تقارير

وضع حقوق الإنسان بالسودان ما بين أماني المعارضة ومقررات “جنيف”

هل يعبر السودان محطة الخبير المستقل ويغادر البند العاشر؟

تقرير ـ هبة محمود سعيد
يبدو أن النسخة الـ(39) من اجتماعات مجلس حقوق الإنسان بجنيف التي تنعقد هذه الأيام، أتت مختلفة عن سابقاتها من اجتماعات، سيما فيما يتعلق بشأن حالة حقوق الإنسان في السودان، حيث ينتظر إصدار قرار نهاية الأسبوع الجاري، يتعلق بإنهاء مهمة الخبير المستقل وفتح مكتب للمفوض السامي في الخرطوم، يركز على تقديم العون الفني ورفع العقوبات.
قرار إنهاء مهمة الخبير المستقل الذي رفضه قادة المعارضة الموجودون هذه الأيام بجنيف، (الإمام الصادق المهدي ـ ياسر عرمان ـ مني أركو مناوي) وآخرون، خلال محاولة ضغطهم على بريطانيا والمجموعة الأوروبية بضرورة إصدار قرار يدين الحكومة ويعيد السودان للبند الرابع (بند العقوبات)، وصفه مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة د.”مصطفى عثمان إسماعيل” بأنه الأفضل للسودان طوال ربع قرن، لما يحمله من بشريات وصفها مراقبون بالخطوة المتقدمة، تحسب لصالح الحكومة، وأن محاولة إعادة السودان للبند الرابع، نوع من الضغط.
لسنوات طويلة، وعبر خطوات وإصلاحات مهمة بذلتها الخرطوم لتحسين أوضاع حقوق الإنسان خلال السنوات الماضية، جعلت السودان ينجح في الانتقال من البند الرابع (العقوبات)، الذي ظل يشكل هاجساً للحكومة، سيما أنها ظلت تتظلم من تقارير المقرر الخاص واتهامه بإدراج تقارير غير موضوعية وغير محايدة إلى البند “العاشر” الذي يقضي بأن يعمل الخبير الدولي مستشاراً مهمته تقديم النصح لحكومة السودان فيما يتصل بتطوير أنشطة بناء القدرات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان وليس مراقباً أو رقيباً على أداء الدولة كما نص. وبذلك أصبحت مهمة الخبير المستقل لحقوق الإنسان بالسودان، تنحصر في تقييم وضع حقوق الإنسان في البلاد والتحقق منه لأجل تحديد احتياجات الحكومة من حيث العون الفني وبناء القدرات والوقوف على الأوضاع الإنسانية، ويحث التفويض الحكومة على تمكنيه من زيارة كل مناطق الصراع في ولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وبالرغم من ذلك فقد عد مراقبون انتقال السودان إلى “البند العاشر” لا يعني انتقاله إلى بر الأمان، وإنما خطوة إيجابية نحو براءته وخروجه من “قفص الانتهاكات”.
في غضون مشروع القرار الذي يعد انتصاراً للسودان، يؤكد نقيب المحامين الأسبق الدكتور “عبد الرحمن الخليفة” على التطورات الإيجابية لموقف السودان في مجال حقوق الإنسان، لافتاً في حديثه لـ(المجهر) إلى أن موقف السودان في مكافحة الاتجار بالبشر، يعد من أهم الأسباب التي دفعت إلى هذا التطور، مشيراً إلى أن موقف كل العالم الغربي من تجار البشر واضح، وقال: العالم الغربي يجأر بالشكوى من مسألة الهجرة غير الشرعية، والسودان لديه موقف قوي جداً وقام بمكافحتها بصورة إيجابية للغاية، بالإضافة إلى التشكيل الجديد لمفوضية حقوق الإنسان الذي كانت لديه دلالات إيجابية للغاية، بجانب تحسن الأوضاع الأمنية في دارفور وهي مواقف وعوامل تضافرت وجعلت المجموعة الأفريقية تتقدم بمشروعها وهو إلغاء الخبير المستقل، وزاد: كل الأطراف المعنية بذلت مجهوداً مقدراً في هذا الأمر الذي كان بمثابة معركة طويلة استمرت لسنوات، كانت وراءها مجموعات وأجندة سياسية لقوى داخلية وإقليمية وخارجية والعالم تغير، وأضاف: هناك متغيرات كبيرة جداً كلها في نهاية الأمر كانت من الوسائل الإيجابية التي ساعدت السودان.
وانتقد “الخليفة” موقف المعارضة ومحاولة ضغطها بفرض عقوبات على السودان وإعادته إلى البند الرابع، ووصفها بالمعارضة اليائسة، مؤكداً أنها لا تفرق بين الوطن والحكومة، وقال: المعارضة تريد أن يكون السودان كسيحاً ولا تبالي حتى وإن عادت على جثته، وزاد: (خطوة المعارضة غير جديرة بالاحترام وما في شخص في الدنيا مهما عارض، يعمل ضد وطنه، ولكن الخطوة من المعارضة غير غريبة عليها، فهي معارضة ترتمي في أحضان الأجنبي وفي بلده، يمولها ويخطط لها)، ومضى قائلاً: ليس ثمة ما يلزم بالسماع للمعارضة، لأنها مسائل يجب أن تحكم بمسائل موضوعية يحكمها الواقع على الأرض وليست اتهامات وترهات، والمعارضة فقدت مصداقيتها لأنها ظلت تكذب وتكذب حتى صارت عند الله وعند الناس كذابة، ولم تستطع مقاومة الواقع الجديد، والحقيقة الواقع كان من القوة بمكان بحيث لم تستطع دعاوى المعارضة أن تقف أمامه ولم تستطع الصمود أمام هذا الواقع القوي.

وبحسب المصادر أن السودان ظل منذ عام 1993 تحت طائلة البند الرابع “بند الدول الأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان”، واستمر فيه حتى إنشاء مجلس حقوق الإنسان وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (60/25) للعام 2006، ليحل محل لجنة حقوق الإنسان المنتهية ولايتها، ليصبح السودان أكثر دولة في منظومة الأمم المتحدة ترزح تحت بند المراقبة القطرية، لينتقل في العام 2009 من البند الرابع “انتهاكات”، إلى البند العاشر (بند المساعدات الفنية والتقنية)، وتم تعيين التنزاني “محمد عثمان شاندي” خبيراً مستقلاً معنياً بأوضاع حقوق الإنسان في السودان، ونسبة لظروف مرضية لم يكمل “شاندي” القاضي التنزاني، ولايته وتم اختيار أستاذ القانون الدولي، النيجيري “محمود بدرين” منذ عام 2012 خلفاً للقاضي التنزاني، وعلى الرغم من انتقال السودان إلى البند العاشر، إلا أنه لا يزال تحت الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان التي تتلخص مهامها في المراقبة ورصد التجاوزات لأوضاع حقوق الإنسان في دول معينة، طالما أن الدول وقعت على العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بحماية شعبها عن طريق القانون من المعاملة القاسية أو غير الإنسانية والمهينة.

ظل السودان منذ لجنة حقوق الإنسان “السابقة ” وحتى الآن تحت رحمة المراقبة القطرية، حيث عينت لجنة حقوق الإنسان “السابقة ” الميجري “كاسبار بيرو” مقرراً خاصاً لأوضاع حقوق الإنسان في السودان عام 1993، وامتدت ولايته حتى العام 1998 وأعقبه الأرجنتيني “ليوناردو فرانكو” الذي امتدت ولايته أربع سنوات حتى عام 2000، وخلفه الألماني “جيراهام بايوم” حتى عام 2004 ومن ثم الغاني “إيمانويل أكوي أدو” وعقبته الأفغانية “سيما سمر” حتى عام 2009، انتهت ولايتها المثيرة للجدل بانتقال السودان من “البند الرابع انتهاكات”، إلى “العاشر مساعدات” الذي لا يعني خروج السودان من دائرة المراقبة، وبإصدار قرار إنهاء الخبير المستقل وفتح مكتب المندوب السامي بالخرطوم الأسبوع الجاري، يكون الخبير المستقل “أريستيد نونوسي” (بنين)، هو الخبير المستقل الأخير بالسودان.

وبالمقابل اعتبر المحامي والخبير في مجال حقوق الإنسان “نبيل أديب” أن الأفضلية للسودان تكمن في بقائه تحت وصاية الخبير المستقل وطلب المعونات الفنية والمادية، لافتاً في حديثه لـ(المجهر)، أن الحقوق في السودان ما زالت تعاني، وقال: (ما في داعي للغلاط ونقول في حقوق إنسان، هناك انتهاكات ودستورنا لو طبق ونفذ صح، لن تكون هناك انتهاكات)، وأضاف: “قرار المجلس ما بفيد، ولذلك نحن بحاجة لعلاقة سوية مع المجتمع الدولي”.

“أديب” ذهب إلى أن مشروع قرار إلغاء الخبير المستقل واستبداله بمكتب للمفوض السامي بالخرطوم، محاولة من الحكومة بحد قوله، للخروج من أجندة المجلس، وقال: “الحكومة عايزة تعلن انتصارها لكن وجودها في المحلي تحت أي شكل، هو دليل على أن حقوق الإنسان بها مشكلة”، وزاد: السودان يعاني وأنا أعتقد أن أجهزة تنفيذ القانون بحاجة للتدريب والتأهيل، وبالتالي تحويل المسألة من جهة إلى جهة غير مجدٍ، لأن الخبير المستقل أفضل للحكومة وللناس.

 

 

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية