رئيس تحالف المعارضة "فاروق أبو عيسى" لـ (المجهر): مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير مجرد وعظ ديني ولم يناقش هموم الناس..!!
المحامي “فاروق أبو عيسى”، الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب وعرّاب التجمع الوطني الديمقراطي نهاية التسعينيات، وحالياً التحالف الوطني الديمقراطي.. معارض معلوم لنظام الإنقاذ بلغة ساخنة وكلمات مباشرة..
ذهبنا إليه في منزله بحي الرياض الراقي، حيث حديقة المساء والكلب السويدي ومجسد كامل لجميع حيوانات الغابة بلون القهوة ولون الأبنوس اللامع، وفي الصالون الواسع صور “فاروق” مع “عبد الناصر” وذكريات أخرى.
جئنا قبل الموعد بعشر دقائق، فانزعج وقال: لقد علمنا الإنجليز الانضباط.. وتحت النور الأصفر اشتدت ملامح الانضباط على محياه العام، فقام وصلى المغرب جالساً، وقال لـ (المجهر) إنه منذ مجيئه إلى السودان لم يتحدث وهو تحت المرض كما تحدث الآن، وودعنا وداعب بعض عماله ونظر للأفق ولمساء حي الرياض بقدرة متواضعة ولم ينبس بكلمة وعاد لغرفته بخطوات وئيدة.. فإلى الحوار..
{ ما هو اللامع في الحياة السياسية السودانية في الخمسين عاماً الفائتة؟
– الإنسان السوداني، لا يزال هو الإنسان البسيط الذكي الوطني المعتز بوطنيته وأهله وأرضه وقيمه (زي الدهب) لمّا تعصره الملمات، صبره كالجمل، وكذلك غضبه كالجمل، وأنا عاصرت أمماً وبشراً ولم أجد مثل الإنسان السوداني.
{ ربما لم تسمعني جيداً.. أنا قلت ما هو اللامع في السياسة السودانية؟
– اللمعان له وجهان، لمعان يشرق ولمعان قبيح.. (السؤال شنو)؟! المهم أن اللامع القبيح هي فترات الحكم العسكري.
{ ما أقصده كيف تقيّم الديمقراطيات الثلاث في التجربة السودانية؟
– الديمقراطيات في التجربة السودانية قصيرة العمر، ولم تجد فرصة لإنصافها، بل هي تجارب فاشلة حكمت السودان بالإرث الاستعماري دون مراعاة لهذا الأساس والهيكل، وكان من مصلحة المستعمر الإبقاء على المركز والاهتمام به وإهمال الهامش.
{ وهل استمرت الإنقاذ تعمل بورثة وهيكلة المستعمر في إدارة البلاد مثل حال الديمقراطيات قصيرة العمر؟
– الإنقاذ (كانت) واعية بهذا الخطر، ورجالها المستنيرون على علم بهذه الملاحظة بين المركز والهامش، والعيوب الخلقية للنظام الحاكم حالت دون كسر تلك الحواجز بالطريقة التي تكون فيها مصلحة للمواطن.. بفعالية مواطن الريف من خلال ديمقراطية المشاركة.
{ مهما قلنا عن الإنقاذ.. لكنها قدمت مشروعاً واضحاً؟
– أبداً.. الإنقاذ بلا برنامج واقعي لأهل السودان، وإنما جاءت ببرنامج منسوج من الخيال وأوهام رجالها الحالمين بدولة دينية تبنيها الشعارات، ومشروعهم فشل لأنه غير محدد.
{ كيف تنظر لماضي الإنقاذ في ما يسمى بالإسلاميين؟
– حزب الجبهة.. (يتوقف ثم يستدرك ويقول): (مش كدا اسمها).. كانت جزءاً من الحراك الديمقراطي، وكانت حزب (بتاع طلبة) يتحدثون بلغة الطلبة وطموحاتهم.
{ تقصد أنهم استفادوا من ثقافة تلك العهود الديمقراطية على قلتها؟
– ولدوا في ظل الحرب الباردة بين الشرق والغرب، وكانت التحولات تجري بين القوى التقليدية المحافظة وبين قوى الديمقراطية الناهضة من تحالفات المزارعين والمهنيين والمحاميين والطلاب.. (ناس الجبهة) ولدوا في هذا الجو وتبناهم اليمين وخصوصاً الأحزاب التاريخية، واستخدموا وسائل قمع في حرب الأحزاب ضد النفوذ المنداح من قوى اليسار.
{ لكن كان للإسلاميين حضور بارز.. إذ فازوا بأكثر من خمسين مقعداً في آخر الديمقراطيات؟
– ولكن خطورة اليسار أن “عبد الخالق محجوب” يأخذ الدائرة من الأزهري (دي ما تكتبها)!!
{ ولكن الشيوعيين أخطأوا.. ضيعوا تلك الانتصارات بكلام أحد منسوبيه – “شوقي” – وبه طُرد الشيوعيون من البرلمان؟
– دي كلها قصص مفتعلة وفارغة، وإذا قالها أي أحد، فالعمل القانوني واضح: يحاكم ويسجن، ولكن القصة الحقيقية إيقاف النفوذ المتزايد للحزب الشيوعي.
{ على أي حال هم اليوم حاكمين البلد؟
– هم ناكرو جميل، عضّوا إصبع الديمقراطية الذي رفعهم من طلبة لحزب يدخل البرلمان ليلعب دور معارضة شرسة على أسس راقية.
{ أين التجمع الديمقراطي حيث مقررات أسمرا؟
– تجربة سودانية كاملة الدسم في سودانيتها، فيها سلبيات وإيجابيات، وحتى الآن لم تجد التقييم الذي تستحقه، ويكفيها مقررات أسمرا الهادية لكل صنّاع السياسة في الفترة القادمة، وهو أوسع جبهة سياسية سودانية في تاريخ السودان المعاصر، ومع ذلك تم قبره (والله يرحمه رحمة واسعة).
{ والآن الكلمة للتحالف الوطني لقوى الأحزاب.. ما الذي يجري هناك؟
– ننظم أعمالنا وننسق كل شيء للإعداد للمرحلة المقبلة.
{ (زعلك) من الإنقاذ لا رجعة فيه.. أليس كذلك؟
– هم كالحرباء الاصطناعية، (يعني حتى الحرباء الطبيعية ما زيها).. وصمت ثم قال: (يا أخي خلينا بالله).. ويستطرد: (قلنا شنو يا ابني قبل شوية).. (ثم ينسى بقية الإجابة ويطلب السؤال التالي)!!
{ هل تريد مواصلة الإجابة أم اكتفيت؟
– زاغت قلوبهم وسال لعابهم على السلطة، وقرروا أن ينقلبوا على الذين علموهم السحر. تلك الديمقراطية التي علمتهم الحوار الليبرالي وغذتهم بالأفكار الإنسانية انقلبوا عليها مرة واحدة.
{ كثيراً ما تهاجمون الأحزاب سيما حزب الأمة أكثر مما تهاجمون الحكومة؟
– حزب الأمة أسس معنا هذا (الشغل) المهم في التحالف الوطني، وهو فاعل ومؤثر في حراكه العام.
{ ماذا أنجزتم من أهدافكم لإسقاط النظام؟
– الهدف النهائي هو تصفية نظام الحزب الواحد واستعادة الديمقراطية التعددية، القائمة على سلطة القضاء المستقل وحكم القانون.
{ وكيف تسير خطواتكم؟
– نحن (لسه).. تأسسنا عام 2008م، وأهم ما تم إنجازه أن سياسات التجمع العامة تلامس كل أشوق السودانيين، وجميعهم رافضون لنظام المؤتمر الوطني وراغبون في ذهابه، لكن لا بد أن نعترف أننا لم نبن الشبكة التي يُعبأ فيها أهل السودان.
{ كم مرة تم اعتقال “فاروق أبو عيسى”؟
– لم أعش هنا ليتم اعتقالي، لذلك لم أعتقل ولو لمرة واحدة، بل استدعيت لعدة ساعات، وفي هذا قامت الدنيا ولم تقعد.
{ لماذا كل هذا الخوف من شخصك؟
– لن أتحدث عن نفسي، ولكن دي الحقيقة.
{ أمثالكم من يعيش بعيداً عن الوطن لـ(17) عاماً تغيب عنه كثير من التفاصيل المهمة؟
– أنا ناشط في الحياة السياسية لنصف قرن من الزمان، لا تعجزني الحيلة لمعرفة أدق التفاصيل، وكنت الأمين العام لاتحاد المحامين العرب، وأعرف المعلومات ساعة بساعة.
{ هل تابعت المؤتمر العام الثامن للحركة الإسلامية؟
– تابعته، وهو محاولة فاشلة لتغطية فشل المؤتمر الوطني في كل مناحي الحياة في السودان، وبه يريدون تجديد الدماء، ولكن انتهى الحماس حتى عند قواعده الأساسية.
{ أنا تابعت المؤتمر وتم نقاش أوراق مهمة فكرية وسياسية؟
– كانت مجرد خطب دينية ووعظ لرفع معنويات قواعدهم، ومحاولة رتق صفوفهم الممزقة. لم يناقشوا هموم الناس وهو السلطة التنفيذية ويقودون البلد.
{ نقدر نقول النتيجة عند “أبو عيسى” صفر كبير بالمقياس الذي يخصه؟
– المؤتمر فاشل.. فاشل.. فاشل.. وكل نقاشهم حول دمج أو فك الدمج بين المؤتمر الوطني والحركة والحكومة.
{ الحضور الإسلامي العالمي جيد.. ضيوف من الوزن الثقيل وأحيانا يمثلون حكومات إسلامية؟
– مع كل ما تقوله، لم يتحدث أولئك الضيوف عن حقوق الإنسان في السودان، ولا عن الديمقراطية والحروب في جنوب كردفان والنيل الأزرق ومعاناة أهل دارفور.. من منهم لم يسمع بتلك المآسي؟ ولذلك خطابهم فاقد المحتوى ومبني على المجاملات وليس الحقائق.
{ كيف وجدت السودان بعد عودتك الأخيرة؟
– تغير للوراء، جئت ووجدت عمارات قبيحة المنظر بألوان غير متناسقة، فيه انعدام الذوق السليم، وتألمت لغياب الثوب السوداني الذي استبدلوه بالزي الإسلامي.
{ وكيف وجدت التعليم؟
– خريج الجامعات السودانية الذي كانت تتسابق عليه المستشفيات والمحاكم والورش، وجدته مسطحاً جاهلاً قليل المعرفة حتى في تخصصه و(سوقه بائر) سيما في الخليج.
{ حكى لي “أبو جديري” أمين سر “عبد المجيد إمام” أنك اشتبكت مع “الترابي” داخل العربة التي كان يقودها “إمام”.. ما الداعي لذلك؟
– القصة حقيقية وصارت جزءاً من الماضي، واليوم الرجل صاحبنا وجزء من التحالف، وأنا أعرفه.. زاملته في حنتوب وكان لا وجود له في أنشطة المدرسة.. وبالمناسبة كان شاباً وسيماً جميل الوجه ذكياً وشاطر مدرسة.
{ هل تتنسم الربيع العربي السوداني؟
– الربيع العربي يجب أن يكون واعياً، وأن يبني بدائله قبل سقوط النظام في شكل برنامج انتقالي يحضر لديمقراطية مستدامة وقيادة متفاهمة، حتى لا تحدث صدامات أثناء التغيير، وهذا ما نفعله حالياً في مشروع البديل الديمقراطي.
{ ما هي مساحة الشباب في المرحلة القادمة؟
– الإنقاذ أساءت للشباب السوداني، ولم توفر لهم تعليماً طيباً.
{ كنت جزءاً من نظام مايو ووصلت وزير خارجية؟
– لا.. لا.. عمري ما كنت جزءاً منه، هما عامان فقط.
{ أي نوع من الناس كان “النميري”؟
– “نميري” صديقي، أعرفه منذ أن كان يأتي لبيتنا مع أخي الكبير في مدينة ود مدني، لأن بيتنا قريب للمدرسة، وكان ينتظر حتى برنامج المساء. أما كسياسي فهو شخصية مهزوزة يسهل تحريكه من مكان لمكان وبمجهود قليل.
{ نسألك.. إنسانياً هل رفعت كفيك لشفاء الرئيس “البشير” في وعكته الأخيرة؟
– كيف.. كيف.. لازم.. أنا دعوت له بالشفاء، أنا مسلم.. والمرض والموت ليس فيهما شماتة، وإن شاء الله ربنا يكمل له الصحة والعافية.. نحن سودانيين ودي أخلاقنا.