انهيار اتفاق
{ إنها خيبة أمل أخرى تضاف لخيباتنا العديدة.. انهارت اتفاقية التعاون بين السودان وجنوب السودان، وانسد أفق السلام ليفتح صفحة الحرب والموت.. والأسى والحزن الذي اندلق في أرض الوطن (القديم) من نمولي إلى حلفا، امتزجت دموع الحزانى المشفقين على الوطن بدموع المبتهجين بالعداوة والبغضاء والحرب التي لها عند البعض منافع منذ قدم التاريخ وحتى اليوم الحرب تدعم جيوباً وتنعم وجوهاً وتحصد ثمرات الموت والجراح وأنين الحزانى في هجعة الليل خزائن.. تأكل من دم البسطاء كما تأكل فئران الفول السوداني من (السويبة)!!
{ بعد توقيع اتفاقية التعاون بين الخرطوم وجوبا في أديس أبابا التي ابتهجت لها الدولتان تنبأت في زاويتي هذه (بانهيار) الاتفاقية في حال فشل التسوية السياسية لقضية المنطقتين لجهة تأثيرها المباشر على العلاقة بين البلدين واستحالة أن تشتعل حربٌ في الحدود و(تستقيم) العلاقة بين البلدين على جادة الطريق، لم يصغِ لصيحاتنا أحد، وظن الجميع أن إغراء الدولار وحاجة الدولتين للنفط تعصمهما من الانزلاق مرة أخرى لحافة الحرب التي لن تحل أي من مشكلات الاقتصادين المتداعيين لأزمات لا قبل للخرطوم أو جوبا بها.
{ قضية الأمن في كردفان والنيل الأزرق أو فك الارتباط بين الجيش الشعبي في الدولة الجنوبية والجيش الشعبي في المنطقتين انتهت لطريق مسدود.. وقد نعى “سلفاكير” الاتفاق بدعوته اليوم لاجتماع طارئ للمكتب السياسي للحركة الشعبية وهو السلطة العليا في دولة الجنوب، واستدعى كذلك نواب الحركة الشعبية في البرلمان لإعلان وفاة اتفاقية التعاون، والخرطوم لم تتعجل من جهتها في المبادرة (بقباحة) الفعل ربما شغلتها عن تلك المهمة مؤتمر الحركة الإسلامية الذي ينهي أعماله اليوم.. وجوبا تحتضن داخل (حركتها) الحاكمة جيوب كراهية وبغضاء للشمال والشماليين تبدت مظاهرها في الدعوة لإسقاط “سلفاكير” والتظاهر ضد حكومته حينما وقعت اتفاقية التعاون. وفي الخرطوم تيار عريض وفاعل جداً في المؤتمر الوطني وخارجه لا يرى في اتفاق التعاون مع دولة الجنوب إلا وجهاً للتنازلات غير المبررة اصطُلح عليها (بالانبطاح) كما في أدبيات “الطيب مصطفى” الشفاهية والتوثيقية!!..
{ واليوم يغمر الفرح بعض المدينة وينتاب الخوف أغلبها وقد وطأت الأزمة الاقتصادية غالب الشعب وسحق البؤس مناطق الحروب وأضحت المستشفيات كالأسواق من كثرة الزوار، وأضحت الأسواق كالمقابر صامتة لا يرتادها إلا من يسر الله له رزقاً كثيراً أو سلطة تبيض ذهباً وتفرخ ديناراً ودولاراً.. والحرب التي قد تغمر البلدين كخيار لغياب التعايش والتفاهم في القريب العاجل لن تحصد أرواح من ينفخ في كيرها ويدعو لها جهراً ويعمل من أجلها بكدٍ، ولكنها تحصد أرواح من لا يعلم لماذا تشتعل الحروب وتلك هي مأساة تاريخية على مدى الإنسانية.
نال (أمبيكي) صفة رجل أفريقيا الأول .. وابتهج بنصر لم يكتمل، والآن تلوح في الأفق بوادر فشل زراعة السلام بين السودانين والوسطاء الذين أعياهم المسير وحار بهم الدليل اختاروا (الفرجة) والمراقبة وتملكتهم الدهشة.. كيف سقطت كل الرهانات وتبدلت الابتسامات وبات البطل خائناً والشجاع جباناً ولكن (بؤس) التقدير هو من أورثنا حصاد زرع لم نحسن (تسويره) وها هي أغنام الحرب (ترتع) في فجواته… وقد أهملت الوساطة والطرفان المتفاوضان القضايا الحقيقية التي تؤدي للتنازع ولجأت لمغريات المائدة فانهارت الاتفاقية بسبب المنطقتين وحرب قطاع الشمال!!..