الأمين الجديد!!
{ رغم التهوين من شأن الحركة الإسلامية وتجاسر أبنائها عليها كقول د. “أمين حسن عمر” إنها تمثل (10%) من عضوية المؤتمر الوطني، يبقى للحركة الإسلامية وجود في الساحة وأثر حتى في حال تلاشيها وذوبانها في المؤتمر الوطني الذي يملك الرصيد الجماهيري، ولكن هل يملك (فاعلية) الحركة الإسلامية قبل أن (تغشاها) أمراض السلطة.. العبرة ليست بحساب الكثرة، ولا الأحزاب تستمد فاعليتها من (غلبتها) الجماهيرية، وإلا حكم السودان حزب الأمة بأكثريته التي جعلته ينال مائة مقعد في انتخابات 1986م، ولكنه لجأ لأحزاب مثل الجبهة الإسلامية ونوابها الـ(51) والحزب الشيوعي بمقاعده الثلاثة بحثاً عن تأمين الظهر وحماية وجوده، ولم تشفع لحزب الأمة أغلبيته البرلمانية ليلة 30 يونيو حينما توجهت دبابات “البشير” نحو البرلمان والإذاعة والقصر فاختفى النواب المائة في الأطراف، ولاذوا بالفرار طلباً للخلاص الشخصي بدلاً عن تأمين الخلاص الجمعي لشعب تغنى بالديمقراطية ولم يحافظ عليها، و(بكاها) بالدموع فيما بعد..
{ الحركة الإسلامية السودانية تعقد هذا الأسبوع مؤتمرها العام في ظروف بالغة الدقة، و(منعطف تاريخي)، مع أن كل شعوب العالم الثالث ظلت في (منعطف تاريخي) دائم وستبقى في منعطفاتها حتى ينفخ في الصور ويأتون للحساب (فرداً)، والحركة الإسلامية غير (مستثناة) من إسقاطات الزمان والمكان، والوطن مفجوع في أزماته، وربيع الثورات يصعد بالتيار الإسلامي (ليُختبر) في مصداقيته وقدرته على تقديم بديل جديد ينقذ الشعوب من ضلالات العلمانية، ويقدم الإسلاميون المثال الذي تتوق إليه الشعوب، وتواجه الحركة الإسلامية في السودان (مأزقاً) فكرياً وحضارياً: هل تقف مع الديمقراطية كمنهج حضاري غربي جاء بالإسلاميين للسلطة في بعض البلدان؟ أم تقف في خندق (التبرير) لأسباب ركوبها لدبابة العسكر وقيادة التغيير في بلادها وتحمل تبعات كل ما حدث هنا بما في ذلك انشطار السودان لدولتين؟!
{ أنصرف أغلب قيادات الحركة وجسدها الفاعل إلى السؤال عن الأمين العام الجديد للحركة الإسلامية في حال (تنحى) الأمين العام الحالي الأستاذ “علي عثمان محمد طه”، وتطبيق الدستور الجديد الذي حدّد دورات الأمين العام بدورتين فقط.. مع أن الأمين العام الحالي يملك فرصة العودة للموقع في حال تطبيق الدستور بعد أجازته، وليس بأثر رجعي كما هو الحال الآن!! وانشغال الساحة باسم الأمين العام للحركة الإسلامية دون النظر للمواصفات والمؤهلات التي ينبغي (توفرها) في المرشح، قد يأتي بأمين عام من طبقة الموظفين الحكوميين، ممن (لمعت) أسماؤهم وطبقت شهرتهم أرض السودان بما (نالوه) من مواقع تنفيذية ونفوذ في الدولة، وقرب والتصاق بالقيادة العليا للدولة، وليس باعتبارات الفكر والثقافة والاجتهاد والقدرة على الإنتاج والخطابة وغيرها من مواصفات ينبغي أن يتحلى بها الأمين العام للحركة الإسلامية!!
{ قد يأتي أمين عام وفق ما تطلبه القيادة العليا في الدولة والحزب.. مؤدب.. لا يتخذ قراراً إلا بعد الشورى مع من هم أعلى منه مرتبة ولا يتطلع لموقع أعلى.. قليل الكلام.. يجيد التنفيذ ولا يأبه بالخطابة ولا يتحدث إلا همساً دون إفصاح.. لكن مثل هؤلاء مكانهم الأجهزة التنفيذية، وأي حزب أو كيان عقائدي تتطلب مواصفات القيادة فيه الفكر والثقافة وسعة الأفق والاطلاع، وقد مات الحزب الشيوعي حينما جاء إلى منصب السكرتير موظف لا يجيد مخاطبة سكان الحي الذي يقطنه، وستموت الحركة في أحضان سلطتها إن هي جاءت بأمين عام من أهل الفعل وأغفلت أهل النظر..