الخرطوم : أم زين آدم
قال “كمال عمر عبد السلام” ، عضو المجلس الوطني عن حزب المؤتمر الشعبي : “إن اعلان التشكيل الوزاري الجديد شيع وثيقة الحوار الوطني لمثواها الأخير” ، ووصف الأمر بالمحبط، فيما أبدى حزبا الأمة الفيدرالي والأمة المتحد عدم رضاهما عن التشكيل الوزاري الجديد .
حكومة الوفاق الوطني المحلولة ،أو حكومة الفريق “بكري حسن صالح” ،الذي عُين رئيساً لمجلس الوزراء القومي، بجانب شغله منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية ،شكلت إنفاذاً لمخرجات الحوار الوطني ، والتوصية بإعادة منصب رئيس الوزراء إلى واجهة الحياة السياسية ،بعد(28)عاماً من حكم حزب المؤتمر الوطني ،ورأى مراقبون أن منصب رئيس الوزراء كان الأجدى أن يذهب لأي من الأحزاب المشاركة في الحوار ، وفقاً للقاعدة الجماهيرية أو التأثير السياسي، تعزيزاً للمشاركة والوفاق ،ورشح وقتها اسم الإمام “الصادق المهدي” ، رئيس حزب الأمة القومي لشغل المنصب بالرغم من تجميد الحزب المشاركة في عملية الحوار ،بعد ما شارك في مراسم حفل الافتتاح، وعلق “الإمام الصادق المهدي”، آخر رئيس وزراء في حكومة الديمقراطية الثالثة- والذي كان يعتقد ، على نطاق واسع أن المنصب قد تم تفصيله على مقاسه – بأن رئيس الوزراء في حكومة الوفاق الوطني أقرب لموظف العلاقات العامة.
وحال أداء الفريق “بكري” القسم ، أعلن عن برنامج الحكومة ،الملزم بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني بمحاوره المختلفة،والذي أطلق عليه الرئيس “البشير” حوار الوثبة، لجهة تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية تتمثل في توافق أهل السودان على تأسيس دولة عادلة وراشدة، التوافق على دستور وتشريعات تكفل الحريات وتحقق العدالة الاجتماعية ، قيام انتخابات حرة ونزيهة، تحت إشراف مفوضية قومية للانتخابات مستقلة،بناء على تلك الأهداف وضعت حكومة “بكري” تحسين معاش الناس على رأس أولوياتها .والشاهد أن حكومة الفريق بكري ، انتاشتها سنان النقد ، ووصفت بالحكومة المترهلة ، والسمينة، وحكومة المحاصصة والترضيات، حيث ضمت (31) وزيراً اتحادياً و(77) وزير دولة، لجهة أن (77) حزباً سياسياً مسجلاً شاركت في الحوار، و(37) حركة مسلحة و(66) شخصية قومية.
وبعد مضى نحو (17) شهراً على حكومة “بكري” ، التي هبت عليها عاصفة الأزمة الاقتصادية واقتلعتها ، بعد إجازة الميزانية العامة ،المعروفة إعلامياً بميزانية “الركابي” ، الفريق “محمد عثمان الركابي” وزير المالية السابق ، وسجل الجنيه أدنى هبوط له مقابل الدولار والعملات الاجنبية الأخرى ، وتجاوز سعر صرف الدولار الأمريكي الخمسين جنيهاً ، وكان “عبد الرحيم حمدي” وزير المالية الأسبق ومهندس سياسة تحرير السوق ، قد تنبأ في وقت سابق بأن الدولار سيصل حاجز الخمسين جنيهاً وكان سعر الصرف، وقتئذ، أقل من ثلاثين جنيهاً.
وجراء رفع سعر الدولار الجمركي في الميزانية ،ارتفعت الأسعار في السوق بمتوالية هندسية ، وعجزت الحكومة عن توفير العملة المطلوبة لاستيراد الدواء والقمح والوقود، وعادت صفوف المواطنين الموعودين بالرفاه، للاصطفاف أمام المخابز ومحطات الوقود، وتصاعدت النقمة على الحكومة واتخذت شكل مطالبة بتغيير الطاقم الاقتصادي بقيادة وزير المالية ، الفريق “الركابي” ، فأعلن الرئيس “البشير” الحرب على الفساد بالقبض على من وصفهم بالقطط السمان في محاولة لرد الكتلة النقدية في السوق للخزينة العامة ، وذلك عبر وحدة مكافحة الفساد التي تم افتتاحها بجهاز الأمن الوطني والمخابرات ، ومحكمة الفساد ، بالرغم من أن القبض طال شخصيات محسوبة على النظام ،بيد أن الحرب على الفساد لم تنته إلى قصة تروى عن رد أموال تنعش حالة جفاف السيولة التي فرضها بنك السودان المركزي، في محاولة للسيطرة على الكتلة النقدية خارج المصارف، وقال المهندس “عبد الله مسار” رئيس لجنة الصناعة والتجارة والاستثمار والأراضي بالمجلس الوطني ،:إن حجم الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي تقدر بنحو (70) تريليون جنيه.
وفشلت كافة الجهود المبذولة في جذب الاستثمار الخارجي ،وقال وزير المالية السابق الفريق “محمد عثمان الركابي” : “جلسنا، بالخارج، (بالصاح وبالكذب) ، مع كل من تحدث عن رغبته في الاستثمار، بيد أننا لم نخرج بشئ).
ارتأى الرئيس “البشير” حل حكومة الوفاق الوطني ، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من براثن الأزمة الاقتصادية ، بدمج الوزارات الاتحادية ،وتقليص عدد وزراء الدولة إلى النصف ، ويشمل التخفيض مستويات الحكم الولائي والمحلي ،خطوة حل الحكومة التي أعلنها “البشير” بعد التشاور مع اللجنة التنسيقية للحوار الوطني، والمكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني ،وصفها مساعد رئيس الجمهورية “فيصل إبراهيم” بالوثبة الثانية ،و تأتي في سياق عملية الإصلاح الشامل بالتركيز على المعالجات الاقتصادية، بدءاً من خفض الإنفاق الحكومي . إذن حكومة “معتز موسى” الذي خلف الفريق “بكري” رئيساً للوزراء ، معني في المقام الأول ، بمعالجة الوضع الاقتصادي وتحقيق الرفاه ، وعليه إيجاد حلول إسعافية ، بيد أن الشاهد في الأزمة الاقتصادية والتي أشار إليها الرئيس “البشير” في أحدث خطاب ألقاه ،إلى أن أيادٍ خارجية تضيق الخناق على الاقتصاد السوداني ، وبعض من وجوه تلك الأزمة عدم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ، مما يحرمه بصورة مباشرة من الاستفادة من القروض الدولية والمعاملات المالية الكبيرة.
الأحزاب السياسية في المعارضة وخبراء السوق والاقتصاد ومراقبون ، يذهب كل منهم إلى ضرورة تغيير السياسات لا الأشخاص ، وفي ظل اعتذار ثلاثة من الوزراء عن التكليف بعد إعلان أسمائهم ضمن طاقم حكومة “معتز” ،الذي قال :إنه سيعالج الأزمة الاقتصادية بالصدمة ، شكل ذلك صدمة أولى في الشارع العام.
لكن رئيس الوزراء الجديد، لم يوضح تفصيل برنامجه لمعالجة الأزمة التي تعيشها البلاد ، وخاصة الاقتصادية، أو ما أسماه بالصدمة ، ومع ذلك ، فإن المهام التي فشلت فيها حكومة سلفه ، لا تزال قائمة تنتظر التنفيذ، فيما عرف بمخرجات الحوار الوطني ، وقبل ذلك ، كأولوية وقف التدهور الجاري في سعر العملة ، ومحاربة الغلاء ، وتأمين معاش الناس ، ومكافحة الفساد..