حوارات

الباحث في شؤون القرن الأفريقي بروفيسور “حسن مكي” في حوار مع (المجهر) حول المصالحة بين إثيوبيا وإريتريا

* كل الشباب في إثيوبيا ينظر اليوم إلى " آبي أحمد " كبطل .. ونجم !

* الصين هي الخاسر الأكبر من تقارب إثيوبيا وإريتريا .. والسودان بإمكانه أن يكسب .

* أمام دول القرن الأفريقي تحدٍ وهذه هي التداعيات المتوقعة للخطوة !

* من المهم جدا حدوث مصالحة سودانية إريترية !

حوار سوسن يس

في خطوة تأريخية سيكون لها ما بعدها ، أنهت دولتي إثيوبيا وإريتريا حالة اللا سلم و اللا حرب التي امتدت بينهما لنحو (20) عاماً بعد حرب دامية استمرت بينهما لعقدين من الزمان راح ضحيتها عشرات الآلاف من الجانبين ..
و شكلت المصالحة بين البلدين علامة بارزة في منطقة القرن الأفريقي ربما تعيد ترتيب المشهد السياسي في كامل دول المنطقة وتمتد تداعياتها وآثارها لكثير من دول منطقة القرن الأفريقي .. (المجهر) التقت الخبير في شؤون القرن الأفريقي الدكتور “حسن مكي” وحاورته حول الموضوع .. فماذا قال ؟
# دكتور “حسن مكي”، كيف تنظر لما يجري في إثيوبيا الآن وكيف قرأت التقارب والمصالحة التي حدثت بين إثيوبيا وإريتريا .. وما هي التداعيات المتوقعة لهذه الخطوة على دول القرن الأفريقي في تقديرك ؟
ما يحدث الآن في إثيوبيا هو شيء ربما قد تأخر بدليل أن القوميات الإثيوبية الآن تنظر إلى “آبي أحمد” كبطل، ولا أدري هل ستستمر هذه النظرة في الأيام المقبلة أم ستكون وقتية . لكن المؤكد الآن كل الشباب في إثيوبيا ينظر إلى “آبي أحمد” كبطل وكنجم باعتباره حقق حلماً بالنسبة للقوميات الإثيوبية في أن تكون جزءاً من النخبة الحاكمة لأن الحكم في إثيوبيا في خلال المائة سنة الأخيرة ظل متداولاً ما بين الأمهرا و التقراي، ولكنه الآن انتقل إلى الجنوب وانتقل إلى الأرومو . وسواء أكان “آبي أحمد” مسلماً أم غير مسلم ، إلا أننا يمكن أن نقول إنه لو كان مسلماً كأي مسلم ما كان سيستطيع أن يفعل ما فعله “آبي أحمد” لأنه كان سيخاف وكان سيوازن . “آبي أحمد” عنده شجاعة أنه مشى فوق جراح الإثيوبيين وذهب إلى إريتريا وحقق السلام وذهب إلى الصومال و حقق جزئياً سلاماً وجاء إلى السودان وحاول أن يصل إلى فكرة تصفير مشاكل الحدود مع الجيران سواءً كانت كينيا أو الصومال أو إريتريا أو السودان أو غيرها ، بالإضافة إلى تصفير مشاكل المياه مع مصر، وأبدى مرونة .وعلى المستوى الشخصي كسب أن يتحرك مع المواطنين بشكل عادي وأن يثبت حين محاولة اغتياله. أمامه تحدٍ كبير هو تغيير قانون الانتخابات لأن قانون الانتخابات الحالي الذي يقوم على الدوائر الجغرافية المباشرة لن يحقق الاستقرار في إثيوبيا ، فهو الآن سيغير قانون الانتخابات ليكون جزءاً منه تمثيل نسبي مع الدوائر الجغرافية حتى تمثل كل القوى السياسية . كذلك هو الآن صفر جزئياً مؤقتاً المشاكل مع قوى المعارضة سواءً كانت حركة تحرير الأرومو أو حركة تحرير بني شنقول أو جبهة الأمهرا أو غيرها . صحيح في المستقبل قد يواجه مشاكل لأنه لا يزال هناك احتقان في حركة التحرير التقراوية وهي الآن شبه منشقة، بعضهم بارك هذه الإصلاحات وذهب معها وبعضهم يرى فيها قضاءً على مشروع حركة تحرير التقراي . لكن أعتقد من دروس التأريخ أنه لا أحد يستطيع أن يقاوم الدولة مهما كان متنفذاً في الدولة، وخصوصاً أنه بعدما فشلت محاولة الاغتيال التي تعرض لها ، فإن أية محاولة اغتيال أخرى – لأي رئيس – تحتاج بعد فشل المحاولة الأولى إلى ما بين (6) أشهر إلى عام، وبعد أن تمر هذه الفترة ستكون قد مرت مياه كثيرة وقد حدثت تغييرات كبيرة في بنية الدولة وفي بنية الأجهزة .
فلذلك أنا أعتقد أنه لم يحدث في خلال المائة سنة الأخيرة أن كانت الخطوط متاحة ومفتوحة بين دول القرن الأفريقي ومجموعة دول النيل كما هو حادث الآن .
# لكن هناك تحديات ومشاكل ربما تواجه السلام الإثيوبي الإريتري سواءً على مستوى القوى الدولية أو الإقليمية التي ربما تخسر نتيجةً لهذه الخطوة .. ؟
– بالنسبة للقوى الدولية أعتقد أن الأمريكان مرحبين بهذه الخطوة لأنها أراحتهم كثيراً من الصين، لأن الخاسر الأكبر في هذه المسألة هي الصين . فجبهة تحرير التقراي كانت مؤصلة على النموذج الصيني وعلى النموذج الألباني وهناك استثمارات صينية كبيرة . الآن بالنسبة للأمريكان عندهم خصم لم يبعد، ولكن على الأقل فتح الشركات الأمريكية سيكون له أثر. كذلك الخطوة مريحة للأمريكان لأن الأمريكان في السياسة الخارجية دائماً ينسبون السلام والانفراجات لأنفسهم، فلذلك السلام الإثيوبي الإريتري بالنسبة لهم إنجاز كبير . وهذا الإنجاز سيمتد إلى الصومال جزئياً ففي الغالب “أسياسي أفورقي” سيوقف دعم حركة الشباب، وهذا سيريح الحكومة الصومالية . لكن طبعاً هناك خاسرين ، هناك دول ستخسر .
# ما هي الدول التي ستخسر ؟
– جيبوتي ستخسر، لأن حجم الصادرات عن طريق جيبوتي سيتراجع ربما(30%) إلى(40%) بفتح ميناء عصب أمام التجارة الإثيوبية. لكن جيبوتي ربما تتمكن من الاحتفاظ بوضعيتها لأن بجيبوتي خط سكك حديدية متقدم ونقل البضائع في السكك الحديدية أقل تكلفة ، لكن البضائع بالنسبة لمنطقة التقراي ومناطق الشمال الأهم لها أن تأتي عن طريق “عصب” لأن البضائع التي تأتي من جيبوتي بعدما تصل إلى مناطق دريدوا وإلى أديس أبابا ستنقل مرة أخرى بالعربات إلى منطقة التقراي وإلى مناطق شمال إثيوبيا . فالأفضل لهذه المناطق أن تأتيها البضائع مباشرة من عصب حتى تنخفض قيمتها . لكن الأهم من ذلك هو الشعور بالحرية . فسكان القوميات الذين كانوا ينظرون لأنفسهم بأنهم مستعبدون للقوميات المتفوقة في الشمال ، لأول مرة يتنفسون ويشعرون بأن إثيوبيا هي بلدهم وبأن لديهم الحق في أن يحكموها . وبأن أحد أبنائهم يحكم هذا البلد. والشخص إذا مات بالجوع سيكون في ارتياح لأن الحرية مثل الأكسجين ومثل الماء حاجة مهمة جدا فالأكسجين لا يمكن أن يكون طعاماً وكذلك الماء لا يمكن أن يكون طعاماً والحرية لا يمكن أن تكون طعاماً و لكن كلها حاجات مهمة جداً للإنسان من ناحية التحرر العقلي والنفسي والفكري والمعنوي، وما يحدث في إثيوبيا الآن كذلك أعطى دفعة للمرأة الإثيوبية، فالإثيوبية الآن هي رئيسة البرلمان ورئيسة مجلس الولايات وهذه فيها رمزية كبيرة جداً للمرأة الإثيوبية .
# ما هي التداعيات المتوقعة على دول القرن الأفريقي .. ؟
– دول القرن الأفريقي الآن طبعا أمامها تحدٍ – هل تستطيع أن تماشي حركة الحريات وحركة الديمقراطية الهابة من إثيوبيا، أم أنها ستكون متكلسة ومتمسكة بالحكم وغير قادرة على تجديد قياداتها وغير قادرة على إطلاق موجات الفرح وسط الجماهير، فالآن الجماهير الإثيوبية منتشية وفرحانة، فهل ستستطيع دول الجوار أن تفعل ذات الشيء وتنهي هذا الاكتئاب الفكري والنفسي والروحي ؟
# ما الذي سيحدث في تقديرك .. هل ستتواءم وتستوعب أم .. ؟
– ستتواءم . جيبوتي أصلاً فيها شيء من الحريات، لكن ستفقد اقتصادياً . و في الصومال حركة الشباب ستخسر قليلاً من الدعم الخارجي وستكون فرصة كبيرة أمام الحكومة الصومالية لإحكام قبضتها على جزء كبير من الصومال . بالنسبة لإريتريا المسألة تتوقف على “أسياسي أفورقي” لأنه هو الذي رفع علم تحرير إريتريا وهو الذي كسب الحرب ضد إثيوبيا وآلته الأمنية والعسكرية قوية جداً. وهو الآن يعتبر الكاسب لأنه أصبح مثل الزعيم الأقوى في القرن الأفريقي ، جاء إليه “آبي أحمد” وتصالح معه وجاء إليه زعيم الصومال وتصالح معه والآن ترفع عنه العقوبات في الأمم المتحدة وتعود إريتريا قوية للإتحاد الأفريقي .
وأعتقد هناك مكان مهم جداً لمصالحة سودانية إريترية ، هذه مهمة جداً .
#من الممكن أن تحدث مصالحة سودانية إريترية ؟
— نعم ممكن .
# بالمناسبة، الكثيرون يعتبرون السودان أحد الخاسرين من التقارب الإثيوبي الإريتري فهل هو سيخسر بالفعل .. ؟
— السودان يمكن أن يكسب.. فمسألة الخسارة في السياسة ليست كما الخسارة في التجارة. السودان يمكن أن يكسب عندما ينضم إلى الرابحين.. لأن كل القوى الموجودة تحتاج للسودان وبالنسبة للسودان هذا المعسكر مهم جداً فمن المهم أن يكون على حسن تفاهم مع محيطه الجغرافي والسياسي، ولا يمكن للناس أن تعيش مع الحرب .السودان ظل منذ(1955) في حرب الجنوب وفي التسعينيات في حرب القوميات مع إثيوبيا وإريتريا ولا يمكن أن يظل كذلك. السودان يحتاج للانطلاق ولذلك لابد من تصفير التفاهم مع إريتريا ومع غيرها كما تم تصفير التفاهم مع جنوب السودان .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية