بداية الإصلاح
الدكتور “أبو القاسم الأمين بركة” والي النيل الأبيض، هو أول مسؤول تنفيذي يتخذ قرارات صارمة لإصلاح ولايته وتنفيذ موجهات المركز بخفض الإنفاق وتحجيم الصرف البذخي وإصلاح شؤون الحكم.. لم يهاب الوالي الشاب ردة فعل مراكز القوى المستفيدة من المال السائب، ولم يخشَ على نفسه من غضبة (قطط الولايات)، وأول قرارات اتخذها الوالي “بركة” لإصلاح حال ولاية بحر أبيض، أغنى الولايات السودانية موارد، وأفقرها حالاً.. بإنهاء التعاقدات مع الخبراء والمستشارين.. الذين كانوا يصرفون رواتب كبيرة بموجب عقودات خاصة أبرمتها حكومات النيل الأبيض المتعاقبة، وليس حكومة “كاشا” وحده.. وهؤلاء الخبراء أمرهم عجيب وغريب، بعضهم وزراء سابقون.. وولاة ووزراء اتحاديون ووزراء دولة.. وموظفو خدمة مدنية سابقون تقاعدوا للمعاش وبات متعذراً عودتهم لـ(الميري) مرة أخرى، فتسللوا من خلال (شباك) خبراء ومختصين لدولة الرعاية الاجتماعية وبتعاقدات خاصة لا تحكمها ضوابط ولا لوائح.. فقط توجيهات (تنزل) على أمين عام الحكومة وتبرم العقود.. ويصبح (القط) خبيراً يستحق أجراً شهرياً من أموال دافعي الضرائب في المقينص.. والدويم والشطيب، وخزانة بحر أبيض كانت تدفع شهرياً أكثر من مليون جنيه إلى هؤلاء الخبراء.. بعضهم لا يزور النيل الأبيض إلا نهاية كل شهر.. وبعضهم يقيم في الخرطوم ويتم تحويل (عطية) الحكومة على حسابه في البنك.. حتى جاء “أبو القاسم بركة” أصغر الولاة سناً حتى قبل التعيينات الأخيرة.. حتى أزاحه من كرسيه والي شمال دارفور “الشريف عباد” أصغر الولاة الآن.. ومما يسر في التجربة إن كلا الواليين حالفهما التوفيق “بركة” في مسيرته من الجنينة غرباً اتجه نحو الشرق إلى الفولة.. وبقطار الغرب على قول الشاعر “محمد المكي إبراهيم” إلى كوستي والياً ولا يعرف هل يرسى قطاره عند مقرن النيلين في مقبل السنين أم يعود من حيث بدأ؟؟
إذا كانت بحر أبيض من ولايات الصراع السياسي التاريخي فإنها من أغنى الولايات موارد، ويفترض أن تدعم المركز وبقية ولايات الجوار بدلاً من تلقي الدعم الشهري من الحكومة المركزية لو أحسنت الولاية التصرف في مواردها.. واستفادت من وجود أكبر مصانع السكر في البلاد.. ومصانع الأسمنت ومحالج القطن.. وأكبر مشاريع الزراعة المطرية.. والموقع الإستراتيجي.. في الوسط.. والنوافذ المفتوحة مع دولة جنوب السودان.. ولكن النيل الأبيض أهدرت وقتاً ثميناً في الصراعات.. والتكالب على المواقع.. ونهب الطبقة الحاكمة لأموال الغلابة والمساكين عن طريق التعاقدات الوهمية.. والمخصصات الخرافية لمن لا يؤدون أية أعمال لصالح الولاية.. وما أقدم عليه الوالي “بركة” من قرارات شجاعة ينبغي أن يجد الدعم والسند والتشجيع من المركز حتى تؤتي سياسات التقشف وخفض الإنفاق ثمرتها في الفترة المتبقية من عمر حكومة الوفاق الوطني.. وما طريق الإصلاح إلا أشواك ومصاعب تحتاج إلى أولى العزم من الرجال والنساء في بلادي.