حوارات

عميد الصحافة “محجوب محمد صالح” (للمجهر)

*الاتهام باختلاس المال العام كان فضيحة تدوي في القرى والحضر

*أيام حُكم الفريق “عبود” تصادر الصحف حال خالفت التعليمات بعدم الكتابة في موضوع معين
*في فترة الديمقراطية الثالثة كان هناك انفلات وتجاوز كبير جداً في الصحافة
*الأحزاب لم تتعلم من تجربتها، ولم تستمع لرسالة الهامش، وليس لديها مشاريع لإدارة المجتمع

حوار: رشان أوشي

*الصحافة في عهد الفريق “عبود”.. هل كانت هناك رقابة على الصحف، أم ممارسات قمعية؟
الفريق “عبود” أغلق جميع الصحف بداية حكمه، وبعد فترة أعلن أن الإغلاق يخص الصحف الحزبية، أما المستقلة مسموح لها بالعمل، وكانت هناك صحيفتان، (الأيام والرأي العام)، لكن كانت تصلنا تعليمات بألا نكتب في بعض المواضيع، أن خالفناها تصادر صحفنا، صحيفة (الأيام) أغلقت لمدة ثلاث سنوات، على مرتين خلال فترة حُكم “عبود”، ولأول مرة أقام محاكم عسكرية حوكم بها قيادات اتحاد عمال السودان، كتبنا افتتاحية بأن هذه المحاكمات تشبه محاكم “نورنبيرغ” التي أقامها الانجليز في المانيا، أغلقت بموجبها الصحيفة، لم نصدر إلا بعد انقلاب “شنان”، في مايو، وفي عام 1962م صودرت “الأيام” لمدة عامين.
*فترة “عبود” كانت الأكثر إنجازاً تنموياً في السودان، لم تتهم قياداتها بالفساد، لماذا كل هذا البطش؟
في الستينيات والخمسينيات لم يكن هناك حديث عن الفساد، وهذا أمر طبيعي، لأن الناس تسيطر عليهم مثاليات الاستقلال، المال العام كان محل احترام الجميع، من اتهم بسرقة فلس كانت تدوي فضيحته القرى والحضر، نعم كان نظاماً دكتاتورياً ولكنه ليس فاسداً، كما أنهم استفادوا من أخطاء الديمقراطية، الوضع الاقتصادي كان سيئاً، سببه انخفاض السعر العالمي للقطن عام 1957م، رفضت الحكومة بيع المحصول، وتراكم عليه محصول 1958م، عندما استلم “عبود” السُلطة باع القطن بأقل من السعر العالمي، فتوفرت لهم أموال ضخمة جداً، بدأوا مشاريع التنمية، لكنهم وقعوا في أخطاء تنموية كبيرة جداً، مثلاً “أحمد خير” اشترى (5) مصانع من روسيا لم يعملوا، انشئ مصنع صلصة في كريمة إنتاج الطماطم لم يكن كافياً للعمل فتوقف، ومصنع ألبان في بابنوسة، القبائل تغادر بماشيتها بعيداً في الخريف، مصنع كرتون في أروما في ذلك الوقت توقفت زراعة القطن في القاش واستبدلت بالخروع وسيقانه لا تصنع كرتوناً، صحيح حصل انفراج ولكن سببها أن السودان كان يشترط على “جمال عبد الناصر” سداد تعويضات ضخمة للمهجرين لإقامة السد العالي، إضافة إلى اتفاقية مياه النيل التي وقفت الأحزاب ضدها بقوة لأنها كانت تطمح لحصة أكبر من التي منحتنا لها الاتفاقية، حكومة “عبود” تنازل، واستلم أموال المصريين لبناء قرى المهجرين وانتعش السوق والعمالة.
*الصحف التي صدرت حديثاً في فترة حكومة نوفمبر.. هل كانت تؤيد النظام؟
صدرت الصحافة عام 1962م، والزمان “عبد العزيز حسن”. كانت تعمل بحيادية.
*هل يشبه عهد الفريق “عبود” العهد المايوي؟
لا.. العهد المايوي أيدولوجي، وغيرها بعد ذلك، بدأ يساري وانتهى في أقصى اليمين، من أول يوم كان يسارياً.
*الديمقراطية الثانية شهدت حراكاً سياسياً كبيراً، كيف كان الأداء الصحافي؟
كان هناك انفلات وتجاوزات كبيرة جداً، نسبة للكبت الذي عانت منه الصحافة في عهد الفريق “عبود”، عندما تم فك الحصار على الصحافة حدثت تجاوزات “بطالة”، الأمر الآخر الأحزاب لم تتعلم من تجربتها، أهم ما تجاهلته الأحزاب في أكتوبر هو المناطق الهامشية بعثت للخرطوم رسالة واضحة المعالم، مفادها الظلم والمطالبة بالعدالة الاجتماعية، الانتخابات التي تمت في 1953م-1954م للحُكم الذاتي، لم تشمل أي شخص من خارج الحزبين الكبيرين باستثناء “حسن الطاهر زروق” ممثلاً لليسار، أول انتخابات عقدت بعد أكتوبر أتت بمؤتمر البجا، وكيان جبال النوبة “فيليب غبوش”، وجبهة نهضة دارفور، داخل البرلمان تكونت جبهة تنمية كردفان، إذاً أتت الأقاليم بقوة، لم يستمع أيا من القيادة السياسية لرسالة الهامش، أن استمعوا لها آنذاك لن تتعقد الأمور بما نراه الآن، اعتقد أنه أكبر خلل حدث، إضافة إلى هجمة تطهير للخدمة المدنية غير مرشدة، حملت جوانب شخصية أفسدت مفهوم التطهير وأتت برد فعل غير جيد، إضافة إلى ضعف الأحزاب في غيابها، كما أنها جاءت هذه المرة بزخم الديمقراطية، وهي تفتقر لأبسط مقومات الديمقراطية داخلها، كانت ضعيفة تفتقد للمؤسسية، وتعيش صراعات، ولم تنتبه للقلق الذي بدأ يتصاعد في الأقاليم وشمل حتى قواعدها، أي البجا كانوا قواعد الحزب الاتحادي، تخلو عنه، النوبة كانوا منقسمين بين الاتحاديين وحزب الأمة نفضوا أيديهم عنه، جبهة دارفور كلها أنصار، تخلوا عنهم أيضاً، لذلك ما حدث الآن من تمرد في الأطراف يستند على خلفيات تاريخية.
*هل تعتقد أن الأوضاع السياسية في هذه الفترة كانت مأزومة لدرجة شرعنة انقلاب عسكري في مايوم 1969م؟
المسألة الحقيقية في الحُكم منذ فجر الاستقلال لم يستند على قواعد صحيحة، الخدمة المدنية لم تكن مملوكة للأحزاب، كما أنهم ليس لديهم مشاريع لإدارة المجتمع، وكانوا رافضين الإدارة الأهلية التي جاء بها الانجليز، ولم تستحدث بديلاً، من غير الممكن أن تأتي لتقول أن الاستقلال يعني إحلال الأحزاب محل الانجليز في قمة هرم الدولة ومجلس الوزراء، وبرلمان، إذاً كيف ستحكمون الأقاليم بدون ثوابت، كوادر، ومعرفة، كله كان مفقوداً، عندما نثير هذه القضايا في الصحافة كانوا يتهموننا بإثارة الإحباط والفتنة، هذا كله جعل الأحزاب بلا أقدام على الأرض، بل معلقة في قمة الهرم الإداري، إضافة إلى افتقارها للمؤسسية.
*بصراحة.. وأنت صحافي قريب من الأحداث وقتها، ماهو دور الحزب الشيوعي في انقلاب 25/مايو/1969م؟
سؤالك هذا كبير جداً، وليس من السهل الرد عليه، ولكن الحزب الشيوعي كمؤسسة ليست له علاقة بالانقلاب، إنما كانت بعض من عضويته تعمل للانقلاب، وآخرين يعملون ضده، السكرتير العام “عبد الخالق محجوب” كان ضد الانقلاب، واستطاع أن يؤثر على الضباط الأحرار، في مارس 1969م وقفوا ضد الانقلاب، ولكن مجموعة “أحمد سليمان” كانوا يعملون لصالحه ومعه آخرون، الانقسام كان داخل الحزب قبل الانقلاب، لذلك عندما أعلنت مايو، انقسم الحزب بوضوح.
*هل كان الرئيس الراحل “جعفر نميري” شيوعياً؟
لا.. لم يكن شيوعياً..
*إذًا من أين أتى وأنت تتحدث عن تخطيط شيوعي للانقلاب؟
أنا درست مع الرئيس “نميري” في المدرسة وسبقته بأربعة أعوام، عايشته وأعرفه جيداً، كانت تربطه علاقة بالأنصار، عندما التحق بالجيش تأثر بحركة الضباط الأحرار المصريين، وأسس تنظيم الضباط الأحرار السوداني.
*في معرض حديثك ذكرت بأن الحزب الشيوعي كمؤسسة لم يخطط لانقلاب مايو، ولكن عندما استلم العسكر السُلطة تم اعتقال كل قادة القوى السياسية وإيداعهم السجون ما عدا الشيوعيين.. كيف تفسر ذلك؟
كان هناك تعاطف معهم من قبل سُلطة مايو، اجتماع مارس لقيادة الضباط الأحرار طرح فيه مشروع الانقلاب، وعندما طرح لـ(بابكر النور) والبقية، كسبوا الأغلبية في الاجتماع وهو رفض الانقلاب الذي تبناه الحزب الشيوعي من قبل، القوميون العرب “أبو القاسم محمد إبراهيم”، “أبو القاسم هاشم”، “مأمون عوض أبو زيد”، “خالد حسن عباس”، “زين العابدين” لم يقتنعوا بهذا الرفض، عندها قرروا أن يستمروا، وعندما انتصروا اتوا برفاقهم رافضي الانقلاب واشركوهم في مجلس قيادة الثورة، “هاشم العطا”، “بابكر النور”، في اليوم الذي سبق الحدث أي يوم 24/مايو، “نميري” التقى “عبد الخالق” وحدثه مرة أخرى، إذا كان هناك صلة، رغم قناعة انقلابيي مايو بمعارضة الشيوعيين، إلا أن طمحوا في تغيير موقفهم والالتحاق بالنظام الجديد.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية