الحكومة تعلن موافقتها على مبادرة الأمم المتحدة بتوصيل المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة قطاع الشمال
الخرطوم ترمي بالكرة مرة أخرى في ملعب الحركة الشعبية
الخارجية تعلن عن (70) لقاء لـ”الدرديري” مع عدد من نظرائه بنيويورك وتفاؤل بخصوص الحوار السوداني الأمريكي
الخرطوم – طلال إسماعيل
رمت الحكومة بالكرة مرة أخرى في ملعب الحركة الشعبية قطاع الشمال بعد إعلان مفوض العون الإنساني “أحمد محمد آدم” في مؤتمر صحفي، أمس (الخميس)، رسمياً موافقة الحكومة على مبادرة الأمم المتحدة المعنية بتوصيل المساعدات الإنسانية للمتأثرين في مناطق الحركة الشعبية قطاع الشمال بولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وتأتي هذه الموافقة بتزامن مع مشاركة وزير الخارجية “الدرديري محمد أحمد” في أعمال الدورة رقم (73) للجمعية العامة للأمم المتحدة، واقتراب موعد انخراط السودان في المرحلة الثانية من الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ويسعى وزير الخارجية لإطلاع المسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية على جهود السودان الرامية لاستتباب الأمن وتحقيق السلام في القرن الأفريقي.
وأعلنت وزارة الخارجية أن د. “الدرديري محمد أحمد” وزير الخارجية سيعقد أكثر من (70) لقاءً مع عدد من نظرائه المشاركين في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة بنيويورك حالياً.
وقال وزير الدولة بالخارجية “أسامة فيصل” لـ(المركز السودان للخدمات الصحفية) إن لقاءات وزير الخارجية مع نظرائه خرجت بنتائج إيجابية خاصة مع نائب وزير الخارجية الأمريكي “جون سوليفان”، مبيناً أن الجانبين اتفقا على بداية المرحلة الثانية للحوار بين الخرطوم وواشنطن دون تحديد مواقيت لها.
وأوضح “فيصل” أن “الدرديري” سينخرط في حوارات مكثفة مع عدد من نظرائه، مؤكداً حرص السودان على المضي قدماً في استكمال عمليات الحوار الإيجابي مع واشنطن، مبيناً أن الوزير قدم عدداً من الدعوات لوزراء الخارجية لزيارة السودان. وقال مفوض العون الإنساني للصحفيين أمس: (تأكيداً على مواقف حكومة السودان الداعمة للمبادرات الدولية لتعزيز الاوضاع الانسانية بالمنطقتين– النيل الأزرق وجنوب كردفان– ورفعاً لمعاناة المتأثرين بمواقف الحركة الشعبية قطاع الشمال الرافضة لتقديم المساعدات الإنسانية، وتحصين الأطفال في المناطق التي تسيطر عليها، وإسناداً لجهود الأمم المتحدة لتوصيل المساعدات الإنسانية للمتأثرين عبر منظمات يونيسيف، الصحة العالمية، برنامج الأغذية العالمية، فإن مفوضية العون الإنساني تعلن موافقة حكومة السودان على مبادرة الأمم المتحدة المعنية بتوصيل المساعدات الإنسانية للمتأثرين في مناطق الحركة الشعبية قطاع الشمال، وذلك بعد رفض الحركة للمبادرة الأمريكية في ذات الخصوص التي وافقت الحكومة عليها). وأضاف: (وفي هذا الإطار تدعو مفوضية العون الإنساني حكومة السودان والحركة الشعبية قطاع الشمال إلى التعاون والتنسيق لتسهيل وتيسير توصيل المساعدات الإنسانية للمتأثرين في المناطق التي تسيطر عليها وذلك وفقاً للخطة والترتيبات التي سيتم الاتفاق عليها مع الأمم المتحدة والشركاء).
ومنذ فبراير من العام 2012 دفعت الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي بمبادرة ثلاثية للحكومة السودانية لوصول المساعدات الإنسانية لمستحقيها في المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية، وطرحت المبادرة في اجتماع ضم آنذاك وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي “أميرة الفاضل” ومفوض العون الإنساني د. “سليمان مرحب” وممثلي المنظمات.
وقال مفوض العون الإنساني “أحمد محمد آدم” إن الحكومة تلقت المبادرة مطلع العام الجاري، وتم تجديد تقديمها في يونيو الماضي، وتمت الموافقة عليها الآن، وأشار إلى أن تأخر قبول المبادرة كان سببه انتظار رد الحركة على المقترح الأمريكي، وأوضح أن المناطق التي تقع تحت سيطرة الحركة محدودة، حيث تسيطر على أجزاء محدودة من ثلاث محليات من جملة (17) محلية بولاية جنوب كردفان، ولفت إلى أنه لا توجد إحصاءات لأعداد المتأثرين والمحتاجين للمساعدات، لكنه أوضح أن المفوضية لديها مخزون كافٍ من المواد الإيوائية والغذائية لهم.
وأكد “آدم” أن مكتب منظمة الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في البلاد سيتولى عملية التنسيق مع الحكومة والحركة الشعبية إذا وافقت الأخيرة على المبادرة، واتهم الحركة الشعبية برفضها الدائم للمبادرات المتعلقة بتقديم الاحتياجات الإنسانية للمواطنين، وتصرّ على أن تصلهم تلك المساعدات عبر محطات خارجية دون أن تمرّ بأي إجراءات حكومية.
وشدّد على أن الحكومة تعدّ نقل المساعدات من مراكز خارج البلاد إلى المناطق التي يسيطر عليها قطاع الشمال مباشرة دون الاطلاع عليها، “انتهاكاً للسيادة”.
بدوره، دعا مدير المكتب القُطري لمنظمة الغذاء العالمي “ماثيو هولينغورث” الحركة الشعبية للموافقة على المبادرة الأممية لتوصيل المساعدات”.
وانتهزت مفوضية العون الإنساني السانحة لتنقل شكر حكومة السودان للأمم المتحدة والشركاء الوطنيين والدوليين على جهودهم المقدرة في دعم الأوضاع الإنسانية في السودان بصفة عامة وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بصفة خاصة، وتجدد التزام الحكومة بتوفير التسهيلات الممكنة لرفع المعاناة الإنسانية عن مواطنيها المتأثرين في المنطقتين.
وحاول مفوض العون الإنساني أن لا يربط مسار الحوار السوداني الأمريكي بموافقة الحكومة على مبادرة الأمم المتحدة، ولكنه أشار إلى أنها ستؤثر إيجاباً، وأضاف: (من واجب منطلقاتنا الإنسانية نحن نقبل المبادرات بخصوص توصيل المساعدات الإنسانية، والسودان يوجد به أكثر من مليون و300 ألف لاجئ).
{ الالتزام بالمسارات الخمسة
تشمل المرحلة الثانية في الحوار السوداني الأمريكي بعد رفع العقوبات عن البلاد، شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وذلك بعد إحراز وفد السودان المفاوض تقدماً في (مكافحة الإرهاب، العمل على مكافحة جيش الرب، السلام في دولة الجنوب، إكمال السلام، بجانب الشأن الإنساني)، فضلاً عن معالجة قضية الديون.
وكانت الحكومة قد كشفت عن مبادرة أمريكية لعقد اجتماع بين حكومة السودان والمعارضة المسلحة في العاصمة الفرنسية باريس في شهر يناير، وذلك بعد أن تعثرت المفاوضات عقب تعليق الآلية الأفريقية المباحثات بين الحكومة والحركات المسلحة بأديس أبابا حول مساري دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق في أغسطس الماضي، بسبب تباعد المواقف بين الأطراف في ملفي المساعدات الإنسانية والترتيبات الأمنية.
ويتمحور الخلاف بين الحكومة والحركة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق، حول نقل (20%) من المساعدات عبر الحدود الإثيوبية. وأشار مفوض العون الإنساني في حوار سابق إلى أن الشأن الإنساني أصبح حاضراً في الأجندة الدولية والإقليمية والمحلية، وهو بند له أهميته وحضوره وتأثيره على بقية المسارات في العالم، والسودان ليس ببعيد عن العالم، وقال: “وقد ظهر أثر وأهمية هذا الملف الإنساني خلال مفاوضات المنطقتين ودارفور، وظهر أيضاً في حوارنا مع الولايات المتحدة الأمريكية وكل ذلك يؤكد أهمية الملف الإنساني. السودان يواجه عدداً من التحديات الإنسانية ولكن مقارنة بمحيطنا الإقليمي فإن موقف السودان أفضل بكثير).
وفي مطلع العام الماضي كشفت الحكومة عن مبادرة خاصة دفعت بها الإدارة الأمريكية عبر مبعوثها الخاص للسودان وجنوب السودان “دونالد بوث”، تقضي بإدخال مساعدات صحية للمحتاجين بالمنطقتين من داخل الأراضي السودانية، وافقت عليها الحكومة بعد أن أجرت بعض التعديلات لتجنب ما وصفته ببعض السلبيات المتعلقة بإساءة استخدام المساعدات حفاظاً على سيادة البلاد.
رؤية الحركة الشعبية عن المبادرة الأمريكية
أعلن رئيس الحركة الشعبية ـ شمال “مالك عقار” في فبراير من العام الماضي استعداد الحركة لمناقشة المبادرة الأمريكية لتوصيل المساعدات الإنسانية للمنطقتين قائلاً إن الحركة لم ترفض المبادرة لكنها رفضت هيمنة الحكومة على العملية.
وقدمت إدارة الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” في نوفمبر الماضي مبادرة بموجبها تقوم المعونة الأمريكية بنقل المساعدات الطبية الإنسانية جواً إلى مناطق المتأثرين بولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بعد أن تخضع لتفتيش الحكومة.
وقال “مالك عقار” إن الحركة الشعبية لم ترفض المبادرة التي سماها “السودانية الأمريكية”، لأن جذورها من السودان، حسب قوله. وأوضح أن المبادرة مفادها أن تقوم أمريكا بتوصيل احتياجات إنسانية محددة عبر المسار الداخلي ثم تقوم بتسليم العملية للأمم المتحدة، مضيفاً: (هذا يعطي الحكومة السودانية حق الهيمنة على العملية، وتجربة “يوناميد” في دارفور غير بعيدة”.
وأوضحت الحركة في ورقة دفعت بها للإدارة الأمريكية أن معبر “أصوصا” يسمح لها بنقل المرضى والجرحى للعلاج في الخارج، كما أنه يسمح لقيادتها بالتنقل للمشاركة في مفاوضات السلام وغيرها من اتصالات مع المجتمع الدولي والعودة لقواعدها.
ونادى “عقار” بعدم إقصاء معبر “أصوصا” من طاولة المفاوضات، مشدداً بالقول: (الآن هناك مبادرتان أمام طاولة الآلية الأفريقية، مبادرة الآلية الأفريقية والمبادرة الأمريكية مع تعديلات مقترحة ونحن جاهزون لمناقشة المبادرتين).
لكن مفوض العون الإنساني قال في حواره مع وكالة السودان للأنباء: (ما يتعلق بمنطقة جنوب كردفان والنيل الأزرق بالتحديد المناطق التي تقع خارج سيطرة الحكومة، هناك قيود من الحركة الشعبية قطاع الشمال تمنع وصول المساعدات إلى تلك المناطق ونحن قدمنا عدداً من المبادرات ووافقنا على عدد من الخطوات التي اقترحت من قبل المجتمع الدولي منذ العام 2012م، وللأسف الشديد الحركة الشعبية لا تزال تتمترس في موقفها. نأمل أن يتم خلال الفترة القريبة والقادمة تجاوز الملف الإنساني للوصول لاتفاق لتوصيل المساعدات للمحتاجين في المنطقتين “جنوب كردفان والنيل الأزرق” لأن هذه المساعدات تعنى بالمحتاجين من الأطفال وكبار السن، وتعنى بتوفير الغذاء والدواء، وتعنى برعاية الأطفال الصغار حتى لا تتفشى الأمراض وسوء التغذية.. وبالنسبة لهذه المنطقتين لا يزال طرحنا نفس السابق نحن نرحب بالمبادرات وآخرها المبادرة الأمريكية). وأضاف: (للأسف الحركة الشعبية ظلت ترفض منذ فبراير من العام 2012م وكانت هناك مبادرة اسمها المبادرة الثلاثية لتوصيل المساعدات الإنسانية تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، بالإضافة إلى مبادرة أخرى سميت بالمبادرة الآلية الثلاثية لتوصيل المساعدات وقبلت الحكومة ورفضت الحركة الشعبية، كما تلت ذلك مبادرة أخرى هي تحصين الأطفال.. أيضاً الحركة الشعبية رفضت.. وفي العام 2015 قدمنا مبادرة من طرف الحكومة لتحصين الأطفال بالتطعيم الأساسي إلا أن الحركة الشعبية رفضت.. وزاد: (وفي العام 2016 اقترحنا أن يتم تشكيل آلية مشتركة بين الحكومة والحركة الشعبية والشركاء لعمل اختراق في هذا الملف، ولكن أيضاً للأسف الحركة الشعبية ظلت ترفض باستمرار وتصر على توصيل المساعدات من خارج السودان مباشرة إلى مناطقها دون المرور بأي إجراءات قانونية أو إجراءات صحية ولا إجراءات أمنية ولا حتى التأكد من محتويات هذه الطائرات ولا إجراءات جمركية، وظللنا نقول إن هذا يتعارض مع السيادة الوطنية ومع القوانين الدولية التي تنظم توصيل المساعدات الإنسانية في الدول.. وأخيراً ظهر المقترح الأمريكي الذي يلبي جانباً من انشغالات الحكومة فيما يتعلق بالسيادة الوطنية والاستجابة لحاجة المناطق التي تقع خارج سيطرة الحكومة، فقبلنا على الفور بالمبادرة الامريكية لأننا كنا حريصين، وما زلنا، أن نتجاوز ملف المساعدات الإنسانية لأنه يتعلق بالضعفاء لأنهم لا علاقة لهم بما يجري من خلاف بين الحكومة والحركة الشعبية، ولكن يبدو أن الحركة الشعبية تريد أن تستغل الملف الإنساني كواحدة من أدوات الضغط لتحقيق أجندة سياسية ونحن نعدّ أنه لا يوجد مبرر أخلاقي في هذا المنهج الذي تسلكه الحركة الشعبية طالما هناك تطورات حالية والناس يموتون في دول مجاورة وهي ترفض توصيل المساعدات الإنسانية)، وقال: (نوجه نداءً جديداً للحركة الشعبية قطاع الشمال بضرورة تجاوز هذا الملف حتى نصل للمحتاجين بأيسر وأسرع ما يمكن لأن الوقت ليس لصالحنا).
وأشار مفوض العون الإنساني إلى تعديل وتخليص إجراءات تحرُّك ودخول المنظمات الإنسانية والعاملين إلى المناطق المعنية بالأخطار فقط، ويتم تصديقها خلال (24) ساعة، وتم فتح أكثر من (90 بالمائة) من مناطق السودان للتحرُّك فيها بدون إجراءات إذن تحرُّك كما كان في السابق، فقد أوصلوا المنظمات حتى قمة جبل مرة في دارفور، والمناطق الأخرى فقط (8 بالمائة) من مناطق السودان، وهذه المناطق معظمها يقع خارج سيطرة الحكومة وأخرى فيها أخطار أمنية.
وأضاف، كان ذلك بفضل الأمن الكبير الذي طرأ على دارفور ووقف إطلاق النار من الحكومة حتى تواكب مرحلة السلام والأمن والاستقرار.