تقارير

“صلاح قوش” مهندس عودة الوعي.. و”سلفاكير” تنازل عن مواقفه

انسياب النفط جوار الماء شمالاً

هل انتهت حرب الدولتين لتبادل المنافع؟؟
تقرير – يوسف عبد المنان
تنساب اليوم (الاثنين) قطرات النفط الأسود من حقول الوطن الجنوبي عبوراً لأراضي الوطن الشمالي نحو موانئ التصدير، في الوقت الذي بدأت فيه مساعي التعافي السياسي وانقشاع غمة الخصومة والتوجس وتبادل الأذى بين (البلدين) المنقسمين من بلدٍ واحد ورثته الأجيال الحالية وطناً مساحته مليون كيلو متر مربعاً كما يرددون ويزعمون، ولكنها أي الأجيال الحالية فشلت في المحافظة عليه موحداً.. وفشلت بعد انقسامه إلى (وطنين) في التعايش وتبادل المنافع.. ولسنوات عديدة.. حتى غشيته في العالم الجاري صحوة مفاجئة وإحساس من الرئيسين “عمر البشير” في الخرطوم، و”سلفاكير ميارديت” في جوبا بأن مصير الشعوب لا ينبغي رهنه من أجل حفنة محدودة من (مواطني) الدولتين مستفيدة من دماء الحرب وعذابات المواطنين وشقاهم.. وقد أحالت الخلافات والصراعات والحروب جنوب السودان إلى بلد فاشل ودولة متلقية لمساعدات الدول الأخرى رغم الثراء في ظاهر أرضها وباطنها.. وفي السودان لم تكن الأوضاع أفضل من الجنوب، حيث بات الحصول على قطعة (الخبز الحاف) تزرع الفرح والابتسامة في الوجوه التي عليها غبرة وترهقها قترة!! ، وفشلت المصارف في الوفاء بالتزاماتها نحو زبائنها.. وضاقت سبل كسب العيش في الوقت الذي تملك فيه دولتا السودان وجنوب السودان كل مقومات النهوض.. والتطور والعيش بكرامة، إذا ما تواضعت القيادات إلى التراضي.. وحل النزاعات (سلماً) بعد فشل البندقية في إحداث التفوق في العراك الذي يدور بين أبناء (الوطنين) منذ الانفصال الذي وقع عام(2011م)، وجعل (منقو) يئن في قبره.. و”ود جفيل” يدمع وهو تحت الأرض.. وعندما تشرق شمس هذا الصباح الاثنين(27 أغسطس 2018م)، تنساب عبر أنابيب الصادر (45) ألف برميل من البترول إلى بورتسودان بعد توقف (5) سنوات إثر النزاع بين الدولتين، وقد انتهت عمليات صيانة حقل (تيماسوس) بولاية الوحدة الذي اتخذ كحقل تجريبي أول تمهيداً لصيانة بقية الحقول وصولاً إلى تصدير (400) ألف برميل في اليوم بحلول منتصف العام القادم.. ووصل أمس إلى هجليج كل من المهندس “أزهري عبد القادر” وزير النفط والغاز السوداني و”وأيزكيل لول” وزير النفط بجنوب السودان لإدارة (بلف) تم إغلاقه بقرار شهير لا يزال صداه يتردد، حينما أصدر الرئيس “عمر البشير” قراراً لوزير النفط حينذاك د.”عوض أحمد الجاز” بصيغة آمرة (أغلق البلف يا عوض)، ولم يتوانَ د.”عوض الجاز” في تنفيذ توجيهات الرئيس التي جاءت كرد فعل لهجمة غادرة نفذتها حكومة جنوب السودان الوليدة على حقل هجليج في شمال السودان لتعطيله وخنق السودان اقتصادياً لقتل حكومته وإزاحتها من الوجود عملاً بنصائح خاطئة أسداها أعداء البلدين للجنرال “سلفاكير” حديث العهد بالسلطة حينذاك.. بيد أن الوعي قد عاد إلى النخب الحاكمة في كلا الدولتين.. خاصة بعد عودة الجنرال “صلاح قوش” إلى موقع قيادي في الدولة الشمالية بعد إحساس الرئيس “البشير” الذي في جعبته جيرة سنين ووعي عميق جداً بالمشكلات التي تعاني منها بلاده.؟ أعاد “البشير” الثقة في واحد من المخلصين له.. والعاملين في خدمة مشروع “البشير” السياسي في صمت.. وهو أي “صلاح قوش” على صلة عميقة جداً بقادة الجنوب ووعي بأن حل مشكلة الجنوب السياسية تعني حل نصف مشاكل الشمال الاقتصادية.. وفتحت ورقة أعدها الجنرال المهندس “صلاح قوش” وكان وقتها بعيداً عن السلطة في السودان وقريباً من مشكلاتها.. وذهبت تلك الورقة إلى وضع حلول توافقية بين نخب وقادة الجنوب، وتم تنفيذ الورقة جزئياً.. من خلال المفاوضات التي أدت لوقف الحرب في انتظار حصد السياسيين لمكاسبهم في السلطة، وقد بدأت المرحلة الأخيرة من المفاوضات أمس أي قبل سريان النفط في أنابيب الصادر.
{ الحل الاقتصادي لأزمتي البلدين
بعد انفصال جنوب السودان تم التوصل لاتفاق شامل للتعاون بين البلدين.. ولكنه لم يعمر طويلاً.. فغرمته خلافات ما قبل الانفصال وعطلت مصالح الشعبين، واليوم يعود ذلك الاتفاق إلى الحياة من جديد.. ونصيب السودان من نفط جنوب يصل إلى (26) دولاراً للبرميل الواحد، وفي حال وصول الصادر إلى التقدير الذي وضعه الخبراء بنهاية العام الجاري (400) ألف برميل في اليوم فإن نصيب السودان يصل في اليوم الواحد إلى (10) ملايين دولار في اليوم.. وتبعاً لسريان الاتفاق.. ينتظر فتح المعابر والمسارات بين البلدين.. لتحصد الخزانة العامة لدولة السودان (3) مليارات و(500) مليون دولار في العام عائدات من التجارة الحدودية وتغطية المصانع والمشاريع الزراعية لحاجة السوق في الجنوب السوداني.. وتبلغ احتياجات السودان اليومية نحو (15) مليون دولار مواد بترولية وقمح وأدوية.. وغيرها من الاحتياجات وتمثل عائدات البترول والتجارة الحدودية نحو (12) مليون دولار في اليوم الواحد.. ومن شأن صادر البترول السوداني الذي ينتظر أن يتحسن إنتاجه وتزداد الصادرات بوصول الإنتاج إلى (150) ألف برميل في اليوم بعائد يبلغ (1500,000×100) دولار ومضاف لذلك عائدات الصمغ العربي والسمسم والكركدي، فإن السودان لن يكابد العيش ولن تنتظر الحرائر الساعات أمام منافذ الخبز للحصول على (10) رغيفات في اليوم.. ومن شأن توقف الحرب في المنطقتين توفير أكثر من (2) مليون دولار في اليوم تهدر في حرب لا نصر فيها بل المنتصر مهزوم.. وقد تعهد الرئيس “سلفاكير ميارديت” أمام نخبة من الصحافيين قبل أيام من عيد الأضحى المنصرم بالتوسط بين “البشير” وفرقائه في المنطقتين ودارفور رداً لجميل وخدمة قدمها للجنوبيين بوقف الحرب.. وقد بعث الجنرال “صلاح قوش” قبل شهر من الآن بوفود سرية إلى الأطراف المعارضة.. في محاولة لإحياء مسارات التفاوض القائمة أو اقتراع مسارات جديدة بديلة إلى مسارات الهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد) ومسار الدوحة فيما يتصل بقضية النزاع الدارفوري ولم تكشف السلطات عن مردود تلك الاتصالات الأولية بعد جمود طال ومحاولات عديدة تعثرت في إثيوبيا وانجمينا.
{ جوبا تكسب
من جهة أخرى، فإن حكومة الرئيس “سلفاكير” التي أيقنت بوعي كامل أن استمرار الحرب في البلاد المنهكة اقتصادياً من شأنه إضعاف الحكومة المركزية.. وزيادة الضغوط عليها.. خارجياً لإسقاطها.. أو فرض وصاية عليها.. وتنازل الجنرال المتواضع “سلفاكير ميارديت” عن كل شيء ومد يده إلى غريمه السابق د.”رياك مشار” وإلى الفرقاء الآخرين من قادة الحركة الشعبية التي انقسمت على نفسها.. وخرج بعض قادتها إلى صف المعارضة.. ويتنازل “سلفاكير” عن المواقف السابقة واستعداده قبول حتى (5) نواب له في ظاهرة غير معهودة وسابقة لم تحدث من ذي قبل، فإن فرص تحقيق السلام في جنوب السودان قد أصبحت واقعاً.. وكراسي الحكم التي تتقاسمها النخب في جوبا.. ليست هي المكسب الوحيد من مفاوضات السلام بقدر ما يشكل وقف نزيف دم شعب شقى سنيناً بالحرب من أجل الاستقلال، وشقى بعد ذلك بالحرب من أجل إشباع رغبات ونزوات السياسيين.. ويملك جنوب السودان من الإمكانيات الاقتصادية ما يجعله دولة كبيرة في القارة السمراء، فالبترول الذي يقدر إنتاجه بـ(400) ألف برميل من شأنه تغذية خزانة الدولة الفقيرة بنحو (12) مليون دولار في اليوم الواحد بعد خصم نصيب السودان ويصل العائد الشهري من البترول إلى (360) مليون دولار ولا تزيد احتياجات الدولة الجنوبية عن (10) ملايين دولار في اليوم.. ومن شأن حصائل البترول توفير (2) مليون دولار يومياً تذهب لمشروعات البنى التحتية وهي مبالغ كبيرة لدولة تصرف على التعليم والصحة أقل من (2) مليون دولار في اليوم، وعلى الفصل الأول والتنمية نحو (2) مليون دولار.. وبتوقف الحرب التي تقضي على كل عائدات البلاد من البترول فإن فرص نمو وازدهار الجنوب خلال سنوات قليلة اعتماداً على نفسه وقدراته وإمكانياته تضعه في مقام يليق به وبشعبه الذي يمثل مزيجاً من الثقافات والأعراق، وبالتالي يمثل تدفق البترول اليوم عيداً لا في بالنيو وملكال وجوبا فحسب بل في مروي وسنكات وفوربرنقا.. وحتى يسعد الشعبان بما تحقق فثمة حاجة حقيقية إلى الصبر وحراسة الاتفاقيات شعبياً وحمايتها من الذين وقعوها.. فالابتسامات التي يرسلها السياسيون أحياناً وراءها أشياء أخرى.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية