لا يزال الجدل حول كتابة الدستور الدائم بين أطراف القوى السياسية في الحكومة والمعارضة قائماً . وتجاوزاً لحوار غير مجدٍ بين القوى السياسية ، دفعت شخصيات سياسية وقانونية بمقترح الإبقاء على دستور اتفاقية السلام الشامل الانتقالي لعام (2005م)، مع إجراء بعض التعديلات . فيما دفع حزب المؤتمر الوطني الحاكم بمقترح وضع دستور جديد، وشرع في توجيه الدعوة لشخصيات اعتبارية وأحزاب الحوار الوطني للمشاركة في مناقشة وكتابة الدستور، ووجه دعوة مفتوحة للقوى السياسية المعارضة للمشاركة.
المؤتمر الوطني صاحب الدعوة، طرح ثلاث قضايا للقوى السياسة للتفاكر حولها : كتابة الدستور الدائم ، ومقترح تعديل قانون الأحزاب السياسية وقانون الانتخابات لحسمها قبل الدخول في العملية الانتخابية المزمع إجراؤها في أبريل (2020).
الشهر الماضي ، المحامي وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المستقيل “كمال الجزولي” ، أوضح في بيان أنه اعتذر عن دعوة من المؤتمر الوطني للمشاركة في كتابة الدستور لعدم توفر المناخ السياسي الملائم لكتابة الدستور ، وأفاد أن الدعوة نقلها عضو المؤتمر الوطني “كمال عبد اللطيف”، وزير المعادن الأسبق، والمكلف من حزبه بالاتصال بالقوى السياسية اليسارية، ومناقشة المشاركة في كتابة الدستور. بيد أن “كمال عبد اللطيف” قال : إن حديثه مع “الجزولي” لم يكن بصفة رسمية .
أكتوبر العام الماضي، رشح مقترح لكتابة الدستور الدائم من جهات عدة ، بيد أن المستشار بوزارة العدل “طارق مبارك مجذوب”، قال: لا يمكن صناعة دستور دائم في ظل استمرار الحرب، واستشهد بكتابة دستور(1998) ، ونوه لضرورة توافق القوى السياسية دون إقصاء على كتابة الدستور الدائم ، بعد إكمال عملية السلام الشامل.
وقضية كتابة الدستور الدائم ، ظلت مطروحة للنقاش منذ الاستقلال، بيد أن الحكومات الوطنية لم تتوافق على كتابة دستور دائم ، وتقلبت بين دساتير مؤقتة وانتقالية ( الدستور المؤقت للسودان لسنة 1956م ، الأوامر الدستورية خلال فترة الحكم العسكري (1958- 1964)، دستور جمهورية السودان المؤقت لسنة 1964م ، دستور السودان المؤقت (المعدل سنة 1964) ، (تعديل رقم 2 لسنة 1965)،دستور السودان المؤقت (المعدل سنة 1964) (تعديل لسنة 1966) ، دستور السودان المؤقت (المعدل سنة 1964) (تعديل رقم 6 لسنة 1968) ، الدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية لسنة (1973م)، دستور جمهورية السودان لسنة (1998م)، دستور جمهورية السودان الانتقالي لعام (2005) الشهير بدستور نيفاشا ،المستمر إلى اليوم.
حزب المؤتمر الوطني ، أكد التواصل مع مختلف القوى السياسية حول القضايا الثلاث التي طرحها للنقاش والتداول.، وقال أمين الأمانة العدلية بالوطني “محمد بشارة دوسة” ، خلال مشاركته في الملتقى السياسي لنواب الحزب بالخرطوم ، :إن الحزب ينشد تحقيق أعلى درجة من التوافق على أسس مبادئ ومخرجات وتوصيات الحوار الوطني ، وإنزالها لأرض الواقع سواء في الدستور أو قانون الانتخابات، مبيناً أن الأولوية الآن لقانون الانتخابات ،موضحاً أنه الآن بمنضدة المجلس الوطني الذي سينظم عدة ورش للنقاش حوله وسيستآنس بآراء القوى السياسية حتى يحقق القانون أكبر قدر ممكن من الوفاق ،وقال “دوسة”: إن مخرجات الحوار الوطني أوصت بتعديل قانون الأحزاب ،مؤكداً أن هناك عدة جوانب ينبغي النظر إليها عند إجراء التعديلات من بينها تمويل الأحزاب واختيار الآلية لتطبيق القانون بالتشاور مع القوى السياسية وإعطاء مجلس الأحزاب السياسية سلطات تطبيق القانون.
تباينت مواقف القوى السياسية بشأن النقاش حول صناعة الدستور الدائم للبلاد، أكد عضو الهيئة القيادية للحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، “ميرغني مساعد”، أنهم لا يمانعون من المشاركة في النقاش حول الدستور من حيث المبدأ، وقال لـ(المجهر السياسي):” إن كتابة الدستور تحتاج لتضافر الجهود ورؤية الأحزاب حول مستقبل السودان من خلال دستور دائم يحمي البلاد “،مردفا:”نرحب بالدعوة وسيتواصل المسئولون بالحزب بقيادة المؤتمر الوطني”ّ.
بينما اعتبر نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق “صديق إسماعيل” في حديثه لـ(المجهر)،:إن أي دستور لم يتوافق عليه أهل السودان عبر التشاور والمشاركة الحقيقية ومن ثم الاتفاق عليه لا جدوى منه ، مشيراً إلى أن الطريقة التي يدير بها المؤتمر الوطني الأمر غير سليمة ، مضيفاً:”الدعوة الحالية ما هي إلا اتفاق بين الوطني وحلفائه”، فإذا رغبوا في دستور جاد فعليهم الأخذ برأي الآخرين بجدية.
حزب البعث العربي الاشتراكي المعارض رفض بشدة المشاركة في كتابة الدستور بالصورة المطروحة اليوم ، وقال القيادي بالحزب “محمد ضياء الدين” في حديثه لـ(المجهر السياسي): دعوة المؤتمر الوطني جملة وتفصيلاً مرفوضة ، وإن حزب البعث لا يوجد ما يدفعه للجلوس مع المؤتمر الوطني لمناقشة المشاركة في كتابة الدستور ، وقال : موقف الحزب واضح وصريح من أي حوار مع الحكومة في مختلف القضايا “،مؤكداً بأن قوى الإجماع الوطني مجتمعة رفضت هذه الدعوات، وملتزمة بخطها الداعي إلى إسقاط النظام.
قوى المعارضة طرحت جملة من الشروط للمشاركة في الحوار الوطني ابتداءً لبناء الثقة بين الحكومة والمعارضة ومن ثم المشاركة في العملية الانتخابية ،وتكوين جمعية تأسيسية يوكل لها كتابة الدستور الدائم .