حوارات

الخبير في القرن الأفريقي دكتور “الأمين عبد الرازق” في حوار مع (المجهر)

السودان يجب أن يسعى لوحدة منطقة شرق أفريقيا

“أبي أحمد” لم يحضر التغيير الأول ولم تكن عليه تحفظات من قبل
رئيس وزراء إثيوبيا ربما أطلق مرحلة التحرير الثاني لإثيوبيا
على السودان إعادة علاقاته مع إريتريا .. وهذا ما أخشاه على “أبي أحمد”…!!

استطاع رئيس الوزراء الإثيوبي “أبي أحمد” خلال الثلاثة أشهر الماضية منذ أدائه القسم إحداث اختراقات كبيرة داخل إثيوبيا، وفي القرن الأفريقي.. بدأ بالإصلاح الداخلي فعزل قائد الجيش ومدير المخابرات، اتخذ أجرأ قرار بالمصالحة مع إريتريا، وفتح صفحة حوار مع الصومال التي كانت تشكل خطراً كبيراً على إثيوبيا.. طمأن دول حوض النيل لا سيما السودان ومصر التي أقسم بعدم الإضرار بمصالحها.. أطلق سراح المعتقلين والمحكومين بالسجن داخل وخارج إثيوبيا، وأصدر عفواً عن الحركات المعارضة التي تحمل السلاح ضد الحكم في أديس ابابا.. (المجهر) استنطقت الخبير في شؤون القرن الأفريقي الأستاذ الجامعي دكتور “الأمين عبد الرازق”، حول التطورات في إثيوبيا وانعكاساتها على منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا.. فإلى مضابط الحوار.
حوار – وليد النور
{ ما هي الميزات التي رجحت كفة “أبي أحمد” وتصعيده إلى رئاسة التحالف ورئاسة الوزراء؟
– طبعاً واضح من العمر أن سنة 1991 عندما حدث التغيير في إثيوبيا كان “أبي” لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، ولذلك جاء خالياً من تراكمات الماضي، وحتى الرئيس الراحل “ملس زناوي” عندما قاد جبهة فيها (24) فصيلاً بالتحالف، مع الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، لم يبلغ الأربعين سنة واستطاع الوصول لأديس، رغم أن فصيله كان ضعيفاً. ولولا التحالف لما استطاع إزاحة “منقستو”، وهذا التحالف لعب فيه السودان دوراً كبيراً.
{ ما هو دور السودان؟
_ كنت مسؤولاً عن ملف الشرق وحركات التحرر واللاجئين، وحضرت مؤتمر لندن سنة 1990م الذي حضره وزير الخارجية الأمريكي، وجبهة تحالف شعوب إثيوبيا، والجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، وكانت حصيلة الاجتماع تحالف بين الجبهتين لإسقاط “منقستو”، والوصول لأديس ونيل استقلال إريتريا.
في ذلك الوقت “أبي أحمد” كان صغيراً، إذ كان عمره حوالي (12) سنة.. هذه واحدة من ميزاته الإيجابية أنه لم يحضر هذه التعقيدات، والميزة الثانية هي أنه استطاع أن يصبح حاكماً لإقليم الأرومو وهو شاب صغير في العمر، وأنا أفتكر التعليم هو سبب هذه المسألة.
{ “أبي” هل كان ضابطاً في المخابرات؟
_ نعم، كان ضابطاً في المخابرات، وحضّر للدكتوراه واستطاع أن يصبح وزيراً للاتصالات، وحاكماً للأرومو فيما بعد، وهو الأهم. أن تصبح حاكماً للأرومو معناها تصبح حاكماً لأكبر قومية في إثيوبيا، إذ يتعدى تعدادهم (40) مليون نسمة، تليهم الأمهرا (20) مليون نسمة، ثم التقراي، وهي أغلبية، وفيها مسيحيون. وهنالك الجبهة الديمقراطية لتحرير الأرومو. الغريبة كانت لديهم علاقة بالألمان وتفسيرها أن واحدة من الكنائس الألمانية كانت تعمل في المنطقة.
{ هل خطط “أبي أحمد” للوصول لهذه المرحلة أم أن الظروف هي التي خدمته؟
_ أفتكر أن “أبي أحمد” لم يحضّر لهذه المرحلة، لكن بعد ذلك التعليم في إثيوبيا لم يكن واسعاً، ومع ذلك أهّل نفسه، فضلاً عن أن عمله بالمخابرات منحه هذه الميزات، ثانياً الفترة الطويلة لحكم “زيناوي” رغم أنه عمل تنمية في أثيوبيا، بجانب توفيره للاستقرار السياسي، وخلق الفيدرالية الإثنية، وأفتكر أنها من الإنجازات الكبيرة لحكم “ملس”، أن يحكم كل أهل جهة أنفسهم ويختاروا حاكمهم بالانتخابات.
{ احتجاجات الأرومو هل كان لها دور في وصول “أبي أحمد” للسلطة؟
_ “ملس” أقام فيدرالية حقيقية مبنية على الإثنية، لأن الشعوب لا تستطيع حكم نفسها، إلا بأن تعطي كل قومية حقها، لأنها هي متحف الشعوب، وأفتكر أن ميزة الأرومو هي أنهم في وسط إثيوبيا، يعني أديس هي منطقتهم. لذلك عندما حدثت التظاهرات أثرت على الحكومة لأن الأروموا قريبين من العاصمة، مركز السلطة.
{هل صحيح ما يقال إن للمصريين دوراً في استقالة “ديسالين”؟
_ المصريون في ذلك الوقت لعبوا دوراً للضغط على سد النهضة، من خلال العزف على وتر الأمهرا والأرومو.. أفتكر “ديسالين” كان حكيماً جداً، وهو من الأقليات في إثيوبيا، عندما شعر أن البلد ستتفرق بسبب هذا الأمر قدم استقالته.. أصبح التحالف يبحث عن خيارات، التقراي حكموا، وآن الأوان لأن تحكم الأغلبية المسلمة التي قامت بالتظاهرات.. طبعاً تصنيف “أبي أحمد” مسيحي، لكن والده وأسرته مسلمة واضحة من الاسم، فكان لابد أن يتم اختيار شخص، وهو كان وزير اتصالات، ومن خلال حركته السياسية الناس عرفوا أنه يمكن أن يصبح رئيساً للوزراء.
{ قادة جبهة التحرير كانت أعمارهم صغيرة لذلك اتحدوا؟
_ “ملس زيناوي” كان عمره في الثلاثينيات عندما وصل لرئاسة الوزراء، وعندما كونوا جبهة تحرير التقراي كانت أعمارهم في العشرينيات. أفتكر أنه لا يوجد هنالك خيار غير اختيار شخص من الأرومو في أديس.
{ “أبي أحمد” عندما تسلَّم موقعه رئيساً للوزراء أحدث اختراقات كبيرة.. زار السودان ومصر وأطلق سراح المعتقلين السياسيين؟
_ أفتكر هذا الشخص عندما حصلت التعقيدات كان عمره صغيراً ولم يدخل فيها، وتاريخه ليس عليه تحفظات، ولم يكن حاكماً ليقال إنه عمل وعمل.. أفتكر أنه منذ تسلُّمه السلطة مسك ورقة وقلم ونظر للتحديات التي أمامه.
{ وما هي التحديات التي واجهها؟
_ التحدي الأول كان الإصلاح الداخلي، والآن بدأ في الإصلاحات الداخلية.. أقال مدير المخابرات، وقائد الجيش، لإرضاء القوميات الأخرى لأنهما من قومية التقراي. وهذه فيها تحفظ، لأن الجبهة الشعبية لتحرير التقراي ضمن التحالف ما جعلهم يصدرون بياناً أوضحوا فيه أنه كان يفترض على “أبي” مشاورة التحالف.
{ هل التقراي قوة مؤثرة في إثيوبيا؟
_ التقراي هم الذين حرروا الشعب الإثيوبي، لأن المقاتلين الأساسيين كانوا منهم.. ثانياً إطلاق سراح المعتقلين والمساجين داخل وخارج إثيوبيا، وأطلق سراح المساجين في السودان.. هذا أعطى شعوراً أنه مهتم بالإنسان كإنسان، وهذه أفتكر أعطته شعبية.. ثالثاً كل الأحكام ضد المعارضين قام بإلغائها.. وهناك أناس جاءوا من أمريكا من الأرومو ولديهم إذاعات وصحف ومجلات. والآن أنا عرفت أن أغلبهم قادمون لأنه ألغيت كل القوانين المقيدة لحريتهم، وإن شاء الله في السودان تلغى تلك القوانين.
{ هل لشخصيته القوية دور؟
_ نعم. هو أعطى شعوراً بأنه لا يخشى أي شيء. وهذا أفتكر شعور إيجابي، وهو الآن حرر الإثيوبيين. ويمكن أن نطلق على عهده (التحرير الثاني). بعد 91 “ملس زيناوي” عمل طفرة وتنمية في البلد. وهو الآن يعمل في الطفرة. وواضح أنه حدد مشكلته في سد النهضة وذهب إلى مصر، وهناك أقسم بأن لا يضر بمصالحها.
{ ولكن القسم كان في شكل مزاح.. هذه قالها “السيسي”؟
_ لا، أنا أفتكر أنهم اتفقوا عليها قبل المؤتمر الصحفي. و”السيسي” ذكي ويريد تخدير الشعب المصري، أو يرضي الشعب المصري. وغالباً يكونوا اتفقوا و”السيسي” يتحدث الإنجليزية بطلاقة، وأنا أفتكر كونه يقدم على هذه الخطوة، بهذه الجرأة لتهدئة المصريين، ثم جاء الخرطوم ليطمئن الخرطوم بأن التصالح مع إريتريا لن يكون على حسابهم، أو على حساب علاقته مع مصر.
{ في الخرطوم تم سحب السفير بعد ستة أشهر؟
_ أفتكر هذه ليست قضية، ولكل رجال مرحلتهم، وأنا لو جئت رئيساً سأغير السفراء، لأن السفير يمثل رئيس الجمهورية عند الدولة الثانية. وهو قد يرى أنه ليس الشخص المناسب لتمثيل سياسته الجديدة مع السودان، وفي أمريكا أي رئيس يأتي يحضر معه (4) آلاف موظف جديد، وافتكر تصالح “أحمد أبي” مع الإريتريين هو خطوة جريئة، لأنه أصلاً هناك قوميات كانت ضد التقراي. باعتبارهم فصلوا إرتيريا عن إثيوبيا وجعلوها دولة مغلقة، ميناء عصب ذهب وهو الميناء الأساسي.
{ كيف تقرأ إعادة العلاقات مع إريتريا؟
_ أنا أفتكر أنه عمل هذه المسألة بجرأة شديدة وتجاوز فيها البروتوكول نفسه، وأنا تابعت على القناة الإريترية استقباله في مطار أسمرا. وأفتكر منذ أمس أن الحرب انتهت، وأحدهم قال لي لأول مرة الرئيس الإريتري يكون مهندماً، وهم الآن فتحوا الخطوط الجوية، وسيحصل تبادل للتمثيل الدبلوماسي، وهو تطبيع كامل وفتح للحدود. وأكدوا على مسألة اتفاقية الجزائر، رغم أن جبهة تحرير التقراي أخرجت بياناً.وأفتكر أنه قفز قفزات كبيرة في ثلاثة أشهر. وما فعله فيها يحتاج الزعماء الآخرون لوقت طويل لعمله.
{ أين مصلحة السودان في تلك التطورات؟
_ أنا قلت إن السودان يجب أن يكون واقعياً، ويحسن علاقته مع إريتريا، لأنها الآن ستنفتح على إثيوبيا، ومشاكلها أغلبها سيُحل، ويحاول أن يقيم تجارة مشتركة. ونحن لدينا كثير من السلع تذهب إلى إريتريا مثل الذرة والثروة الحيوانية.
{ لكن بدلاً عن ذلك فإن البرلمان سيمدد يوم (الاثنين) حالة الطوارئ بولاية كسلا الحدودية مع إريتريا؟
_ هذا كلامي أنا، وهذه رؤيتي.. وأنا طرحت فكرة كونفدرالية القرن الأفريقي.. أولاً: أفتكر أنه لا يوجد فرق بيننا من حيث السحنات، ثانياً: نحن نحتاج نتبادل الموارد وتصبح هنالك طرق مفتوحة وتلغى الفيزا بين هذه الدول، والآن الاستثمارات السودانية في إثيوبيا أكثر منها في السودان. والآن ذهبوا إلى يوغندا، وأنا أفتكر أن السودان يجب أن يسعى لوحدة هذه المنطقة.. الجنوب نحن نستفيد منه تجارياً، أكثر من أمريكا، نحن محتاجون نفتح العلاقات مع الجنوب وإثيوبياأ وتصبح علاقات مفتوحة، وإريتريا أيضاً، وهي ستنقشع الآن لأن ميناء عصب لو ذهب إلى إثيوبيا سيستورد سلعاً لمائة مليون مواطن ويصدر لمائة مليون مواطن.
ونحن لا ننسى أن هذين الشعبين كانا شعباً واحداً وكلهم يتحدثون الأمهرينجا وهي لغة الأمهرا رغم وجود لهجاتهم المحلية، وكل شعب إريتريا يتحدث أمهرا وعربي.
أفتكر بعد قليل لن يصبح بين هاتين الدولتين إلا الحدود الجغرافية واحتمال يتم إلغاؤها. وخط “أبي أحمد” يسير في هذا الاتجاه، وتصبح الحدود مفتوحة بين البلدين. وإذا فتح ميناء مصوع لإثيوبيا، فهذا يجعلهم يبدون وكأنهم دولة واحدة.. أنا افتكر هذه قوة ضخمة في الإقليم محتاجة من السودانيين دراستها في وزارة الخارجية وفي مواقع اتخاذ القرار، بعد ذلك المياه والكهرباء.. والآن إريتريا ستأخذ كهرباء من إثيوبيا ايضاً.
{ يلاحظ أيضاً أن ملف جنوب السودان تحرك بعد حضور “أبي أحمد”؟
_ الأهم من هذا كله أن “أبي” أصبح بالنسبة للشباب في أفريقيا رمزاً، وهو سيصبح حلماً للشباب.. كيف يمكنهم أن يصلوا للحكم.
{ ما دلالة زيارة “محمد بن زايد” لأديس وضخ مليار دولار في البنك المركزي الإثيوبي وملياري دولار للاستثمار؟
_ طبعاً.. تصب في مصلحة الحلف السعودي- المصري –الإماراتي.. لذلك السودان يجب أن يدرس الحاصل، وأفتكر أن السعوديين سينفتحون على إثيوبيا، وما قدمه من مليار ويودعه في البنك الإثيوبي و(2) مليار استثمارات، هذه تسمى (قولة خير). فماذا سيأتي بعد ذلك؟ أتوقع الاستثمارات العربية ستنفتح على أثيوبيا لأنها ناجحة في الاستثمار، ولديها مشجعات وقوانين مشجعة للاستثمار. والمشاريع التي قامت سواء أكانت بمساعدة من الصينيين أو غيرهم نجحت في إثيوبيا.. أنا أفتكر أنه أمر مؤثر على موضوع سد النهضة. والمصريون بالتفاهم مع الإماراتيين جعلوهم يدخلون، وأنا شاهدت فيديو استقباله لـ”محمد بن زايد”. وكان حافلاً جداً، والقهوة الإثيوبية والجلسة.. وهذه بالنسبة للعرب هي مسألة مؤثرة.
{ هناك من يقولون بوجود قوى غربية؟
_ أنا أختلف مع هؤلاء الناس. وأفتكر أن هذا الشخص له مكون شخصي قوي جداً، وأي رئيس لابد أن يكون لشخصيته أثر بغض النظر عن إن كان من الغرب أو الشرق أو الشمال.. لكن الغرب لديه أشياء، مثل حقوق الإنسان والديمقراطية، ولديه شروط محددة، والمتاجرة بالبشر وهي أجندة معروفة عالمية لأن في الفترة الماضية كانت هنالك مشاكل، وقتل عدد من الأشخاص، والسجون كانت مليئة، والمعارضون كانوا يعملون ضد حكم التقراي.. وأنا قرأت رسالة “ترمب” لـ”أبي أحمد” وفيها حديث عن الدم الشبابي في أفريقيا، وهو يبارك كل هذه الخطوات التي قام بها هذا الشاب.
{ ماذا عن فتح الحوار مع الصومال؟
_ أتوقع أن تنتهي تعقيدات الصومال، لأن العلاقة مع إثيوبيا كانت أكبر تعقيداتها، والإثيوبيون تاريخياً ظلوا يشعرون أن الصوماليين خطر عليهم، منذ ما سُمي بحرب المسجد والكنيسة، واتجه نحو كينيا ولديه مشاكل أيضاً..والصومال متداخلة مع كينيا، فيما يسمى بالـ(أن أف دي). وهي المحافظة الشمالية الشرقية. وبها (4) ملايين صومالي، وكانت هنالك أعمال شفتة في الحدود مع كينيا، وهو استطاع في فترة وجيزة أن يقوم بعمل إيجابي مع كل هؤلاء، ونحن حتى الآن لا نستطيع السفر لإحضار “جبريل” أو “مني”، سفرة واحدة مثل سفرة “الزبير” للغابة، جاب “مشار” و”كاربينو” ولو سافر الرئيس بنفسه أو نائبه….
{ هل هنالك خطر يواجه “أبي أحمد” بعد النجاحات التي حققها؟
_ ما أخافه على “أبي أحمد” أن يدفعه آخرون لإقصاء التقراي، خاصة “أسياس أفورقي” عندما قال خطابه الشهير كان ضد التقراي وقال إنهم دمروا إثيوبيا.. أفتكر أنه يجب عليه أن لا ينصاع لهذا الصوت، لأن التقراي ما زالوا مسيطرين حتى الآن.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية