شهادتي لله

محاربة الفساد .. مناخ التفتيش والهلع !!

تنشط حكومتنا هذه الأيام في إجراءات محاربة الفساد بقوة وكثافة ، فبعد أن افتتح السيد رئيس الجمهورية مقر لجنة التحقيقات في قضايا الفساد ، أصدر وزير العدل أمس الأول قراراً بتشكيل لجنة من جهات عدلية وأمنية وشرطية لمراقبة وتفتيش الشركات والمؤسسات التجارية ، ويبدو من نص وشكل القرار أنه معني بمتابعة حركة غسيل الأموال في البلاد ومكافحتها .
هذا النشاط الزائد من حكومتنا وأجهزتها المختصة في مكافحة غسيل الأموال جعلني أبحث عن نشاط غاسلي الأموال في العالم ، فذهلت حين علمت أن أكبر عملية غسيل تم رصدها كان مسرحها بنك (أمريكي) هو (بنك أوف نيويورك) ، وكان الغاسل (روسياً) وهو زوج ابنة الرئيس الروسي الأسبق (الشيوعي) ” بوريس يلسن ” ، الذي حكم روسيا منذ العام (1991) وإلى العام (1999م) ، وكانت جملة المال المغسول (10) مليارات دولار، توزعت من البنك الأمريكي إلى بنوك عديدة حول العالم ، علما بأن المبلغ الملياري كان عبارة عن قرض للدولة الروسية، حوله صهر الرئيس ” يلسن ” إلى البنك الأمريكي !!
وفي أوربا .. يزدهر اقتصاد الدولة الحديقة ” سويسرا ” .. خزينة المال والذهب العظمى .. بلد الملاذات المصرفية الآمنة ، فتسأل عن المال المدخر في حسابات بنوكها ، فتأتيك الإجابة أن نحو (2) ترليون دولار أموال مغسولة في البنوك السويسرية !!
وتقول تقارير دولية إن (15%) من حجم التجارة الدولية مصدره أموال ممنوعة من النظام المصرفي، يجري غسيلها في الكثير من بلدان العالم بما في ذلك أمريكا ، روسيا ، الصين ، دول أوربية وعربية .
في السودان ، مطلوب من الحكومة مكافحة الفساد ومنع وقوعه بإجراءات إدارية محاسبية صارمة مع الحسم في إقالة أي مسؤول تحوم حوله الشبهات وتتبدى عليه وعلى آل بيته النعم من حيث لا تجارة معلومة أو مصادر دخل معروفة ، وليس بالضرورة أن يصدر عليه حكم الإدانة القضائي ، أما التجار فيجب الاستيثاق في قضاياهم والتحري والمحاكمة ، والتأكد ما إذا كان المال المتحصل (مال عام) حصل عليه رجل الأعمال عبر امتيازات واستثناءات حكومية ، أو هو مال سلاح أو إرهاب أو مخدرات .
عدا ذلك ، فأظن أن الحكومة تصبح متزيدة وتحارب نفسها ولا تحارب الفساد وغسيل الأموال .
فالصحيح هو ما تفعله “سويسرا ” وما فعلته إمارة ” دبي ” ، وذلك باستقطاب وتسهيل وصول مليارات الدولارات إلى المصارف السودانية من الخارج والعمل على تدويرها داخل القطاعات الإنتاجية المختلفة في بلادنا من زراعة ، صناعة ، تعدين ، نفط وخدمات سياحية وعلاجية ، وليس مطاردة كل (مليون دولار) دخلت السودان لمعرفة مصدرها، وهل هي (قرض) دولي أم عائدات مخدرات ، تسد حكومتنا الأبواب عن الدولار وهي فقيرة لا تملك قيمة فاتورة الجاز والغاز والدواء ، بينما لا تفعل ذلك ” سويسرا ” الأوربية الثرية !! تؤدي حكومتنا دور حارس المخازن الجائع .. مخازن أمريكا وروسيا !!
إننا نخشى أن يتحول (مناخ التفتيش) الحالي، وثورة الاتهامات المفتوحة على الجميع ، عبر خطوط التليفونات الساخنة في وحدة مكافحة الفساد إلى تشريد القليل والشحيح مما تبقى من رؤوس أموال في السودان ، وعدول المزيد من المستثمرين في العالم عن فكرة الاستثمار في بلادنا .
محاربة الفساد ليست مهرجانات للذعر والهلع .

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية