أخبار

الخرطوم اليوم

{ هل السودان هو بلد الفرص الضائعة؟؟ ما أشبه صباح اليوم بمساء أمس ؟؟ ما بين اللحظة التي استقبلت فيها الخرطوم الراحل “جون قرنق” وإعلانها تجفيف منابع الدم ووقف القتال وبدء خطوات الاندماج في المحيط الإقليمي والدولي بعد عزلة طويلة عاشتها بلادنا الحبيبة بسبب الحرب. وبين لقاء اليوم لقادة دولة جنوب السودان الذي أصبح دولة مستقلة.. وبقيت مشاعر الشعبين موحدة.. وتطلعاتهم متشابهة ومشكلاتهم متطابقة.
{ اليوم يوقع قادة جنوب السودان على اتفاق بإنهاء الحرب وقبول الأطراف ببعضها للتعايش والحياة في أرض ما ضاقت يوماً بأهلها .. وتقاسم السلطة والثروة .. ووضع البندقية وراء الظهر.. وإقبال “سلفاكير ميارديت” مصافحاً ومسالماً رفاق الأمس من المناضلين والمقاتلين.. من أجل شعب شقى طويلاً من أجل الانفصال وشقى كثيراً من أجل الوحدة.. ومات الآلاف من شبابه (سمبلا) في صراع النخب والقيادات ، التي قررت أن تتصافى اليوم و(تنسى) الضحايا الذين يكابد أولادهم وأراملهم من أجل (لقمة) الخبز في معسكرات البؤس بدول الجوار أو القرى المرعوبة المحزونة في تركاكا وياي وطمبرة.. والجكو. ومريال أجيت وخور مريسة.. وواط وكنقر وايوت.
{ اليوم يضع الرئيسان “عمر البشير” و”سلفاكير ميارديت” الحدث.. الأول يعيد كتابة التاريخ .. ويتخذ القرار الصائب ويحتضن كل الجنوبيين بخبرة (30) عاماً في السلطة وعشرين أخرى في دروب العسكرية والحياة العامة. وينجح الرئيس “البشير” فيما فشلت فيه (الإيقاد) وشركاء (الإيقاد) والولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي.. ومن جهته، يثبت الرئيس “سلفاكير” حُلمه وشجاعته ومرونته في التصالح مع الفرقاء من أبناء العمومة ورفقة النضال.. وأيام العسرة والمشقة.. ويتنازل “سلفاكير” عن الدم .. وعن السلطة.. وعن كبرياء القائد.. ويفتح صدره لإخوانه في مشهد تعبر عنه قسمات وجوه الناس اليوم من المواطنين الذين غسلوا ملابسهم منذ أمس السبت في انتظار نهار الأحد ، كأنهم مقبلون على عيد ميلاد المسيح..
{ في يوم توقيع اتفاقية نيفاشا وعودة “جون قرنق” للخرطوم بكل دلالاتها ورمزيتها أهدرت بلادنا تلك الفرصة التاريخية وأضاعت على نفسها أن تصبح قوة اقتصادية في أفريقيا ومارداً يصنع من رماد الحرب وقود التنمية.. أهدرت موارد البترول.. وفرص الاستثمار ورفع العقوبات المفروضة على بلادنا، وقبل ذلك التعلم من درس جنوب السودان .. ومخاطبة قضايا الأطراف بالتي هي أحسن، بعد أن جربنا الخشونة في الفعل والقول.. وكان حرياً بالسودانيين الإقبال على شراكة تقود لوحدة الوطن.. ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، تنازع الشركاء كالأطفال حول قطعة حلوة واحدة.. وطغت المماحكات على الساحة.. وأصبح القادة الكبار في مواقعهم صغاراً في ممارساتهم ، فضاعت عليهم وعلى الوطن فرصة أن ننهض ونمضي دولة ترفرف في سمائها رايات السلام.
اليوم يعيد التاريخ حدثاً مشابهاً وتلوح فرصة أخرى قد تكون أخيرة.. كيف تستثمر الخرطوم وجوبا هذه (الفرصة) ، وكلاهما أكثر حاجة لإعادة تصحيح الصورة.. والاندماج في المجتمع الدولي والاستفادة من مناخ السلام في تطبيع العلاقات مع المعاديين قبل الأصدقاء.. ولن يتحقق ذلك إلا بأن يجعل الرئيس “سلفاكير” يده الممدودة “للبشير” من أجل تسوية الحرب في المنطقتين مثل يد “البشير” التي مسحت الدموع من خدود “ميري” يوم أن اطفأ شعلة الحرب، وأن يعفو “البشير” ويصفح مثل رفيق دربه في سلاح المظلات “سلفاكير ميارديت” .. فما أشبه الليلة بالبارحة!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية