رئيس لجنة التشريع والعدل وحقوق الإنسان بالبرلمان "الفاضل حاج سليمان" لـ(المجهر)
خلال الجلسة الافتتاحية لدورة البرلمان الحالية، طرق رئيس الجمهورية والمجلس الوطني بقوة على موضوع مهم للغاية، ألا وهو إعداد الدستور الدائم للبلاد في الفترة القادمة. ولأهمية الأمر جلست (المجهر) مع رئيس لجنة التشريع والعدل وحقوق الإنسان بالبرلمان ورجل القانون مولانا “الفاضل حاج سليمان”، وطرحت أمامه طائفة من الأسئلة المتنوعة المتعلقة بالقوانين والتشريعات، وحول تعديل قانون الانتخابات، وعن حقوق الإنسان والشكاوى التي ترد للجنة، وظاهرة تكرار حوادث الطيران.. إلا أن غالبية الأسئلة تركزت حول الدستور، فكان الحوار محاولة لفهم الخطوات الأساسية، والترتيبات التي يتم خلالها وضع أسس الدستور الجديد، الذي يوضح نوعية الحكم في السودان خلال المرحلة المقبلة، والحقوق والمبادئ العامة التي ستبنى عليها الدولة، وكيفية إشراك القوى السياسية والمواطنين لإبداء رأيهم والتصويت عبر الاستفتاء حول الدستور الذي سينظم حياتهم.
{ في آخر حديث لرئيس البرلمان طرح مبادرة لتعديل قانون الانتخابات.. هل تم تنزيل التكليف مباشرة للجنة.. وكإجراء هل يتسق قانونياً باعتباره مرتبطاً بالدستور؟
– الرئيس تحدث عن تعديل القانون استناداً إلى التحول الذي حدث بعد انفصال الجنوب، وما حدث من تغيّرات في الدوائر الجغرافية مما يستدعي مراجعته، وصحيح أن هناك بعض التفاصيل التي وردت فيه من الأصوب والأسلم أن تكون عن اللوائح، وليس في القانون، وقد ظهرت تلك الملاحظات من خلال الممارسة العملية للقانون في الواقع، وعبر مفوضية الانتخابات، حيث تم التأكيد على ضرورة حصر القانون في الأحكام والنقاط الجوهرية وترك التفاصيل واللوائح كما هو معهود.
{ وماذا عن مصير المائة مقعد التي خلفها الجنوبيون في البرلمان بعد الانفصال؟
– أؤكد أن الجنوبيين قد ذهبوا بدوائرهم، لأن تقسيم الدوائر الجغرافية يعتمد على التعداد السكاني، وبعد الانفصال خرجت الدوائر، وبالتالي خرج معها النواب الجنوبيون. فإن كنا نريد إرجاع المقاعد يجب أن نضع مائة مقعد جديد بإعادة تقسيم ما تبقى من دوائر مرة أخرى.
{ لكن هناك حديث لدكتور “غازي صلاح الدين” رئيس كتلة المؤتمر الوطني بالبرلمان يقول فيه كنت أرجو أن تجرى انتخابات تكميلية للمائة مقعد على أن تقتصر الانتخابات على أحزاب المعارضة فقط.. هل من الممكن ذلك؟
– بالتأكيد، فإن د. “غازي” يقصد هنا المعالجة السياسية لتغذية البرلمان بقوى سياسية جديدة شاركت في الانتخابات ولم تحظ بالفوز، وبإدخالهم للمجلس سيشكلون قوى إضافية حتى لا يكون برلمان حزب واحد، ولا أستبعد أن يتم ذلك بالتوافق مع القوى السياسية والمؤتمر الوطني، وترتيب الأمر من خلال تعديل قانون الانتخابات.
{ الآن بدأت مشاورات واسعة تجاه مسودة الدستور الجديد.. ما هو تصورك لمحتوياته وما سيتضمنه من تفاصيل حول الحقوق العامة والمبادئ الإنسانية ونظام الحكم في السودان؟
– بشكل عام، فإن الدستور ينظم حياة الإنسان والدولة عبر مبادئ وقوانين، فهو يتحدث عن نظام الحكم والحقوق، وهي دائماً ما تأتي في ديباجة الدساتير وتسمى المبادئ الموجهة، وهذه لا أعتقد أن هناك خلافاً حولها بين القوى السياسية، فكما ورد في الدساتير السابقة من حديث عن سيادة الدولة ولا مركزيتها والحكم الفيدرالي وتعدد الثقافات وتعايش الأديان، فكلها من المبادئ الموجهة التي تؤكد بأن السيادة للشعب، وتمارسها الدولة وفقاً للنصوص القانونية وحاكمية الدستور ومبادئه الأساسية، بجانب الإشارة للحقوق الدينية والثقافية والسياسية والشعارات الوطنية، وتعدد اللغات والمبادئ الموجهة في مجال الاقتصاد والعدالة الاجتماعية، والبيئة والموارد والحريات.. هذه المنظومة ليس فيها خلاف بين القوى السياسية، فمهما اجتهدت السلطة الحاكمة لن تستطيع أن تخرج عن المبادئ المتعارف عليها في تركيبة الطبيعة السكانية السودانية، ولا حتى على مستوى القوى السياسية لن تجدها تتحدث عن شيء خلاف مبادئ الشريعة الإسلامية، كذلك لن تجد قوى لا تتحدث عن الحريات والمساواة على أساس المواطنة، ففي الدستور أصبح الحكم الفيدرالي نفسه من الأساليب المتفق عليها في إدارة شأن البلاد، والآن لا تجد حزباً سياسياً يتحدث عن حكم مركزي أو يطالب بإلغاء النظام الفيدرالي، فمن هذه الناحية لا أشعر بوجود خلاف.
{ إذن أين في اعتقادك سيكون الخلاف حول الدستور بين القوى السياسية بما فيها المؤتمر الوطني؟
– أتوقع أن يكون الخلاف حول نوعية نظام الحكم بالسودان وأيهما أنسب، نظام الحكم الرئاسي كأمريكا، أم البرلماني كبريطانيا، أو المختلط كفرنسا؟ فهناك بعض القوى تنادي بالبرلماني، وأخرى بالرئاسي، والبعض يرغب أن يكون الحكم بين هذا وذاك. لكن أعتقد حتى وإن حدث خلاف فالأمر قابل للحوار والأخذ والرد، فعلى القوى أن تستصحب معها في التداول طبيعة الشعب السوداني لاختيار الأنسب، كما أنه ليس ثمة ما يمنع السودان لظروفه وتكويناته وخلطته السكانية من ابتكار نظام حكم جديد يتناسب وظروفه، فكل هذا قابل للحوار. كذلك قد يحدث نقاش حول العلاقة بين الحكم الولائي والسلطة القومية، وكيف ستكون العلاقة، ستبقى على صورتها الحالية أم أنها تحتاج لمزيد من السلطات الولائية؟ أم هناك ضرورة لتقليص الحكومات الولائية حتى لا يحدث التفكك الذي بدأ يظهر الآن من هزات قبلية وعنصرية؟ هذا سيخضع للنقاش لاختيار الأنسب.
{ مع الحراك القائم الآن.. هل تتوقع أن تجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة في العام 2014م وفقاً للدستور الجديد؟
– نعم أتوقع أن يحدث هذا، وحتى ذلك الوقت فإن العمل الآن يجري وفقاً لدستور العام 2005م حتى لا يحدث فراغ دستوري، فبعد الانفصال لم يخضع الدستور لأية مراجعة أو تعديل حسب المادة (224) ويظل سارياً لحين اعتماد الدستور الدائم.. يعني لا صحة لما يشير إلى عدم شرعيته، والآن قد بدأت الدعوة للدستور الجديد من رئيس الجمهورية للقوى السياسية المشاركة، وكما قال رئيس البرلمان علينا أن نتأسى بحادثة الحجر الأسود عندما شاركت كل القبائل في حمله ووضعته في قماش ليضعه النبي محمد “صلى الله عليه وسلم” في مكانه الآن.
{ لكن هناك بعض القوى التي تؤكد وجود دستور (جاهز) وأن كل ما يريده رئيس الجمهورية هو أن تبصم عليه فقط؟
– بالتأكيد ليس هناك أي دستور جاهز ليأتي الرئيس ويجمع القوى السياسية ويقول لهم (هاكم) نحن قد جهزناه فابصموا عليه. الرئيس طلب منهم الجلوس والتحاور لتحقيق الإجماع، فقد أصبحنا بعد الانفصال دولة نسبة المسلمين فيها غالبية، وهناك أقليات من غير المسلمين يجب أن نحافظ على حقوقهم، لأن الشريعة تحفظ حقهم كمواطنين في كنف الدولة الإسلامية، وحقهم في الحريات ما داموا يتعايشون وفقاً للقوانين السائدة في الدولة.. بهذا الفهم أراد الرئيس أن يشرك الجميع في عملية التفاكر بعد الاتفاق على تشكيل اللجنة العليا لتجمع الرؤى والأفكار من داخل المجتمع السوداني، لتعمل اللجنة على صياغة كل الآراء في شكل نصوص، لتأتي إلى البرلمان لمزيد من التشاور والضبط، ولا ينتهي الأمر عند البرلمان وإنما يتنزل للمواطنين للاستفتاء حوله، وهناك من يقول إن الذين يستفتون لا يعلمون شيئاً عن الدستور.
{ قد يكون قولهم صحيحاً؟
– هنا يأتي دور القوى السياسية لتنوير الناس، وبذل جهود في ذلك. فالدستور ليس قوانين متصلة وإنما يتحدث عن المبادئ الكلية. والمواطنون يعلمون الكثير، حتى في القرى والريف الحديث عن الدستور موجود، والمجتمع السوداني الآن ليس ذات مجتمع 1985م، بعد انتشار التعليم ووسائل الاتصال المتعددة.
{ الحديث عن استفتاء أبيي يشغل الناس هذه الأيام.. هل سيتم وفقاً للقانون الذي أجازه البرلمان سابقاً أم سيكون هناك تعديل؟
– سيكون بنفس القانون، لكن الأهم تحديد العناصر الذين يحق لهم الاستفتاء من السكان المقيمين بأبيي من دينكا نقوك أو المسيرية، وتحديد الفترة الزمنية التي يجرى فيها الاستفتاء، فالخلاف حول الزمن- في شهري (8) و(10)- وهو وقت غير مناسب للمسيرية الذين يغيبون في تلك الفترة عن المنطقة مع أقاربهم، لذلك السودان رفض تحديد الفترة المذكورة وتبدلت بالوقت الذي توجد فيه المسيرية.
{ توجد بعض التحفظات على اتفاق الحريات الأربع مع الجنوب.. ما هو رأيكم؟
– لا أرى مبرراً، لأن الاتفاق يتم وفقاً للقانون، وبالمثل فإن كان هناك جنوبي قد امتلك أرضاً سكنية في الخرطوم أو نيالا، فإجراءات التملك تتم وفقاً لتمليك الأجانب للعقارات، وحتى إن دخل أحد الجنوبيين البلاد فإن مكانه يكون معلوماً لدى شرطة الأجانب والجوازات، وتكون حركته معلومة.. هذا المقصود هنا، وبالمقابل فإن اشترى أحد السودانيين أرضاً زراعية في جوبا سيكون التعامل بنفس القدر، ولا يمكن أن تقتلع الأرض بانتهاء الاتفاقية حتى لا تضيع الحقوق، وإذا لم يلتزم أحد الطرفين بالاتفاق فلهما الحق في إلغائها معاً والتحلل منها.
{ حول أوضاع حقوق الإنسان بالسودان هل تصلكم شكاوى عن انتهاكات.. وأنتم كجهة رقابية.. أليست لديكم آلية لضبط التجاوزات كحادثة الديم فهناك تقارير دولية تُرفع عن السودان دورياً لمجلس حقوق الإنسان؟
– في حادثة الديم، اعتذر والي الخرطوم عنها، وذلك يوضح للمجتمع الدولي أن الحكومة ضد انتهاك حقوق الإنسان، وقد طالبت بتعديل قانون النظام العام، كجهة قومية ليس من حقنا إلغائه، ولكن نوجّه الجهة المعنية بتعديل النصوص التي تتعارض مع الدستور، وقد بدأ مجلس تشريعي الولاية بمراجعته بعد مخاطبته لهم رسمياً.
{ وماذا عن الشكاوى حول حقوق الإنسان؟
– تصلنا العديد منها، وننظر فيها بالتنسيق مع الجهاز التنفيذي لمعالجتها بصورة فورية، وقد اجتمعنا مع وزراء الداخلية والدفاع والعدل وجهاز الأمن والمخابرات للتنسيق والتعاون وآخر شكوى وصلتنا، وأنا لا أعدّها انتهاكاً لكن مطالبة من بعض موظفي شركة الصمغ العربي المتهمين في قضايا تعدٍ على المال العام بالإسراع في محاكمتهم أو تبرئتهم، وقد شكوا من بطء الإجراءات التي استمرت (17) شهراً مما أدى لتضررهم بعد حظرهم من السفر وأداء الحج، وقد وعدت اللجنة بالجلوس مع وزير العدل حول الأمر بصفة عاجلة.
{ ما هي خططكم في مجال حقوق الإنسان؟
– لدينا نشاط كبير في الفترة القادمة، ورشة عمل حول (القانون الدولي والإنساني) بالتعاون مع المنتدى الإسلامي التابع للمؤتمر الإسلامي ومنظمات حقوق الإنسان، ومقره بقطر، والمقصود تسليط الأضواء على القانون ورده إلى أصوله الإسلامية، وتوضيح أن حقوق الإنسان موجودة منذ آلاف السنين في الشريعة الإسلامية، بعد أن شرعت وقننت ومورست عملياً بالتأكيد على الحريات وعدم الاعتداء على الحقوق، ومقولة سيدنا “عمر بن الخطاب” رضي الله عنه خير دليل (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)، وللتأكيد للمسلمين أن القانون الدولي أصله الإسلام، وهي حقوق منحها الله للإنسان.
{ هناك ظاهرة اختفاء شخصيات بارزة بالمجتمع السوداني كحادثة اختفاء د. “عمر هارون” بجامعة الخرطوم.. ما مدى متابعتكم للقضية كجهة رقابية؟
– لا يمكننا وصفها بالظاهرة باعتبارها لم تتكرر كثيراً، لكن اللجنة تتابع القضية بصفة دائمة مع وزير الداخلية، وما زالت الأجهزة الأمنية تُعمل البحث للكشف عن الملابسات.
{ إن لم تكن هذه ظاهرة.. فهل يمكن وصف حوادث الطيران المتكررة بذلك.. وما هو دوركم كبرلمان؟
– لقد طلبنا من وزارة العدل تقديم نتائج التحقيق حول حادثتي طائرة تلودي وغرب أم درمان بالتفصيل، وسيتم تسليمنا التقرير بعد الانتهاء من التحقيق عقب عطلة العيد. كذلك لجنة الأمن بالبرلمان طلبت بياناً من وزير الدفاع حول تلك الحوادث.
{ ما هو مصير قانون (رد العدوان).. هل أصبح حبراً على ورق بعد توقيع الاتفاقات مع الجنوب وهل تم سحبه نهائياً؟
– القانون سيخضع للنقاش بعد عطلة العيد مباشرة، وقد أرجئ من الدورة الماضية ولم يُسحب نهائياً.
{ هناك اختراقات من بعض الدول سواء عبر أفراد أو منظمات كحوادث بورتسودان والاختراقات في ساحل البحر الأحمر؟
– نحن نتابع تلك الحوادث مع الجهاز التنفيذي، والوزارات المختصة، وجهاز الأمن.
{ وماذا عن آلية محاربة الفساد التي كوّنها رئيس الجمهورية.. لم نر لها عملاً منذ فترة؟
– الآلية موجودة، وهي تتابع عملها، وسنلتقي بها عبر اجتماع نهاية العام لمعرفة حصيلة أعمالها بالأرقام والمعلومات، لكن من المفترض أن يتم إصدار قانون لوضع مهامنا، والقانون لم يصدر حتى الآن، فهي الآن تعمل بموجب قرار رئاسي.
{ الشارع العام يرى أن الحكومة تتعامل مع الفساد بمبدأ المرأة المخزومية (إذ سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد) وليس بمبدأ من أين لك هذا.. ما رأيك؟
– الحكومة لا تتعامل بهذا المبدأ، فالناس سواسية أمام القانون، لا فرق بين غني أو فقير، كبير أو صغير، مسؤول أو مواطن، فلا حصانة لأحد أو حماية، وصحيح هناك بعض الكلام أنا شخصياً لا أقتنع به، بأن يُقال للمواطن أن يأتي بدليل ووثائق بتعدٍ على المال العام من قبل مسؤول، وبالطبع لا يوجد مواطن لديه دليل، لذلك قامت وزارة العدل بتشكيل إدارة إبراء الذمة للمسؤولين لتفعيل مبدأ من أين لك هذا، فهو ليس بلاغاً مفتوحاً، وإنما معلومات تأتي ويتم التحقيق فيها وإن ظهر الشراء على أحدهم فجأة يُسأل إن كان قد ورثه أم أتى به بطرق غير مشروعة؟ فإذا فشل في توضيحها يُحاسب.. وهو موجود في الأثر، أحد الصحابة وجد إبلاً ترعى في منطقة خصبة وهي أسمن من إبل المسلمين، فسأل عنها، قيل إنها لابن أمير المؤمنين فتمت مصادرتها منه.. هنا توجد شبهة، لذا يتم التعامل بمثل هذه القوانين حتى لا تتاح فرصة لمسؤول لاستغلال منصبه أو موقعه الوظيفي.