حوارات

الخبير الاقتصادي والأستاذ بالجامعات السودانية د. “السماني هنون” في حوار مع (المجهر)

· موظفو البنوك ليس بأيديهم إجابة للعملاء وهربوا من مكاتبهم

· على “عبد الرحيم حمدي” أن لا يتوارى هذه الأيام
· أفكار البنك الدولي لا تتناسب مع الأزمة الاقتصادية في السودان
· تصنيف السودان كدولة مفلسة يحرمه من المعاملات المالية الخارجية

حوار : سيف جامع
قال الخبير الاقتصادي “السماني هنون” إن الحلول الأمنية التي تنتهجها الحكومة، لا تصلح في حل القضايا الاقتصادية الإستراتيجية، وطالب بمراجعة القوانين والتشريعات خاصة المتعلقة بمحاسبة ومراقبة المتعاملين في سعر الصرف، وضرورة مراجعة تجربة الاقتصاد الإسلامي، وماذا أنجزت هذه التجربة، فيما يتعلق بسعر الصرف والتضخم، والبطالة والناتج المحلي الإجمالي، وذلك لتأسيس إصلاح جذري في الاقتصاد.
*بداية دكتور كيف تقرأ حالة التفاؤل بسبب ضخ نفط الجنوب؟
بالطبع هذا مؤشر جيد ينعكس إيجاباً على سعر الصرف، وقد حدث تراجع طفيف في أسعار سعر صرف العُملات الأجنبية، وكذلك الاتجاه لتحقيق السلام في الجنوب ينعكس على سعر الدولار، ويخفف الفاتورة الاقتصادية للدولة.
لكن الوقت مبكر للحكم على أن الجنيه سيقوى مقابل العُملات الأجنبية بسبب ضخ بترول الجنوب، ويحتاج لإجراءات أخرى داعمة منها سياسية لتعزيز المسار الإيجابي لسعر الصرف.
* كيف تفسر الأثر السريع للإجراءات التي اتخذتها السُلطات في الخبز؟
أرى أن الأزمة مفتعلة وليست حقيقية، لأن مسبباتها غير جوهرية، وستزول بموجب الإجراءات الأخيرة وتعزيزها بحزمة أخرى، والخطورة في عودة الصفوف مرة أخرى، ويتطلب عدم عودتها معالجات إضافية لاستدامة حل الأزمة التي أنجلت بالفعل واختفت الصفوف وتوفر الخبز للمواطنين، وعلى الدولة معالجة القضايا الاقتصادية بحلول إستراتيجية من حيث جانب العرض والطلب، وأن لا نلجأ إلى الحلول الأمنية لأنها غير مستدامة للحد من عودة الصفوف وإحداث وفرة في السلع الأخرى.
*في رأيك هل تصلح المعالجة التي تمت لحل أزمة الخبز في قطاعات أخرى..؟
ما تم في معالجة أزمة الخبز، لا يناسب الأزمات الأخرى، لأن بعض منها يحتاج معالجات إدارية مثلاً الزراعة تعاني مشاكل بنيوية لا تحل بالسرعة وتحتاج لوقت وليس إجراءات كما حدث في الخبز، الدقيق كان متوفراً لكن تشديد الإجراءات الأمنية أدت إلى توفره، لكن هذه المعالجة غير صالحة في القطاع الزراعي وتحتاج إلى توفير مدخلات الإنتاج وهي طويلة المدى ومشاكل الزراعة تحدث عادة نهاية الموسم بانخفاض الإنتاج وهذا حال الاقتصاد بوجود مستويات مختلفة للإصلاح، والزراعة متعلقة بالبنى التحتية ومصادر الطاقة والعملية تحتاج لوقت طويل.
*بماذا تنصح القائمين بأمر الاقتصاد..؟
لابد من استمرار مسيرة الإصلاحات الاقتصادية بحزمة أخرى منها مراجعة القوانين، لأن السُلطة التنفيذية القائمة لا يمكنها القيام بأي عمل دون وجود تشريعات وقوانين خاصة لمحاسبة المتعاملين في سعر الصرف ومراقبة القطاعات المعنية بسعر الصرف شريطة أن تكون إجراءات مواكبة وهناك مرحلة التنفيذ والتجاوزات التي تتمثل في المحاباة والوساطة والصحيح في الاقتصاد الكلي مراجعة التشريعات ومراجعة تجربة الاقتصاد الإسلامي وماذا أنجزت هذه التجربة في سعر الصرف والتضخم والبطالة والناتج المحلي الإجمالي، ومنه يؤسس لإصلاح في الاقتصاد، والاقتصاد معالجته ليست بالسرعة وإنما تحتاج لفترة زمنية وإعادة تقييم التجربة ووضع خارطة طريق لمستقبل أفضل من الذي نعيشه حاليا.
*هل يمكن أن تنتهي حملة الاعتقالات في إعادة توازن الاقتصاد.؟
كاقتصاديين لا نوافق على حلول أمنية لقضايا إستراتيجية ونرى أنها لا تحقق جدوى في معالجة المشكل الاقتصادي بل تزيد الوضع سوءاً وتنفر المستثمرين وتوقف كافة النشاطات. ويجب أن تنبع الحلول من سرعة الحكومة نحو الحلول الفعالة لأن الأمنية مضرة بالاقتصاد واعتقد أن الإجراءات الأخيرة والقبض على رجال الأعمال غير موفقة وهذه الإجراءات ينبغي أن تتم بحلول بدلا من أن نجرم تاجر العُملة وملاحقته قضائيا، لماذا لا نوفر بورصة للنقد الأجنبي وتسهيل الاستثمار للأجانب، وعندما خاطبنا الحكومة بأن البنوك أصبحت غير قادرة على توفير النقد الأجنبي والمسألة وقتها لا تحتاج تدخل رئيس الجمهورية وهي إجرائية فنية لكن لم تتم حلول.
*ما التوقعات بتأثير هذا الوضع على الدولة..؟
الدولة تواجه فشل منفستو الاقتصاد الذي عولت عليه في التسعينيات، وتجلى هذا الفشل في أبهى صوره في المشاهد التي تحدث اليوم من تكدس العملاء بالبنوك الذين يطالبون بمستحقاتهم، ما يحدث يمكن أن يعرض الدولة للمساءلة القانونية لأن هنالك من لم يتناول الغذاء أو الدواء بسبب حجز أمواله بالبنوك وتعطلت الكثير من مصالح المواطنين.
*إلى أين يقود هذا الوضع ..؟
يقودنا إلى عقوبات وتطبيق قوانين دولية متعلقة بالقطاع المصرفي حيث هنالك قانون اتفاقية (بازل1) الدولية الخاصة بالرقابة المصرفية التي تنص على أنه حال لم يتمكن المصرف من مقابلة السحوبات الجارية يجب تصفيته، وكذلك الودائع المتعلقة بالطلب، لا تسمح بتأخر المصرف ويعرض المصرف لإجراءات قانونية ، والفشل يعود الى فشل المنفستو ولابد من مراجعته.
*ماذا عن ثقة العملاء ما هي الخطوات التي تتم لإعادتها ..؟
العملاء أصبحوا ينفرون من البنوك والصفوف وصلت إلى الصرافات الآلية، الآن العميل يضيع زمنا طويلا في الصفوف، فلا إعادة ثقة إلا بمراجعة شاملة وهي المدخل الصحيح للإصلاح إتاحة فتح المصارف غير إسلامية ومراجعة التأمين وبرؤية جديدة.
*سياسة التحرير أين موقعها من ما يحدث الآن ..؟
ما يحدث هو حصاد لثلاثة عقود من الفشل الاقتصادي، الذي تبناه “عبد الرحيم حمدي” في الثاني من أغسطس عام 1992م وقضى ذلك بأسلمة كل الاقتصاد، ونحن الآن في موسم حصاد الفشل لكل ما زرع سابقا وتجلى هذا الفشل في أبهى صوره بالمصارف. حتى التنفس أصبح مشكلة في بنك الخرطوم شارع القصر، وهذا الوضع في كل المصارف .فأصبحت في وضع التصفية ولمصلحة من نستمر في الخطأ والحلول موجودة؟ حان الوقت لاتخاذ حزمة من الإصلاحات.
* من يتحمل مسؤولية ما يحدث..؟
“عبد الرحيم حمدي” عليه تحمل المسؤولية الأخلاقية في ما يحدث في الاقتصاد .ونتمنى أن يكون له شجاعة للتحدث فيما يحدث لأنه أول من دعا إلى التحرير، ويتحمل مسؤولية فيما تعاني منه البلاد من مسغبة وعوز، ويجب أن يخرج ويجيب على أسئلة عملاء المصارف عن عدم تمكنهم من السحب من ودائعهم، وعليه أن لا يتوارى في هذه الأيام وعليه مواجهة الأزمة، نحن نعيش في حصاد وهو يتحمل مسؤولية ذلك من خلال أفكار فطيرة انعكست في المصارف وفي التأمين والتجارة والأسعار، و”حمدي” عراب الأسلمة الاقتصادية في السودان، وعليه مخاطبة الشعب عن ما يحدث الآن، هو كمرجعية اقتصادية يجب أن يتصدى كما تعرض له “جون كيس” حينما تعرض الاقتصاد الأمريكي للانكماش، يجب عليه أن يقدم رؤية، ونقول لـ”حمدي” الآن الاقتصاد في حالة احتضار وموت سريري، وكل مديري المصارف تهربوا عن العملاء وتواروا خجلا، عليه أن يظهر ويتحدث عن ما تتعرض له المصارف السودانية.
* صف لنا بالتحديد موقف الاقتصاد.؟
الوضع وصل إلى مستويات تضخم غير مسبوق يُسمى التضخم الركودي الجامح هو أعلى مرحلة يصلها التضخم في الاقتصاد، وتبعه التدهور في قيمة الجنيه من (12) جنيهاً إلى (40) جينهاً في أوقات قريبة، وهنالك تزايد في معدلات البطالة والشباب كلهم جالسون حول بائعات الشاي، وهناك تراجع في معدل أداء الاقتصاد الكلي واستشرى الفساد وظهور المفسدين والاقتصاد السوداني أصبح شبه معزول لأنه يدعي أنه إسلامي، وهذا مدخل لعزلة دولية حتى في تشريعاته يقول إنه إسلامي وكذلك المشاكل السياسية أدت إلى مشاكل مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وهذه مؤسسات دولية علاقتها بالسودان مرهونة بعلاقة الأخير بالولايات المتحدة الأمريكية، لذلك لدينا مشاكل مع المؤسستين في عدم التخلص من الديون، والسودان الآن مدين بأكثر من (50) مليار دولار، ويعاني اضطراباً في الناتج المحلي الإجمالي، حيث نجد أن حجم الديون في شهادات شهامة فقط لا تقل عن (20) مليار دولار، وبذلك يصل حجم الدين الكلي (70) مليار دولار. وهذا يصنف السودان كدولة مفلسة، وهذه دولة غير مؤهلة لتعاملات خارجية لأنها دولة مدينة ومعسرة وغير مؤهلة للحصول على قروض خارجية والآن تعيش اسوأ الحالات، وصندوق النقد يلجأ إلى لي الذراع مع الدولة، ويطلب منها رفع يدها من دعم الكهرباء والقمح والمياه، ليضمن عودة دعمه، أفكار البنك الدولي لا تناسب الأزمة في السودان.
*حينما اتصلنا بك قلت إنك في البنك تريد أن تسحب من حسابك هل تمكنت..؟
نعم بحمدلله تمكنت من سحب مبلغ ألفي جنيه، وشاهدت وضعاً غير مسبوق بالبنوك، هنالك حالة امتعاض وسخط وفوضى حقيقية في الصرافات والبنوك ولا يستطيع موظفو البنوك الرد على العملاء، ويواجهون ضغطاً نفسياً وهربوا من مكاتبهم،
أما الإيداع شبه متوقف لأن عدم اليقين والثقة في النظام المصرفي وصلت لأدنى مستوياتها، ولا يمكن أن يضع المواطن أمواله في فك أسد ومن ثم يتصارع معه لإخراجها، والشيكات فقدت الثقة وترفض في المعاملات، ونطالب بأن تراجع فلسفة الشيك لأنه أصبح غير مبرئ للذمة في ظل نظام مصرفي متهالك، ويجب مراجعة المادة التي بسببها يقبع آلاف في السجون لأكثر من عقد من الزمان .
*خريف هذا الموسم مبشر ما المطلوب من الحكومة للاستفادة من الإنتاج..؟
نعم الخريف مبشر ويتوقع إنتاج كبير في المحاصيل النقدية ما يعني الدولة فتح أسواق عالمية لتسويق هذا الإنتاج ويمكن أن يسهم العائد في تراجع أسعار الدولار لكن هنالك مسألة تتطلب مراجعة مثل صيغة بيع السلم وهي صيغة إسلامية مجحفة أفلست بالكثير من المزارعين وطالبنا باستبدالها بأن يحدد السعر السوق وليس البنك، والحكومة عليها الوقوف إلى جانب المزارع في التمويل والضرائب وإلغاء البعض منها واهم من ذلك فتح الأسواق للصادرات الخارجية، وهناك طلب قوي للمنتجات السودانية التي تقل بها الأسمدة .
*من المسؤول عن التسعيرة في اقتصاد السوق الحُر..؟
المسؤول الأول قوى العرض والطلب وتدخل الحكومة يؤدي إلى تشوهات ويخلق أسواقا موازية ونشاطا طفيليا وسمسرة كما يحدث في سوق النقد بوجود سعر رسمي وسعر موازٍ وسعر آخر للصادرات واستيراد الدواء هذا التعدد في سعر الصرف يخلق وسطاء وسماسرة، ويزيد أسعار السوق بصورة صورية، ويؤدي إلى تكاليف في الاقتصاد والتضخم، وثقافة لتعدد أضرت بالاقتصاد.
*كلمة أخيرة..؟
حقيقة الاقتصاد يحتاج لرؤية جديدة وحان الوقت للنظر برؤية جديدة لمراجعة التشريعات التي أوصلت إلى هذه بعيداً عن الولاء السياسي أو إصلاح وتقويم الاقتصاد يحتاج لرؤية واحدة وليس حزباً.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية