{ “علي السقيد” مطرب بمواصفات خاصة.. فهو ملحن وصاحب حنجرة مترعة بالشجن والأغاني الوسيمة التي تملك سمات البقاء والخلود.. لم أستغرب أن تغفل الفضائيات تجربة بهذا الجمال لأنها في زحمة انشغالها بتقديم تجارب هشة لن تلتفت لـ”السقيد” الذي يعيش في صومعته الخاصة بعيداً عن أعين الناس والإعلام.. و”السقيد” مطرب من طينة الكبار وهو قادر أن يحدث اختراقاً إيجابياً في جسد الساحة الفنية الذي أنهكه تكالب المغنين الجدد.
{ بذكر “السقيد” المظلوم إعلامياً، ثمة مطربون ينحتون تجربتهم بصبر ويتحملون ظلم الفضائيات لهم ويرقبون من هو أقل منهم يتسيد الساحة ويملأ الأرض زعيقاً، ولكنهم يعيشون في الظل، منهم “عادل مسلم” و”عاطف السماني” و”مجذوب أونسة” و”وليد زاكي الدين” و”محمد حسن” على سبيل المثال.. ثراؤهم النفسي وموهبتهم العالية التي تمنحهم الثقة تجعلهم لا يلهثون خلف تلك الفضائيات ولا يركضون من أجل ظهور.. كما أن إيمانهم برسالتهم الفنية تجعلهم بعيدين عن أخبار الإثارة والفرقعات الإعلامية التي تطير بسيرتهم.
{ الدراميون في بلادنا يعانون بشدة.. يعانون سنوياً في إقناع الجهات التي تنتج لهم أعمالهم الدرامية.. يعانون في توفير المعدات وأدوات الإنتاج.. يعانون في إقناع الفضائيات ببث أعمالهم بصورة راتبة بعيداً عن شهر رمضان الكريم.. يعانون في استخراج حقوقهم من جهات الإنتاج بعد ذلك.. إلا أن أكثر ما يعاني منه الدراميون في بلادنا هو إقناع المشاهد السوداني أنهم (لا يمثلون) في أعمالهم الدرامية.
{ عندما استمع إلى “صلاح بن البادية” أو إلى “أبو عركي البخيت” أو الذين ظلوا لعقود طويلة يحتفظون بنجوميتهم وقدراتهم الأدائية العالية وحناجرهم التي لم يسلبها تقادم الزمن شيئاً ولا أخذ تتابع الأحداث والظروف من طلاوتها شيئاً.. أتأكد أن سلوكيات الفنان والتزامه المجتمعي والإنساني يمكن أن يطيل عمره.. هذان المطربان يقدمان أنموذجاً للفنان الذي يكون جزءاً من المجتمع السوداني الرافض لكل أشكال التفلت والانسلاخ الأخلاقي.. سيرتهم البيضاء وسلامة عقولهم تجعلهم أيقونات للفن السوداني الملتزم.
{ الفنانة التشكيلية “إيثار عبد العزيز” التي جاهدت لسبع سنوات من أجل تحقيق حلمها في افتتاح مرسم يحمل اسم والدها المتوفى لا تزال تتشبث بحقها في أن يكون لها ولقبيلة التشكيليين مكان يضمهم.. لا تزال تجوب قاعات المحاكم بحثاً عن حقها بعد أن أزالت المحلية مرسمها الجميل بحدائق “الهيلتون”.. “إيثار” تحارب الآن من أجل فكرة أن الفن أبقى وأكثر أثراً من السياسة.. ولو لم يكن كذلك، من يعرف الآن الرؤساء الذين مروا على لبنان ومن منكم لا يعرف “فيروز”؟