رأي

رأي قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة في أغنيات الراحل “أحمد المصطفى”

التجانى حاج موسى

في عموده الراتب كتب الأخ الزميل “باشاب” ، مناشداً ورثة عميد الفن السوداني الراحل “أحمد المصطفى” بفك الحظر عن أغنيات العميد الخالدة، وليست هذه هي المرة الأولى والتي يثار فيها هذا الموضوع في أكثر من إصدارة وفي مرات عديدة.. وكل الذين تناولوا هذا الموضوع شجبوا وأدانوا تصرف الورثة وبالتحديد ألقوا باللائمة على وكيل الورثة “الصديق عز الدين” ،نجل الراحل العميد، وليست هذه هي المرة الأولى التي أدلو بدلو في قضية منع أغنيات الراحل العميد، وأرجو أن أوفق في عرض هذه القضية الهامة والعامة في نفس الوقت، واضعين في الاعتبار الكم الهائل من الأغنيات التي صدح بها العميد وسجلها للإذاعة السودانية، والتي صارت إرثاً إبداعياً يحسب للعميد في تاريخه الفني الحافل بالإبداع الغنائي الرائع، وقد سنحت الظروف أن أكون شاهد عصر في هذا الموضوع، والشاهد أنني كنت وقتها أميناً عاماً للمجلس الاتحادي للمصنفات الأدبية والفنية، مكتب حق المؤلف بالسودان.. أذكر أن وكيل ورثة الراحل العميد جاء إلى المجلس لأمرين أولهما أن أعطيه خطاباً للإذاعة السودانية ليتحصل منها على نسخة من كل الأغنيات المسجلة بصوت والده لتقتنيها الأسرة والحصول على كل المعلومات المتعلقة بمصنفات مورثهم، وقد أعطيته خطاباً بهذا المعنى معنون للسيد مدير الإذاعة وقتها الأستاذ الإعلامي المعروف “معتصم فضل”، الذي استلم الخطاب، ويبدو أن طلب الورثة لم ينجز كما يشتهون.. وعاد إلى مراراً لطلب فتوى قانونية خاصة بمصنفات مورثهم، وهنا ينبغي أن أوضح التكييف القانوني بهذه القضية ، وقانون حق المؤلف ينص على انتقال الحق المادي للورثة، إذ أن لهم الحق طوال الخمسين عاماً التي تبدأ من تاريخ وفاة صاحب الحق مؤلف المصنف، إذن كل ألحان الأغنيات التي ألفها الراحل تصبح من حق الورثة ولا يجوز لأي مستغل أن يعرض ويبث للجمهور تلك الألحان دون الرجوع للورثة وأخذ أذن منهم مكتوباً في وثيقة تحدد الكيفية التي يستغل بها تلك الأعمال، وهذا حق أصيل أعطاه المشرع لأي ملحن لحن لحناً، هذا بالإضافة إلى حق الورثة في صوت مورثهم وهو يصدح بتلك الأغنيات للجمهور عبر أي وسيط ناقل للصوت، وهذا بنص القانون يعتبر حقاً مجاوراً يؤول لورثته بعد وفاته لخمسين عاماً بعد انقضائها يصبح المصنف ملكاً عاماً ويجوز استغلاله وعرضه للجمهور من قبل أي مستغل، والقيد الوحيد هو عدم إغفال ذكر اسم من ألف ذلك المصنف، ولمزيد من الإيضاح مثلاً كل ألحان وكلمات الفنان العظيم الراحل “خليل فرح” أصبحت حقاً عاماً لا تستوجب أخذ أذن باستغلالها وعرضها على الجمهور من قبل أي مغنٍ مرخص له بالغناء للجمهور، ومن باب أولى يمكن إعادة بثها بصوت الراحل الملحن الشاعر “خليل فرح”، والقانون يلزم بذكر أسمه لأن ذلك حق لا يسقط مدى الحياة، وقد اعتبرته كل التشريعات الوطنية حقاً مقدساً لا يسقط بالتقادم، وعدم ذكر المؤلف هنا يعتبر مخالفة صريحة لنص المادة التي توجب ذكر الاسم، وهذا ما نصت عليه قوانين حق المؤلف الوطنية والاتفاقات الدولية التي ترعاها وتشرف عليها المنظمة الدولية المعروفة اختصاراً باسم “وايبو” والتي انضمت لعضويتها معظم دول العالم والسودان من بين تلك الدول، والمنظمة تعتبر من أهم منظمات الأمم المتحدة وتشرفت برئاسة المواطن السوداني بروفيسور “كامل الطيب إدريس” صديقي وزميل الدراسة شغل منصب المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية لدورتين متتاليتين للمرة الأولى في تاريخ أهم منظمة عالمية، وأشهد له أنه لم يبخل على أهله بالدراسة بأكاديمية المنظمة، وأنا منهم من قضاة ومحامين وضباط شرطة جمارك وأساتذة جامعات، فاستحق منا الشكر الجزيل، والقانون السوداني لحق المؤلف والحقوق المجاورة تجرم أي تشويه يحدث للمصنف الأصلي الذي ألفه المؤلف ويجوز له رفع الدعوى القضائية والمطالبة بالتعويض.
إذن – سادتي – نحن أمام قضية حق يحميه القانون مثله مثل أي حق يحميه القانون كالعقار أو المنقول.. الخ من حقوق تحميها القوانين.. إذن ورثة الراحل “أحمد المصطفى” لم يقترفوا ذنباً بمنعهم استغلال حقهم الذي آل إليهم بالقانون، وكان أوقع لمن خطئوهم بأن يناشدوا الورثة بالسماح ببث وإعادة بث مصنفات مورثهم، وفي الجانب الآخر على المستغلين توفيق أمر حصولهم على حقهم المادي الذي كفله القانون، أما إذا تنازلوا للمستغلين عن حقهم المادي فهذا أيضاً من حقهم.. والشيء بالشيء يذكر ،أن خلافاً حاداً نشب بين “عز الدين” وابن عمه المغني “أحمد بركات” وكاد أن يصل الخلاف بينهما للمحكمة، والسبب أن “أحمد بركات” يؤدي معظم أغنيات عمه الراحل العميد، واشتهر كمغنٍ مطلوب في الحفلات والمناسبات التي يحييها الفنانون، والشاهد أنه سحب البساط من ابن عمه الفنان “عز الدين” الذي كان مشهوراً بأداء أغنيات والده.. يومها – تدخلت بالأجاويد لرأب الصدع، واقترحت حلاً لـ”أحمد بركات” بأنه يمكن أن يغني الأغنيات التي ألفها ولحنها جده “الجاغريو” الذي سقط حقه المادي بالتقادم بمضي الخمسين عاماً من وفاته، وأي مؤدٍ يمكن أن يؤدي تلك الأغنيات بصوته فقط عليه ألا يسقط الحق الأدبي للراحل الملحن الشاعر “الجاغريو” وهذا ما فعله “أحمد بركات” ويفعله مغنون ولا تثريب عليهم في ذلك.
وهنا لا بد من ذكر السابقة القضائية للشاعر الأستاذ “هاشم صديق” المدعي في القضية الشهيرة ضد الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، والتي أوكل فيها المدعي القانوني الضليع الأستاذ “الفاضل دياب” والتي قضت المحكمة للمدعي الأستاذ “هاشم” بالتعويض.
إذن أمر أغنيات الراحل “أحمد المصطفى” أمر قانوني والحق المادي ثابت لورثته لمدة خمسين عاماً بعد وفاته، وقبل هذه المدة على من يريد بث أو إعادة بث ألحان وأداء أغنياته عليه توفيق الأوضاع القانونية مع الورثة ليسمحوا له باستغلال الأغنيات وبثها للجمهور، وبالضرورة لا بد أيضاً من أخذ إذن شعراء تلك الأغنيات أو من ورثته في حالة وفاته.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية