مسألة مستعجلة

عندما يصبح التعليم تجارة!!

نجل الدين ادم

قبل سنوات خلت لم يكن هناك من مدرسة خاصة تقبل التلاميذ والطلاب بالمال إلا من بعض المدارس الفئوية على قلتها، فكانت المحصلة تعليم متميز ونجاح باهر وتربية لا تخطئها العين، اليوم لا شيء يعلو في دنيا التعليم إلا المدارس الخاصة لدرجة أنها أصبحت مادة إجبارية تضطر إليها حتى الأسر التي تكسب رزق اليوم باليوم، فتدفع دم قلبها من أجل مستقبل أبنائها، هذا الاضطرار لا لشيء إلا لأن النتيجة العكسية من توسع هذه المدارس كان تراجع المدارس الحكومية التي لم تستطع الصمود أمام موجة التعاليم الخاص.
رغم أن البعض يرى أن في انتشار المدارس الخاصة فوائد إلا أنني أرى العكس تماماً، وذلك من واقع الحياة اليومية منذ أن كنا طلاباً في المراحل الأولية إلى أن جاء أبناؤنا فاتجهنا بهم صوب المدارس الخاصة، فالفرق شاسع كما الليل والنهار، كان الأساتذة في زماننا ذلك وإلى وقت ليس ببعيد حريصين على إعطاء العملية التعليمية حقها ومستحقها وزيادة أحياناً، يسهر المعلمون في خدمة التلاميذ والطلاب من أجل أن يكون التحصيل كبيراً في النتائج النهائية.
للأسف أن المدارس الخاصة ألغت الكثير من القيم القديمة، وباتت لغة المال وحدها السائدة وأمام كل هذا فقد الطلاب والتلاميذ الكثير من المعاني التربوية، وتفشت مظاهر المباهاة و(البوبار) عند الطلاب أنفسهم فيما يأكلون ويشربون ويلبسون الخ…، قيم كثيرة كان يحرسها أساتذة مميزون تلاشت في خضم خصخصة التعليم، تضاءلت المواهب والأنشطة التربوية لأنها تمثل كلفة للمدارس الخاصة سيما وأنها تحتاج لزيادة عدد المعلمين والمعلمات وبالتالي فاتورة إضافية في المرتبات.
المعلمون والمعلمات باتوا يهرولون نحو المدارس الخاصة ولهم في ذلك حق، لأنها تدفع المال، أما في المدارس الحكومية فإن مرتبات الأساتذة هي الأقل في سلم الوظائف رغم أنهم يُخرِّجون من يملأون الوظائف العليا، سياسة الدولة المقلوبة في التعاطي مع الأولويات جعل من التدريس مهنة طاردة، والانتقاد للمدارس الخاصة ليس في كونها تركز على جباية المال وحسب بل إنها باتت لا تهتم بأبسط مقومات البيئة، يعني منزل في مساحة 200 متر يمكن أن يصبح مبنى لمدرسة لا يستطيع المدير إقامة الطابور الصباحي داخلها ولا تتوفر المرافق الحيوية حتى!.
والسؤال الطبيعي: لماذا يتم التصديق لهذه المدارس؟ الإجابة: لأن الأمر بات أمر جباية ومورد، وشواهد كثيرة لمدارس على هذه الشاكلة أمامنا!
الحكومة تحتاج وعبر إستراتيجية قومية وليس ولائية أن تعيد النظر في سياسة التمدد في التعليم الخاص لأنه يفتقر للشروط الأساسية، تحتاج الحكومة أن تعيد الثقة في التعليم الحكومي لأنه الأكثر انضباطاً، ليعود المعلم والمربي إلى مهنته من باب الوفاء وليس من أجل البحث عن الوضع الأفضل، لابد أن يُقيَّم المعلم بالقدر الذي يقدمه للبلد وجعل راتبه مجزياً ومهنته جاذبة وليست طاردة، وفي المقابل لا بد من وقف زحف المدارس الخاصة بخاصة تلك التي تتعامل معها كتجارة وليس عملية تربوية.. والله المستعان.

مشاركة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية