يوم في الخرطوم
تقع ولاية الخرطوم تحت ظل الحكومة الاتحادية، تدفع الولاية الأغنى والأكثر كثافة سكانية ثمن موقعها غالياً.. الوالي الجنرال “عبد الرحيم محمد حسين”، رجل متواضع ونزيه في نفسه وهو من أكثر المسؤولين عطاءً في كل موقع ذهب إليه منذ ثلاثين عاماً أمضاها الرجل ما بين سراديب القصر ودهاليز وزارة الدفاع، جاء لولاية الخرطوم في ظروف بالغة التعقيد اقتصادياً وسياسياً ، منذ قدومه للمنصب الرفيع حاصرته المشكلات وديون من سبقوه في المنصب .. ومشروعات تنموية كبيرة متعثرة.. وأموال ضخمة أهدرت في مشروعات صغيرة.. وشبهات تلامس بعض الصفقات.. وكان مطلوباً من الجنرال أن يمشي حافياً وسط هذه الأشواك!! ويحقق لمواطني الخرطوم كثيراً من التطلعات، التي لا سقف لها، في خضم هذا الواقع وجد الفريق “عبد الرحيم” نفسه مطالباً بتحسين خدمات المياه والصحة والإسكان، ونفض الغبار عن حزب المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم، وقد سجل الحزب في آخر انتخابات جرت لمنصب الرئيس تراجعاً مذهلاً. وحلت الخرطوم الولاية في مرتبة لا تليق بها.. وهي بؤرة الإشعاع الثقافي والسياسي والوعي في بلادنا، وفي كل تلك الملفات كان مطلوباً من مهندس الطائرات أن يحلق في فضاء الإنجاز دون مساعدة وسند من الحكومة المركزية التي تجد نفسها تمسح دموع كسلا.. وتطعم الجوعى.. وتسقي العطشى في كردفان، ولا تنظر لمقرن النيلين التي تحتضن ملايين النازحين ..وآلاف اللاجئين.. وكلما ساءت أوضاع الناس في الولايات هرعوا للخرطوم مدبرين من هول ما هم فيه من محن..
وحده الفريق أول بكري “حسن صالح”، رئيس مجلس الوزراء.. قدر أن لولاية الخرطوم مشكلات تستحق النظر والمتابعة.. وقضايا واجب الحكومة المركزية حلها.. وجاءت زيارة الفريق “بكري” وأعضاء حكومته إلى الخرطوم يوم “الثلاثاء” الماضي، وتصويب النظر فقط لقضية الإسكان الشعبي والفئوي والاستثماري، وكخطوة أولى من الحكومة المركزية لإنصاف ولاية الخرطوم وإسناد الفريق “عبد الرحيم”، ودعم جهوده بعد أن صرفت المركزية من المال الكثير دعماً وسنداً لولايات أخرى.. وفي مدينة الشهيد “عبد الوهاب عثمان” السكنية بالثورة الحارة (76) بدت ملامح الخرطوم الجديدة وثمرات المخطط الهيكلي الذي يتم تنفيذه في صمت بعيداً عن الأضواء.. مجمع المدينة يضم (3500) شقة تعثر تشطيبها منذ أربع سنوات لقلة دعم الحكومة المركزية.. وظلال الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، ووالي الخرطوم يتوق لإكمال المشروع الذي يمثل (خلاصاً) للمواطنين من رهق الإيجار.. واستقراراً للموظفين لزيادة الإنتاج.. ولكن المشروع يحتاج لدعم كبير.. وتحسين خدمات الكهرباء والمياه.. والطرق حتى يقبل المغتربون وعامة المواطنين على شراء الشقق الفارهة!! ولم يخف النائب الأول الفريق “بكري حسن صالح” تحيزه إلى صف الفقراء والمساكين.. وهو يصدر التوجيهات لوزير المالية ومحافظ البنك المركزي بزيادة حجم التمويل العقاري.. لمساعدة المواطنين من ذوي الدخل المتوسط .. أما الفقراء فقد وجه النائب في اجتماع مجلس وزراء الخرطوم برفع سقف التمويل الأصغر إلى مائة ألف جنيه حتى يستطيع الفقراء والمساكين تشييد منازلهم.. وشدد على ضرورة إسناد ولاية الخرطوم لتنفيذ مشروعاتها لمعالجة قضايا الإسكان، مشيداً بإيقاف التمدد الأفقي للمدن..
يوم طويل رافقنا خلاله النائب الأول، وكان حصاده وفيراً.. أضاء لنا ما كان خافياً من عطاء الجنرال الصامت “عبد الرحيم”..