومشاهدة الطبيعة، و”الاستماع إلى صوت مداعبة الرياح للأشجار، ومشاهدة الفراشات، والاستمتاع بالصمت”. للمرة الأولى منذ فترة طويلة شعر بأنه تحرر من القلق المستمر في الحياة اليومية: “أخيراً أصبح لديّ وقت فراغ”.
نحتاج جميعاً لقليل من العزلة، للاختلاء بذواتنا حتى نناقشها عن مصيرنا، ومستقبلنا، وواقعنا، نحتاج لتقليب أوراقنا الشخصية مع أنفسنا، حتى نصل لتسويات نفسية لكثير من القضايا العالقة في دواخلنا، تلك العزلة المنشودة، ستساهم بقدر كبير في حسم جدل عظيم، وعدة صراعات تتعلق بنا وحدنا.
نحتاج للابتعاد عن حالة الفوضى التي عمت الحياة، وسيطرت على سلوكنا الاجتماعي المتراجع، فانتشار مظاهر الفوضى في الشوارع، الأزقة، الحافلات، الملاعب، المدارس أماكن العمل، أضحت تنعكس على تصرفاتنا وممارساتنا اليومية، تتجلى الفوضى حين يغيب شرطي المرور، وأحياناً بوجوده، وتتحوّل الطرقات إلى حلبة سباق، ويطلق السائقون أبواق سياراتهم بشكل عصبي ومتعمد، فضلاً عن توجيه الشتائم والسباب، في مشهد “سُريالي” يكاد يتكرر كل يوم، كل ذلك الزخم، والحشد البشري المتعاظم، وتطفل الناس على بعضهم البعض، والتغول على خصوصياتنا، علاقاتنا، سلوكنا، مشاعرنا، جميعها تدفعنا دفعاً نحو العزلة.
اقتناص أيام من العمر للبقاء منفردين بذاوتنا كافية لإعادة ترتيب الكثير من الفوضى التي غرقنا فيها حتى النخاع.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية