أسلحة حديثة ومؤتمر للمانحين : دارفور.. حوار البندقية والمدرسة!!
في الوقت الذي رمت فيه الحكومة السودانية ودولة قطر، بالإضافة إلى حركة التحرير والعدالة، كل أسلحتها من أجل إنجاح مؤتمر المانحين الدولي والمخصص لجلب أموال ضخمة من المجتمع الدولي من أجل تنمية دارفور، فاجأت البعثة الدولية المشتركة في دارفور الـ(يوناميد) والمعنية بحفظ الأمن في الإقليم، الأوساط السياسية والإعلامية بكشفها عن دخول أسلحة متطورة وحديثة إلى دارفور؛ وذلك من خلال الهجوم الذي استهدف جنود حفظ السلام، والذي وقع الأسبوع الماضي. ويعني دخول أسلحة جديدة ومتطورة إلى دارفور واستمرار عمليات القتل والخطف التي يتعرض لها الجنود الأمميون وتواصل المعارك بين القوات المسلحة والحركات المسلحة، بالإضافة إلى عودة النزاعات القبلية المسلحة، إن الوضع الأمني في دارفور غير مستقر، وهو الأمر الذي سيلقي بآثار سالبة وظلال قاتمة على فرص نجاح مؤتمر المانحين الدولي المعني بالتنمية بسبب أن التنمية لا يمكن لها أن تنشأ وتستمر في انعدام الأمن. وهذه النقطة بالذات أثارتها الممثل المشترك والوسيط الدولي للبعثة الدولية “عايشتاوتو مندواوا” خلال الاجتماع الدولي المشترك لتقييم سير تنفيذ اتفاقية الدوحة، والذي عقد بالخرطوم الأسبوع الماضي. وقالت المسؤولة الأممية إن الحديث عن التنمية في ظل عدم وجود الامن امر لا يمكن استساغته. وذهبت إلى أكثر من ذلك عندما طالبت الحكومة السودانية بالتحديد خلال حوارها مع (المجهر) الذي نشر يوم أمس إلى (ضرورة العمل من أجل توفير الأمن وحماية المدنيين وحماية قوات حفظ السلام). وتابعت قائلة: (مع التعويل الكبير على نجاح مؤتمر المانحين فإن أمر تحقيق السلام يظل الأولوية الأولى لنا).
وشهد إقليم دارفور موجة عنف جديدة منذ منتصف العام الحالي، وشمل النزاعات القبلية التي انتقلت من جنوب دارفور إلى شمال دارفور وتحديداً في محلية الواحة ومنطقة كتم والهشابة، كما تجددت المعارك بين القوات المسلحة في عدة مناطق بولايتي شمال دارفور وجنوب دارفور وغربها بعد العودة الملحوظة لمقاتلي الحركات المسلحة إلى الإقليم قادمين من جنوب السودان، هذا فضلاً على زيادة وتيرة الهجمات على قوات حفظ السلام الأفريقية مؤخراً، واتخذت منحى آخر عندما تم قتل واختطاف جنود حفظة السلام بطريقة درامية ولافتة للنظر، حيث عمد المهاجمون إلى إرسال رسائل مفادها أن القوات الدولية ضعيفة لدرجة أنها لا تستطيع حماية نفسها. كما أن مسلحين اقتحموا مقر الرئيس للسلطة الانتقالية في دارفور في مدينة الفاشر، واختطفوا وزراء ومسؤولين في ظاهرة هي الأولى من نوعها. ولكن مع تصاعد هذه الوتيرة، تصر الحكومة وحركة التحرير والعدالة ودولة قطر الراعية للاتفاق على إنجاح مؤتمر المانحين، حيث تتواصل ورش العمل في دارفور لتحديد الاحتياجات الفعلية خاصة لقرى النازحين المحتمل عودتهم بعد استتاب الأمن، فيما تواصل قطر اتصالاتها مع المجتمع الدولي لتوفير غطاء كبير لنجاح المؤتمر وحشد الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا باعتبارهما أكبر داعمتين لعملية المساعدات الإنسانية في الإقليم. كما أنه في المقابل، يبدو أن تجربة المانحين مع السودان غير مبشرة، حيث يشتكي المسؤولون الحكوميون من أن الأموال التي تم التعهد بها للتنمية بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل مع جنوب السودان في العام 2005 والتي وصلت لبلايين الدولارات لم يتم الإيفاء بها، وإنما جُمِّدت أو ذهب أغلبها إلى المساعدات الإنسانية في دارفور. وفي هذا الصدد يقول مسؤول ملف دارفور في الحكومة السودانية، الوزير برئاسة الجمهورية، الدكتور “أمين حسن عمر” إنهم – كمسؤولين في الحكومة – مدركون جيداً لهذه المحاذير، وإنهم خلال تحضيرهم لمؤتمر المانحين في الدوحة يضعون في اعتبارهم ما حدث خلال مؤتمر المانحين لاتفاقية نيفاشا الذي عقد في أوسلو عاصمة النمسا. وقال لـ(المجهر) إنهم لن يتفاءلوا أو يتشاءموا من نتائج المؤتمر: (والله، نحن لسنا متفائلين، وفي نفس الوقت لسنا متشائمين. ومصدر التفاؤل أن هنالك تعاطفاً دولياً كبيراً مع مشكلة دارفور، كما أن هنالك قبولاً جيداً للاتفاقية من المجتمع الدولي. أما سبب التشاؤم هو أن الوضع الاقتصادي العالمي يمر بفترة صعبة وهو من شأنه أن يؤثر في تعهدات المانحين. ومع ذلك، فنحن نتوقع أن تكون هنالك تعهدات كتلك التي ذهبت إلى اتفاقية شرق السودان).
والحديث حول التنمية والسلام في دارفور لم ينشأ في راهن اللحظة، بل هو جدل قديم بين الحكومة والمجتمع الدولي الذي يقدم المساعدات الانسانية في دارفور. فمثلاً لاحظت خلال اجتماع تقييمي عقد للمبعوثين الدوليين في دارفور في مدينة الجنينة عقد أكتوبر من العام الماضي (تقريباً) أن ممثل الحكومة السودانية، وهو والي ولاية غرب دارفور في ذلك الوقت، طالب المجتمعين والأمم المتحدة بالتحول من مربع تقديم الإغاثة إلى مربع التنمية من خلال مشروعات الانعاش المبكر. وكرر ذات الطلب والي شمال دارفور
“محمد عثمان يوسف كبر” عندما عقد الاجتماع الدولي التالي في ولايته بمدينة الفاشر، ودعا المؤتمرين إلى ضرورة دعم المشاريع التنموية والتوقف عن الأعمال الإغاثية بعد أن استقرت الأوضاع الأمنية. ولم تجد هذه الدعوات أذناً صاغية من الدول الداعمة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ترى أن الوضع الأمني غير مستقر وأن أي حديث عن تنمية أو جمع أموال لها أمر غير منطقي. ولتأكيد صدق حديثها، أصدرت السفارة الأمريكية بالخرطوم بياناً شديد اللهجة موجهاً للحكومة السودانية بعد حادثة الاعتداء على جنود حفظ السلام مؤخراً، حيث أدانت الهجوم بشدة. وطالبت الخرطوم من خلال لغة تحمل صفة الأمر بضرورة القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة فوراً. ويرى محللون أن هذا البيان ربما كان رسالة للحكومة ومن يقف معها أن مؤتمر المانحين المقرر في الدوحة لن يمشي كما هو مرسوم له في حال استمرار الوضع الامني في التدهور. ويرى الخبير في شؤون دارفور “إدريس الدومة” أن قضية الأمن والتنمية هي أمر حيوي، ولكن أطراف الأزمة في دارفور بما فيها المجتمع الدولي تعمل لصالح ورقتها التي تراها. وقال خلال اتصال هاتفي مع (المجهر) يوم أمس: (إن أس المشكلة في دارفور هو انعدام التنمية ولو كانت هنالك تنمية في دارفور لما قامت هذه الحرب اللعينة.. واعتقد أن هنالك منطقاً في أنه لا تنمية في ظل انعدام الأمن، ولكن الحديث الآن يجيء في إطار سياسي يشي بنيّة خبيثة). وتابع قائلاً: (يمكن أن يقوم المؤتمر ويطلب أموالاً للتنمية بعد أن توضع المشاريع.. ولكن في الوقت نفسه على الحكومة أن تبحث وبشكل جدي عن سلام شامل ودائم في دارفور إن أرادت أن تنفذ المشاريع المقررة على الأرض.. ولها في تجربة طريق الإنقاذ الغربي عظة واعتبار إن كانت تتعلم من تجاربها).