مؤتمرات الحركة الاسلامية
بتغطية إعلامية واسعة شهدت جميع ولايات السودان عقد مؤتمرات الحركة الإسلامية وهي بحد ذاتها ظاهرة تستدعي الانتباه والوقفات. في بلد يعتبر رائداً في انتشار الحركة الإسلامية وسط أفراد المجتمع كافة حتى أن عبد الرسول سياف عندما حضر في الثمانينيات في مسجد جامعة الخرطوم بشر المصلين بأن البلد الأول الذي سيشهد قيام نظام إسلامي هو السودان، وذلك لأن الشباب هم نصف الحاضر وكل المستقبل وهو يرى أن الحركة لها انتشار واسع وسط الشباب في السودان. ولم يخيب ظنه فقد كان أن قامت ثورة الإنقاذ كوليد شرعي للحركة الإسلامية السودانية ونموذج إسلامي أول في العالم الإسلامي روحه الأصوليون. لم يهنأ جيل الحركة الإسلامية طويلاً بالتجربة فأول ما اعتراها أن الحركة الإسلامية فقدت الروح تماماً، فهجر الإسلاميون المساجد والأسرة والإمارة والجماعة وصيام الاثنين والخميس وقيام الليل والنخوة والمروءة والنجدة والشهامة وهرعوا إلى تحسين الأوضاع وركوب الفارهات ولقاء الحسناوات وتعدد الزيجات وأصبحوا جلهم يقرأون لابن حزم الأندلسي “طوق الحمامة” وما جاء في مقدمته التي يقول فيها: “تربيت بين حجور النساء وتعلمت منهن كثيراً من القرآن” ولا يقرأون قول “عمر بن الخطاب”: (لو عثرت شاة بالعراق لسُئل عنها عمر).
ثم إن الإسلاميين قد ركلوا الفكر والاطلاع وراء ظهورهم تماماً، والمعروف أن الحركة الإسلامية كانت أول ما تطعمك به هي دعوتنا، ثم رسائل البنا، وأبو الحسن الندوي ووحيد الدين خان ونديم الجسر وفتحي يكن وغيرها من كتب الفكر والتراث، ولكن انشغل الإسلاميون بالسلطة فأصبحوا لا يقرأون إلا نتفاً من مقالات تبشر بأن التجربة لم يكن لها قرين فكانت كما هي، وأحياناً يستدلون بما جاء بـ(العواصم من القواصم) لأبي بكر بن العربي الذي حكى في كتابه ما تجيش به نفسه من روح مفعمة بالتدين وحب طاهر لأصحاب المصطفى فيما حدث لهم من هنات إبان صدر الإسلام.
لقد ظل الإسلاميون يعتبرون دوماً أنهم امتداد حقيقي لتلك الزمرة، ولكن بغير هدى ولا سلطان منيب، وقد مثلت التجربة نقمة كبيرة على الحركة، كما أن الدنيا وتنافسها قد حدا بتفسخ كم هائل بين الإخوة بالأمس ليصبحوا أعداء اليوم أشد العداوة، فكانت الفتنة الكبرى في رمضان ولم يهنأ بال كثير من الإسلاميين الناغمين على التجربة فخرجوا كلهم بأسماء ملأى بالمرارات والضغينة مما جعلهم يلجأون لإلصاق كلمة عدل قبل تنظيماتهم الجديدة، فكانت حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم، وكانت حزب العدالة للراحل مكي علي بلايل، وحتى الخال فقد اتخذ له منبراً للسلام العادل، رغم أن منبره قد اكتسى بكم هائل من التحسر والأسى مما حدى به أن يرسل “زفرات حرى” لا يسلم منها حتى ابن الأخت. إن الحركة الإسلامية بحاجة ماسة إلى إعادة صياغة واستنهاض همم ومصالحة أجيال غيَّرها التاريخ الأسود لأيام سلطة الحركة الإسلامية، ولتبدأ بلم شمل الشباب والطلاب والمرأة، ولتعود لتعمر روحها بالمساجد وبركل أبنائها الدنيا التي فتنوا بها، وليكن ما مضى تجربة أفراد وزلات شواذ، كما قال الدكتور عماد الدين النجار في كتابه “فقه التدين فهماً وتنزيلاً” ولابد أن يكون همُّ المؤتمرين هو إعادة الحركة الإسلامية لسيرتها الأولى لا لشرعنة الباطل، وعندها سنجد المفقود ولكن لكل جواد كبوة.
بابكر محمد حسن