حوارات

عميد الصحافة السودانية.. “محجوب محمد صالح” (للمجهر)

*مستقبل الصحافة الورقية ليس مظلماً كما يبدو

*فاوضت بالإنابة عن الصحافيين “غازي صلاح الدين” وزير الإعلام وقتها وأوقفنا التعدي على الصحف
*القوميون العرب و”عمر الحاج موسى” قدموا مشروع تأميم الصحف ولا صلة لي به
*أيام “نميري” كان هناك كتاب يسمح لهم بالحديث أمثال د. “منصور خالد”، فيما يحرم على الآخرين

حوار: رشان أوشي
*من أين أتت علاقتك بنظام مايو؟
لم يكن لي علاقة بالنظام المايوي، الأمر شائك جداً، ابدأ لك من البداية، قبل الانقلاب دعانا “عبد الخالق محجوب”، لاجتماع بخصوص أمر ليس له علاقة بالنظام المايوي، أمر يتعلق بأن البلاد تمضي باتجاه دستور إسلامي، وسيفرض بالأغلبية بالبرلمان، متوقعاً تحالف “الأزهري” والإسلاميين، ولا يوجد أمام العلمانيين سوى تنظيم أنفسهم للمستقبل، ويجب أن نكون جبهة، نكون مستعدين للعمل بنفس طويل، مادام قبلنا بالديمقراطية، فلن يكون أمامنا خياراً سوى القبول بالدستور الإسلامي، حال حصل على تأييد الأغلبية، ولأجل ذلك يجب أن نقدم مرشحاً لرئاسة الجمهورية، لن يحصل على أصوات كثيرة، وإنما سيخلق مركزاً يلتف حوله الناس، هذا مجمل اقتراح “عبد الخالق”، دعى من الاتحاديين القدامى أو الابروفيين، خاله “الكد”، “إبراهيم أحمد يوسف سليمان”، “خلف الله بابكر”، دعى من اليساريين “مكاوي مصطفى”، “الشبلي”، “عابدين إسماعيل”، “محجوب محمد صالح”، “بابكر عوض الله” و”عزالدين علي عامر”، شكلنا لجنتين، (التنظيم)، و(الميثاق)، وأغلب من أتت بهم مايو وزراء، كانوا ضمن قائمتنا هذه أمثال “محي الدين صابر”، أنا و”عزالدين علي عامر” كلفنا بصياغة الميثاق، “بابكر عوض الله” قال سيقرأه ويناقشه مع “عبد الخالق”، ومن هنا بدأت المماطلة، كلما هاتفناه يعتذر بعدم توفر الوقت لقراءة الميثاق، حتى فوجئنا بالبيان في الإذاعة.
*أ.”محجوب”.. أنت عراب الحادثة الشهيرة التي حسبت عليك حتى اليوم، وهي تأميم الصحافة؟
شعرنا بأن الملكية الخاصة للصحف لن تمضي للأمام، وقتها كنت رئيس تحرير (الحياة)، قدمنا فكرة بأن تتحول الصحف إلى شركات مساهمة عامة، ناقشنا الأمر مع “فاروق حمد الله”، تحمس للأمر، وفي ذات الوقت كان القوميون العرب يعملون على ذات الفكرة ولكن في مسار آخر مع “عمر الحاج موسى” وزير الإعلام، وقدموا المقترح للرئيس “نميري” ووافق عليه، لم يكن لدى فكرة.
*من هم القوميون العرب أصحاب مشروع تأميم الصحافة بالضبط؟
“زولهم الأساسي، هو “عمر محمد سعيد” وكيل وزارة الإعلام، حملوا المشروع والتقوا بـ”عمر الحاج موسى”، والذي شكل لجنة برئاسة “عبد الكريم عثمان المهدي”، “محمد أمين حسين”،”عبد الله رجب” واتحاديين.
*أنت لم تكن مشاركاً في هذه اللجنة؟
لم يكن لي بها أدنى صلة، بل كانت غير معلنة، وقصدوا إخفاءها عنا، نحن كنا نعمل مع “فاروق”، أما لجنتهم من كتب بيانها الختامي، ورفع تقاريرها، هو مقررها “عبد الله رجب”، عندما التقوا بمجلس الثورة فوجئ “فاروق حمد لله”، حاول كثيراً تعطيل هذا الأمر، وطرح المشروعين، مشروعنا ومشروع القوميين العرب، فشل في ذلك، قدم اقتراحاً بتعيين رئيس مجلس الصحافة الذي يصدر الصحيفتين، اتصل بي “عمر الحاج موسى” وطلبني لاجتماع بحضور السيد رئيس الجمهورية، عرض على الموقع، رفضته بداية، وقلت لهم :”أنتم الآن تخططون لإنشاء تنظيم سياسي، وإن أممتم الصحافة الآن وسلمتم الصحف للوزارة ستصبح حكومية وبالتالي ستكون وصمة وسبة طول العمر، انتظروا حتى إعلان التنظيم وسلموه الصحف”، أخبروني بأنهم قرروا في الأمر وقضي، وقررنا إنشاء (المؤسسة السودانية للصحافة)، هي التي تصدر كل الصحف وأنت تترأسها، اعترضت على الفكرة، اعملوا مجموعة دور صحافية، “نميري” قال ننشئ دارين، المهم أخبرتهم بأنني لن أقبل إصدار صحيفة مملوكة للدولة، إنما سأقبل رئاسة هذه المؤسسة، إذا كانت مهمتها تصفية الوضع السابق ومنح الناس حقوقهم ومعاشاتهم، “نميري” طلب مني إصدار القرار من المجلس الذي سأترأسه، انشأنا مجلسين أحدهما لجريدة “الصحافة”، برئاسة “جمال محمد أحمد”، والآخر لجريدة “الأيام”، برئاسة “موسى المبارك”، وتفرغت أنا لحصر الصحافيين وحقوقهم وسنوات خدمتهم و….الخ، بعد (6) أشهر قمنا بتصفية كل ذلك ومنح الناس حقوقهم.
*كيف كان الأداء الصحافي في الفترة من 1969-1971م؟
لم أعمل خلال هذه الفترة، اتذكر عند وفاة “جمال عبد الناصر” اتصلوا بي للعمل، رفضت لأن الدار لديها رئاسة ومسؤولين، قمنا بإنجاز أشياء كثيرة منها معاشات، لكن الحكومة خذلتنا في جانب التعويضات الذي رفضته.
*لماذا جاءت يوليو 1971م؟
لم أكن جزءاً من الفعل وقتها، لا أملك معلومات مباشرة عن الأحداث.
*هل تعتقد أن الحزب الشيوعي أراد الاستيلاء على نظام حسب عليه وتصحيح مساره؟
“عبد الخالق” كان ضد الانقلاب، ولكن أيضاً لا اعتقد أن الحزب الشيوعي يقوم بانقلاب 19/ يوليو بدون “عبد الخالق”.
*ماذا كان موقفك من يوليو 1971م؟
كنت ضد الانقلاب، ولكن آثرت الصمت، لأن الشيوعيين نكل بهم وقتها، قابلت “عبد الخالق” يوم 20 في الشارع صُدفة، وتواعدنا بالالتقاء في بيت أحد الأصدقاء، كنت أود استفساره عما يحدث، ولكني لم أتمكن من الحضور، وصمت بعد ذلك.
*شهادتك للتاريخ حول محاكمات الشجرة 1971م التي أفضت لإعدام “عبد الخالق محجوب” ورفاقه؟
لم تكن محاكمات، إنما عملية انتقامية خالية من القانون، ومن الصعب من سالت بينهم هذه الدماء أن يتعاونوا لتحقيق العدالة، كان إذا حكم القاضي بحكم مخفف يتم إبعاده.
*كيف كان الأداء الصحافي في عهد الرئيس “نميري” حتى العام 1985م؟
هناك مكتسبات حصل عليها الصحافيون بمجهوداتهم، خاصة الجوانب الثقافية والأدبية، أن اطلعتي على العمل الصحافي في تلك الفترة ستجدي عملاً كبيراً في الصحافة الثقافية والأدبية، سياسياً كانت موجهة لخدمة النظام، كان هناك كتاب يسمح لهم بالحديث فيما يُحرم منه الآخرون أمثال د.”منصور خالد”.
*كثيرون يعتقدون أن نظام الإنقاذ أكثر حُرية وتعددية في الصحافة مقارنة بالعهد المايوي؟
هذا زمن طويل، الإنقاذ أغلقت الصحف ثلاث سنوات حتى العام 1993م سمحوا للصحف الرياضية، الإنقاذ مرت بمراحل عديدة، ومايو كذلك، لكن أي نظام شمولي لم يكن صديقاً للصحافة، في فترات تحتمل كثيراً، وأحياناً تضيق ذرعاً بالصحافة، وهو ما يحدث الآن، الإنقاذ شهدت مراحل، ودائماً كانت تعتمد على الشخص المسؤول، لقد فاوضت بالنيابة عن الصحافيين “غازي صلاح الدين العتباني”، عندما كان وزيراً للإعلام، كان منفتحاً وتمكنت من إحداث انفراج، وشكلنا لجنة مشتركة لمعالجة كثير من القضايا، وأوقفنا التعدي على الصحف لفترة، لكن عندما غادر ذهبت كل مجهوداتنا أدراج الرياح، أي أنه كان يدعمها حتى داخل حزبه.
*كسياسي وخبير إعلامي مخضرم.. كيف ترى المخرج السياسي والاقتصادي للبلاد؟
أي إنقاذ للسودان، الأفضل يحدث عن طريق الحوار بين القوى السياسية، ليس بشكله الحالي، لأن الذي حدث ليس حواراً، لدينا تجارب في الحوار المجتمعي، كنت جزءاً من عملية حوار ناجح، مؤتمر المائدة المستديرة حول قضية الجنوب المنعقد في مارس/ 1965م، واجهتنا كل الصعوبات وتغلبنا عليها جميعها، ووصلنا إلى تفاوض توصل إلى نتائج كبيرة، ولكن لم تتوفر الإرادة السياسية لتنفيذها، عندما جاء نظام “نميري” لتوقيع اتفاق أديس أبابا وجدوا مشروعاً جاهزاً، لدينا تجارب كثيرة تساعدنا في إنجاز حوار حقيقي، شريطة أن يكون النظام الحالي على استعداد لتقديم تنازلات، وأيضاً قمنا بتصفية الوضع الاستعماري بطريقة سلمية، عقدنا اتفاقية، نجحت لأن الانجليز كانوا موافقين على مبدأ التصفية.
*الجميع يعلمون فشل النظام في قيادة الدولة، ولكن أيضاً لا نرى قيادة ورموز للمعارضة يمكن الاعتماد عليها في انتشال البلاد من أزماتها؟
يوم: 30 /يونيو/1989م، لم يكن هناك شخص في السودان يعرف شخص اسمه “عمر البشير”، لا توجد بلاد عقيمة من إنجاب القيادة، من داخل الأزمة يمكن الحصول على قادة، يوم الانتفاضة لم يكن هناك من يفكر في “الجزولي دفع الله”، صحيح يقال مثل هذا الحديث، وفيه جانب من المنطق، ضعف المعارضة يؤيد ذلك، لكن كل هذه الأمور محلولة، نحن نقبل مبدأ الصوت الواحد للفرد الواحد.
*وأنا أحاورك.. صحيفة (الأيام) ذات التاريخ المديد والكبير متوقفة عن العمل، للأسباب السياسية والاقتصادية في البلاد، هل من المتوقع أن تعود (الأيام) مرة أخرى؟
ذات مرة أغلقت الأيام، شكلت مجموعة من المتضامنين معها لجنة وذهبوا لمقابلة المسؤولين، فأجابهم مسؤول قائلا: “الأيام لن ترى النور مرة أخرى”، الأيام فكرة، حتى إذا لم تصدر بذات الاسم لن تموت الفكرة، والأهم أن الإعلام الورقي كله يواجه مشكلة في العالم، ولكني اعتقد أن مستقبل الصحافة الورقية ليس مظلماً كما يبدو، شريطة أن يفكر الناس أن تكون الصحيفة الورقية جزءاً من مؤسسة إعلامية متكاملة، بها راديو، تلفزيون، موقع إخباري، صحيفة ورقية.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية