رأي

الحاسة السادسة

سرطان الجوع

رشان أوشي

ثمه نفر قليلون يتجمهرون بعد صلاة التراويح أمام طاولة (حسن) الجزار في سوق حارتنا بالثورة القديمة، رجال ونسوة، وكنت أقف في انتظار دوري لجلب حاجيات منزلية ارسلتني لشرائها جدتي، الرجال يجأرون بالشكوى من غلاء الأسعار في رمضان، يرمون باللوم على الحكومه التي أطلقت يد التجار بلا ضابط، مما فتح بعضهم شهية جشعه على مصراعيها، ويصيح آخر “يا حاج حسن صلح الكيلو ده ياخ اصلو حق ثلاثة يوم”، وسط هذا الزحام البشري كانت تقف هي، صامتة تبعث نظرات خجولة، يبدو أنها متزوجة حديثاً ربما لم تتجاوز العامين أو أكثر نسبة للحناء التي تتشبث بأصابعها النحيلة، فتية ذات سمرة فاقعة، لا تخلو من شحوب، وجسد نحيل، محسوبة على المعاناة التي تشكل عمق لوحة حياة الشعب السوداني، شقاء سيماها كانت كشجرة أصفرت أوراقها بفعل الجفاف، أو غرست في أرض ليست أرضها.
عندما انحسر الناس، طلبت مني بذوق رفيع أن اتقدم لشراء طلبي، ولكنني أصررت على أن تتقدم هي فقد سبقتني في صف الانتظار، تقدمت السيدة، وطلبت (نص) ربع كيلو لحم، ومدت ورقة من فئة العشرة جنيهات، يبدو أن “حسن” الجزار يعرفها، بادرها قائلاً: “شيلي ربع، الدنيا رمضان، وجيبي حقو لمن تجي المرة الجاية”، حاولت أن اتماسك أمامها قبل أن تفر دمعة من عيني، صدمتي كانت مروعة، ووجعي أكثر ترويعاً، وصلنا هذا المنحى من ضنك العيش والفقر، وهناك غيرها من المئات ممن لا يملكون ثمن الخبز الحاف، يا إلهي، ألا يخاف المسؤولون عن حياتنا الله فينا، ألا يعون قول أمير المؤمنين “عمر بن عبد العزيز”: (انثروا الحبوب في الجبال، حتى لا يقال جاع الطير في بلاد المسلمين)، اليوم جاع الشعب السوداني في ولاية الوفاق الوطني، الناس في شظف من العيش، وضيق، وما زالت الدولة تصر على المضي في نهجها الفاشل المتبع في إدارة البلاد.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية