جمعية حماية المستهلك.. جراحة ذكية على قرار دمج فاتورتي المياه والكهرباء
الجمعية السودانية لحماية المستهلك حازت على الأوزة الذهبية وطارت إلى كوكب الجوزاء من خلال خطوات منتظمة ومدروسة في التصدي لقضايا المواطنين على صعيد المذاق الحياتي بأحواله المتشابكة، فالجمعية تطرق كل يوم أبواباً جديدة، وتدخل فضاءات بلا نهاية حاملة هموم السودانيين جميعاً على قوالب من الجسارة والمنازلة، وإيقاعات المحاججة والحوار الشفاف.
من هذا المنطلق، تلقيت دعوة كريمة من الدكتور “ياسر ميرغني عبد الرحمن” الأمين العام لجمعية حماية المستهلك للوقوف على مداولات ملتقى المستهلك حول دمج فاتورتي المياه والكهرباء، فكانت المشاهدات الحية في يوم السبت 3 نوفمبر 2012م بمقر الجمعية.
اللوحة البليغة كانت ماثلة للعيان في الحضور النوعي، المكون من بعض الاختصاصيين والخبراء والنواب والإعلاميين، وهم يناطحون الصخر ويفجون الصعاب على أمواج المنطق والتلاقح الفكري، للوصول إلى صيغة عادلة ومقبولة حول مسألة ربط فاتورة المياه مع فاتورة الكهرباء.
كانت المفاجأة المذهلة تتمثل في غياب ممثلي هيئة مياه ولاية الخرطوم في المداولات، حيث قُوبلت خطوة عدم وجودهم بالاستهجان والاستنكار من الكثيرين، لا سيما وهم يمثلون أصحاب الناقة في القضية المركزية على طاولة الورشة بما تشكل من زخم على الصعيد المعيشي!!
ألتقط القفاز اللواء الركن “موسى حسن أحمد” رئيس لجنة الشؤون الهندسية والزراعية بتشريعي الخرطوم مدافعاً عن قرار الدمج، وذكر بأن صلاحيات والي الخرطوم تسمح له بإصدار أي قرار دون الرجوع إلى الجهاز التشريعي الولائي، وقال إن قرار الدمج أزال العوائق التي تحول دون وصول المتحصلين لبعض الفئات، وتساءل عن المشكلة إذا لم تزد رسوم الفاتورة.
من جهته ذكر مولانا “عمر كباشي” المستشار القانوني لجمعية المستهلك بأن دمج فاتورة المياه مع الكهرباء مخالف للدستور وقانون الهيئة لسنة 2002م، وتحسّر على اللوازم الأخلاقية والإنسانية في ثنايا القرار، ووصف “كباشي” المستهلكين بأنهم ضحايا في ظل التعسف السلطوي!!
وفي المقابل، ذكر الأستاذ “عبد الباقي عبد الرحمن” مدير شركة تابسا للتحصيل بأن قرار دمج تحصيل رسوم المياه في منافذ الكهرباء أدى إلى تشريد أكثر من ثلاثة آلاف عامل، ووصف القرار بالمعيب، وكشف “عبد الرحمن” عن تقرير كاذب تم الدفع به إلى والي الخرطوم حول جدوى قرار الدمج.
وعلى صعيد نواب تشريعي الخرطوم، قال المهندس “عباس عبد الله الفاضلابي” إن ضعف إيرادات المياه كان وراء قرار دمج فاتورة المياه مع الكهرباء، وأوضح بأن إنتاج المياه بلغ (400) مليون متر مكعب، والمستهلك فقط مليون متر مكعب، مبيناً بأن المياه مدعومة من جانب الحكومة إذ يكلف إنتاج المتر المكعب جنيهاً واحداً، ويتم بيعه بـ(50) قرشاً.
من جانبه، أوضح المستشار “جون جندي” عضو الجمعية السودانية لحماية المستهلك أن منهج تطبيق قرار الدمج بدائي وفطري، مؤكداً بأن جميع عدادات الكهرباء ربطت بدفع استحقاقات المياه دون الرجوع إلى صاحب المنزل، علاوة على ذلك فقد انتقد المستشار “جندي” مسلك السلطات في تحميل المواطن تكلفة الإمداد الجديد في جميع القطاعات، وقال إن هذه المكونات من صميم مهام شبكة التوزيع ولا يجوز للمواطن دفع التكلفة في هذا المجال.
من جهته، ذكر المهندس “عبد الرحمن أحمد” عضو تشريعي الخرطوم أن تجربة الدمج ساعدت في زيادة الإيرادات، بعد أن كان معظم المستهلكين في الأرياف خارج مظلة السداد!!
المحصلة تؤطر إلى أن طاولة المحاججة كانت بين فريقين، كلٌ يحاول تمرير أجندته على إيقاع التصميم، وملامح المناورة، والإحصائيات والبراعة اللفظية!!
الحدث كان ملحمياً، ينطوي على أهمية بالغة، فالشاهد أن فاتورة المياه تعني الارتباط بالحياة والنبض البيولوجي والأناقة النفسية والمعنوية.
في تقديري، أن هدف ما تبتغيه ورشة ملتقى المستهلك هو الضرب على جبهات عديدة تهزّ الرأي العام، باستخدام الجرعات المباشرة والعميقة في الحلول، والرهان على ذكاء المواطن السوداني في قضية دمج الفاتورتين.
لقد كانت جمعية حماية المستهلك على قدر الملحمة الحوارية، من حيث الإعداد والتجهيز وتحديد الأهداف والمقاصد، فقد نجحت في تهيئة الأجواء لرسم جراحة ذكية قد تؤدي في المستقبل إلى إمكانية فصل فاتورة المياه عن الكهرباء، على شاكلة جراحة فصل التوأم الملتصق.
لقد ارتكزت ورشة ملتقى المستهلك على متحركات الشفافية والهواء الطلق، واحترام العقل بإدارة عميقة وحكيمة من الأستاذة “سامية حامد محمد الأمين”.