من أغرب العلاقات التي يمكن أن يعمد أحدهم لاستجلائها وقراءتها على وجه منهجي سليم يشير إلى حقيقتها، هو الحال الذي يبدو الآن بين روسيا “بوتين”، وإسرائيل، فبالرغم من تباين المواقف بين الجانبين في المتحرك من القضايا الدولية والإقليمية الحالية وما يلقى عليها من شرفة التاريخ من خلافات إستراتيجية كبيرة بحكم اصطفاف إسرائيل، وبطبيعتها الوجودية في المعسكر الغربي الأمريكي، إلا أن حالة من الاسترخاء وتجنب الخلافات على النحو الذي قارب مستوى ودرجة التوافق، أعطت انطباعاً مؤثراً بتقدم العلاقة بين الجانبين على أفضل مما كانت عليه طوال تاريخهما، ولو لا ما يعترض ذلك من تباين في الأهداف والمرامي من ما يحدث في سوريا الآن، فربما زاد ذلك التوافق لدرجة التطبيع، ولكن سوريا و”الأسد” وإيران والحلف الروسي غير المعلن بين هذه الدول وغيرها في المنطقة، جعل علاقات البلدين تتجاذبها المتغيرات المتلاحقة في المنطقة، وقد أدى القلق الإسرائيلي المتنامي من تزايد حجم الوجود العسكري الإيراني في سوريا (الذي يدعمه الأسد وحكومته بتغطية روسية غير خفية)، إلى ترشيح الحالة لتشهد تصادمات مفاجئة على ضوء إصرار أمريكا وحليفتها إسرائيل، لمنع إيران من الوجود في سوريا والتصدي لذلك بكل الوسائل المتاحة، وفي ظل هذا المناخ المتوتر جاءت حادثة إسقاط إسرائيل الأسبوع الماضي، للطائرة الروسية من طراز (L20) ومقتل (15) عسكرياً روسياً كانوا على متنها، وبالرغم من ضخامة الحدث وأثره على روح الجيش الروسي إلا أن “بوتين” (الثائر) يقول إنه لا يعتقد أن إسرائيل قد تعمدت ذلك، بينما طالبت خارجيته تل أبيب بمزيد من التحقيق حول الحادثة.
كما مضت “ماريا زاخاروفا”- المتحدثة باسم الخارجية الروسية إلى أبعد من ذلك، باتهام الطيارين الإسرائيليين بتعاملهم في الحادثة بطريقة خبيثة وغير مهنية عبر احتماء طائراتهم المهاجمة بالطائرة الروسية وجعلها في مرمى نيران مضادات الجيش السوري.. إذن ما حقيقة الحال الآن بين إسرائيل و”بوتين”، وكيف سيكون مستقبلاً إذا ما استعرت الساحة وضاقت الخيارات على لاعبي الميدان السوري.. هذا ما سيشكل مفاجآت غير محسوبة مطلقاً لا لروسيا ولا لأمريكا ولا لإسرائيل وبقية اللاعبين.. إنها لعنة سوريا التي ستصيب وتلاحق من اغتصبوها وفجروها وأباحوها أرضاً وشعباً وتاريخاً.