{ في ذات الوقت الذي وجه فيه رئيس الجمهورية ببناء مدرسة بقرية (كبنة) التابعة لمحلية البحيرة بولاية نهر النيل، خلال مواساته لأهل المنطقة في فقدهم لـ(22) طالباً وطالبة من أعز فلذات أكبادهم الأبرياء في كارثة غرق المركب المشؤوم، كانت معاول الهدم هنا في العاصمة الخرطوم، ومع سبق الإصرار تهد في واحدة من أقدم وأعرق المدارس الأهلية في السودان، ألا وهي (مدرسة الحلة الجديدة الوسطى) التي شيدها من حر ماله الرائد في مجال التعليم الأهلي أستاذ الأجيال ورجل البر والإحسان الراحل “عبد المنعم يونس”، ويكفي هذه المدرسة أنها خرجت أجيالاً من قيادات ورموز ونجوم المجتمع السوداني، ويكفي أن هيئة تدرسيها كانت تضم العملاقين فنان أفريقيا الأول والأخير الموسيقار الراحل “محمد عثمان وردي” والخبير الإعلامي والإذاعي العالمي الراحل “حمدي بدر الدين”.
{ بعيداً عن تفاصيل عملية البيع والشراء وما يكتنفها من غموض، غيب أصحاب الحق (الوراث)، وبعيداً عن العرض والقيمة الحقيقية للأرض!!.. وبعيداً عن القيمة التاريخية للمباني والمعاني التي لا تقدر بثمن!!.. وبعيداً عن عدم قانونية تغيير الغرض من مدرسة إلى مشروع استثماري!!.. وبعيداً عن تجاهل أهل المنطقة كباراً وصغاراً (المستفيدين من المدرسة والمتضررين من إزالتها ومسحها)!!.. وبعيداً عن اختيار هذا التوقيت العجيب لبدء عملية الهدم في عطلة (الجمعة) وعطلة العيد وانشغال الناس بالتحضيرات لاستقبال عيد الأضحى المبارك!! وبعيداً!!.. وبعيداً!!
{ السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا التمادي والإصرار على الهدم والتكسير رغم ظهور من أكدوا أنهم أبناء وأحفاد صاحب الأرض ومؤسس هذا الصرح التعليمي التاريخي.
{ أما كان في إمكان الجهة التي اشترت هذه المدرسة أياً كانت حتى ولو كانت تابعة لرئاسة الجمهورية، أما كان لهم أن يتريثوا قليلاً حتى يصلوا إلى حقيقة الأمر مع من ادعوا بأنهم الورثة وأصحاب الساس والرأس، ومن ثم إقناعهم وإقناع أهل المنطقة (الحلة الجديدة) بالوثائق التي تؤكد حصولهم على هذه المدرسة وبما فيها من مباني بالقانون، ومن بعد ذلك يحق لهم أن يكملوا عملية الهدم والتكسير، ولكن الإصرار على الهدم بهذه السرعة ودون إعطاء فرصة لسماع الآخر والنظر إلى ما في يده من إثباتات وحجج والتحقق من قانونيتها، حقاً هذه العجلة تضع الكثير من علامات التعجب والاستفهامات الكبيرة.
{ بالنسبة لي شخصياً وبالرغم من عدم وجود أي علاقة تربطني بالحلة الجديدة أو حتى بالحلة القديمة، ولكني كنت احترق من الداخل وأنا أرى تلك الفصول الدراسية الشامخة التي تجاوز عمرها الخمسة وسبعين عاماً، تتهدم جدرانها وتتشلع سقوفها وتتفكك أبوابها ونوافذها وسط دموع الورثة وأهالي المنطقة.
{ وضوح أخير:
{ عدم امتثال المواطن العادي للقانون واحتكامه للجهات العدلية شيء مرفوض، أما عدم امتثال رجل القانون للقانون واستخفافه بالأوراق الرسمية يعتبر شيئاً صادماً، بل هادم!!
{ عجباً لهذا الزمان الذي نبكي فيه لسقوط أحد الفصول الدراسية داخل مدرسة خاصة بمحلية أمبدة، لم تقوَ على تحمل الأمطار الخفيفة فخرت بهشاشتها على رؤوس الطلاب الصغار، فإذا بمعاول الهدم وفي وضح النهار تغتال مدرسة متينة ورصينة عاشت بقوتها الأولى لأكثر من خمسة وسبعين عاماً، وقاومت كل عوامل الزمن وعوامل الطبيعة من أمطار وسيول ورياح وأعاصير، وقاومت حتى إهمال وتجاهل المسؤولين عن مباني ومعاني التعليم العام والتعليم الأهلي.
{ حقاً هذه هي بالفعل علامات نهاية التعليم وبداية التأليم!!
{ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.