“الصادق المهدي” في مرمى نيران الحركات المسلحة.. هل يصبح أصدقاء اليوم أعداءً في الغد؟
على خلفيه إفادته بإجراء تسوية سياسية مع المحكمة الجنائية
الخرطوم – يوسف بشير
بدأت حركات دارفور المسلحة، تكيل الانتقادات لرئيس حزب الأمة القومي، “الصادق المهدي”، على وضعه حلين لأزمة رئيس الجمهورية “عمر البشير”، مع المحكمة الجنائية الدولية، التي تتهمه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في إقليم دارفور، فيما ينفي الأول تلك الاتهامات. قال “المهدي”، في مقابلة صحفية مع قناة روسيا اليوم، أجُريت الثلاثاء، إن الحلان يكمنان في ذهاب “البشير” إلى المحكمة ويدافع عن نفسه أو يحدث حل سياسي عن طريق مجلس الأمن عبر تلقيه عفواً من الضحايا. وتُعد انتقادات حركة جيش تحرير السودان ــ المجلس الانتقالي، أقسى انتقادات وجُهت لـ”المهدي”، حيث دمغته باتهام مفاده أنه، أيّ “المهدي”، ذراع حكومي.
}تعطيل مجرى العدالة..
وجاء اتهام المتحدث الرسمي للحركة “نور الدين كوكي”، لـ “المهدي”، بأنه ذراع حكومة، لمطالبة الأخير ببطلان القرار (1596) الصادر من مجلس الأمن الدولي، والقاضي بمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب في دارفور في المحكمة الجنائية الدولية. وامتدت مطالبات “المهدي”، إلى سحب الملف من المحكمة الجنائية ووقف مراقبة بلاده ووضعها تحت البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة ، عوضاً عن البند السابع. وأضاف”كوكي”، (إن المهدي ذراع حكومي واصل يعمل على إعاقة المقاومة والثورة السودانية وتعطيل مجرى العدالة)، ومضي في انتقاداته لـ”المهدي”، بأنه ظل يردد ويحاول حشد الرأي العام العالمي لدعم توجهاته المساندة لحكومة “عمر البشير” رغم إدعائه المستمر معارضته لها، واستدل بمشاركة حزبه على مستوى رئاسة الجمهورية عبر نجله “عبد الرحمن المهدي”، الذي يعمل مستشاراً لرئيس الجمهورية.
وحذرت الحركة “المهدي”، من إعاقة مجرى العدالة، وطالبت قوى المقاومة بإعادة تحالفاتها وعزل من دمغهم بـ(المخربين وأعداء الثورة)، في إشارة واضحة إلى “المهدي”، الذي يقف على رأس تحالف نداء السودان، المكون مُنذ (2011م). والتحالف يضم أحزاباً سياسية وحركات مسلحة، غير متفقة في شيء سوى إسقاط نظام الحكم الساري الآن. وقرظت الحركة، في بيان متحدثها الرسمي، الصادر (الجمعة)، “المهدي” بشدة وقالت: إنه بات يستغل تساهل الثورة في التعامل مع تجار الحروب ومستثمري قضايا الشعب السوداني، وأضاف: (هذا ما يتضح من تصريحاته التي تدلل على استهتاره بالدم السوداني ودون أدنى مراعاة للضحايا وأسرهم).
}تعنيف ومطالبة..
وعُرف عن “المهدي”، التقلب في مواقفه، حيث لا يظل ثابتاً على موقف أبداً. ويدافع مؤيدوه على تقلبه بتصبره فيما يقول منتقدوه بأنه يخذل الذين تحالفوا معه في أقرب فرصة. ولا تزال ذاكرة الصحف السياسية تحمل دفاع “المهدي” عن “البشير” بتصريحه: (البشير جلدنا ما بنجر فيهو الشوك)، ويمكننا الاستدلال أيضاً بتكريمه من قبل الأخير بوسام الجمهورية من الطبقة الأولى، يناير (2014م). رغم ذاك الدفاع، إلاّ إن “المهدي” ظل، بشكل أو بآخر، معارضاً. وقد انتقد أول من أمس (الجمعة)، الحكومة، في محاضرة له بالعاصمة البريطانية، وقال: إن دواعي ذهابها أضحت ظاهرة للعيان في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم.
وبالعودة إلى الانتقادات التي توجه إلى “المهدي”، بسبب أفادته عن المحكمة الجنائية، نجد إن حركات أخرى سبقت حركة جيش تحرير السودان ــ المجلس الانتقالي، في إدانته. حيث طالب بيان صادر من المتحدث الرسمي لحركة تحرير السودان، التي يقف على رأسها “مني أركو مناوي”، طالب “المهدي” باحترام مشاعر الضحايا أو (التحلي بالصمت إن لم يشعر بفداحة ما تعرضوا له من ظلم وفظائع). وأضاف البيان: (ضحايا جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب في دارفور هم وحدهم دون غيرهم من يملكون الحق الحصري في تحديد مصير حقوقهم ، ولا أحد يملك الحق في الحديث نيابةً عنهم بأي شكلٍ من الأشكال). وشدد على أن تصريحات “المهدي”، تخصه وحزبه فقط.
}تحسب للمستقبل..
تأكيد بعض الحركات المسلحة على أن تصريحات “المهدي”، تخصه وحزبه فقط، ربما تخوف من قبلهم على أن يعدها المجتمع الدولي موقف تحالف نداء السودان. وقالها المتحدث الرسمي باسم حركة العدل والمساواة “معتصم أحمد صالح”، بصريح العبارة، إن إفادات “المهدي”: (تعبر عنه وعن حزبه ولا تعبر بأي حال من الأحوال عن موقف قوى نداء السودان أو الحركة). وأعلنت الحركة، طبقاً لبيان ناطقها، تمسكها بالمحكمة الجنائية بوصفها الجهة الوحيدة صاحبة الاختصاص في قضية الإبادة والتطهير العرقي وجرائم الحرب المرتكبة في دارفور. وأضاف، في بيانه الذي أصدره (الثلاثاء)، (ترفض الحركة أية مساومة بحقوق الضحايا أو السعي لتحقيق أية مكاسب أو تسويات سياسية بقضيتهم العادلة).
وشددت الحركة الشعبية – قطاع الشمال، جناح “مالك عقار”، على أن المحكمة الجنائية قضية لا تخضع للمساومة السياسية والإفلات من العقاب، وأضاف بيان أصدرته في انتقاد “المهدي”: (إنصاف الضحايا وأسرهم لا يخضع لإرادة أي فرد أو جماعة).
}دفاع مستميت..
ووصف المنسق العام لمعسكرات النازحين واللاجئين في دارفور، “يعقوب محمد عبد الله فري” تصريحات “المهدي” بالمستفزة لضحايا الحرب، وقال : إنها تتضمن تنازلاً عن القصاص بالتوصل إلى تسوية سياسية، وتابع: (المهدي بعقليته الطائفية الصفوية غير مؤهل أخلاقياً للحديث عن قضايا المهمشين في السودان، وهو جزء من مؤسسة الفشل التي ظلت تحكم السودان منذ خروج الإنجليز).
لم يقف حزب الأمة القومي مكتوف الأيادي، أمام انتقادات الحركات المسلحة واتهاماتها لرئيسه. حيث أفاد بيان صادر عن الحرب، إن قول “المهدي”، أخُرج عن سياقه، وقال: إن قوله صُدر في إطار دعم الحزب للمحكمة في عدم الإفلات من العقوبة. وشدد الحزب على إنه لا يزال عند موقفه الداعي لتحقيق العدالة، وأضاف الحزب: (الحزب إذ يتفهم حساسية الأمر، فإننا نؤكد أن هذه القضية هي قضية كل أهل السودان، وأن الشعب بأكمله هو وليٌ الدم وما فعله النظام
في السودان يستوجب ليس المحاسبة السياسية فحسب وإنما محاسبة المجرمين والفاعلين وكل من تورط في هذه الجرائم، كأهم الاشتراطات للانتقال الديمقراطي).