الديوان

ما زالت حنجرته باهرة وفتية : الشيخ الفنان " صلاح بن البادية"… الغناء في مهاجع التصوف!!

انتظرته قليلاً ريثما ينفض مجلسه، برهة وحضر الشيخ ومارس طقساً تطبيبياً لسيدة كانت قبيل لحظات ترتعش من الألم، وبمجرد أن لمسها وقرأ عليها بعض الآيات القرآنية طفقت تجوب المكان جيئة وذهاباً وكأنها تعافت تماماً، ولعل هذا ما فسر لي وجود تلك الزاوية الملحقة بالمنزل العريق الذي فاحت ريح التصوف من بين جنباته، وكأني بها تنادي (وهنا حلقة شيخ يرجحن، يضرب النوبة ضرباً فتئن وترن).
وجدنا أن الغرفة التي يتخذها لخلوته مزدانة بالمصاحف والقوارير و(المصالي) وغيرها، حتى ظننت أن قدماي زلتا إلى مسيد أو خلوة شيخ، ثم ما لبثت أن أفقت من دهشتي وأنا استحضر أنني في حرم حفيد الشيخ “أبو قرون”، الذي ورث عنه البركة والشياخة والزهد والورع رغم أنف موهبته الغنائية وصوته الرخيم الجميل والقوي الذي ما زال كذلك بعد عقود طويلة من الغناء الجميل.
(المجهر) جلست إلى الفنان الشيخ “صالح الجيلي محمد أبو قرون” الشهير بـ(ابن البادية) ودردشت معه في هذا المحاور.
{ ابن البادية سليل الشيوخ.. هل وجد معارضة من الأسرة عندما اتجه إلى الغناء؟
– كان هناك سؤال ملح، هل الغناء حلال أم حرام، ووفقاً للفتاوي تيقنوا من شرعيته، طالما أنه لا يحمل مضامين فاحشة أو يمجد الرذيلة، فضلاً عن أن الغناء لا يتعارض مع الإسلام.
{ تؤدي الأغنية بكلياتك وبعمق متناهٍ.. حدثنا؟
– أعيش الشعر بعمق، وإذا لم أحسه فأنا لست فناناً.
{ منذ متى تفتقت عندك موهبة الغناء؟ وهل بدأت بالخاص أم بأغنيات الغير؟
– بداياتي كانت في العام 1959م، وكانت (الأوصفوك) للشاعر “محمد بشير عتيق” أولها، إلى جانب أغاني السيرة، وأغنية (خاتمي العاجب البنوت)، على أن أولى أغنياتي بثت على (بي بي سي).
{ كم بلغ رصيد أغنياتك حتى الآن؟
ــ قرابة الـ(80) أغنية من وطنية ودينية وعاطفية، بعض منها من تلحيني.
{ علي ذكر أغنياتك.. أغنية (كلمة) لم يفك شاعرها “محمد يوسف موسى” شفرتها حتى الآن.. هل تعرف سرها؟ أم انك تؤديها على السليقة؟
– وأنا أيضاً لست بعارف ــ ولا أريد ذلك، وحتى لو كنت أعرف فلن أقول لك، لأن التفسير يفسد المعنى.
{ كم عدد الفنانين الذين تعاملت معهم؟ وهل هناك أغنيات قمت بنظمها بنفسك؟
– تعاملت مع أكثر من عشرين شاعراً منهم “محمد يوسف موسى” شاعر (كلمة، فات الأوان، ولسه بحبو لسه)، وقمت بتأليف أغنية واحدة هي (بلدي الحبيبة الطيبة)، ولي في الفن ثلاثة كتب منها كتاب (الشاعر المغني) وهو قيد الطباعة، فضلاً عن التراثيات والهجائيات والرثاء والدوبيت.
{ ما شاء الله وعيني باردة عليك.. فرغم تقدم العمر ما زالت حنجرتك شابة وفتية.. هل هي هبة إلهية أم وراء الأمر سر؟
– الصوت ده هبة من ربنا سبحانه وتعالى، أو ربما وراثة من الوالد الذي كان مادحاً وصوته وهو في الثمانين من عمره كان أقوى من صوتي، ثم أن هناك حديثاً للرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول: ( إن من أكل سبع بلحات، أمن يومه من السحر والسن)، وأنا امتثل لهذا الحديث وكل يوم الرابعة صباحاً أمضغ سبع بلحات.
{ تنسب للبادية.. أية بادية؟ وما علاقتك بها؟
– اسمي الحقيقي “صالح محمد أبو قرون” ولدت بأم دوم جنوب الجريف، أما البادية، فلأن والدي من البادية شرق كردفان، بيد أنهم جميعاً انتقلوا لاحقت إلى منطقة أبو قرون، وأنا من وضع الاسم الفني (ابن البادية).
{ بالنسبة للمواقف التي يتعرض لها الفنانون.. سمعت أنك تعرضت لهجوم وعناق من أحدهم أثناء تأدية أغنية (كلمة) في مسرح ببورتسودان.. ما هي تفاصيل القصة؟
{ لا أتذكر ذلك، لكن يعلق بمخيلتي موقف لامرأة كبيرة في السن ربما خمسون عاماً، باغتتني بهجومها عليّ في مناسبة بالحاج يوسف، وأوسعتني ضرباً مبرحاً على المسرح، إلا أنه تم احتواء الموقف بإخراجها تماماً.
ــ امتلأت الساحة الغنائية بفنانين كثر.. أين انتم الآن من هؤلاء.. وهل هناك أي وجه مقارنة؟
{ عن نفسي أول بداياتي كانت في مسرح أم درمان وسينما العرضة والاتحاد النسائي، وأتذكر أن الدخل كان كبيراً، وأول ما غنيت واسمي ظهر كان في المسرح القومي، وزمان كان كل شهر تقام حفلة بالمسرح مع العمالقة (احمد المصطفى وحسن عطية وسيد خليفة ووردي وعثمان حسين)  واستطعت في تلك الفترة التفوق على فنانين كثر.
{ لم تجب.. ماذا عن الجيل الحالي؟
– أتمنى أن يحذوا حذونا، وأن يتحلوا بالأخلاق الحميدة، لأن هناك أشياء مخلة بالآداب والذوق العام، وهنالك أغانٍ تؤدى دون معرفة معناها، كما أتمنى أن يتخيروا أعمالهم الفنية.
 { هل هناك من يؤدون أغنياتك؟ وأن وجدوا فما رأيك في ذلك؟ وهل يتم استئذانك؟
– نعم يوجد من يرددها، لكنها مشوبة بالأخطاء والمفردات غير الصحيحة، ومع ذلك لم يستأذنونا ولو فعلوا لصححناهم.
{ حدثنا عن تلك الزاوية الملحقة بالمنزل.. وما هي حكاية الشياخة وهل يستقيم الأمر مع الغناء؟
– المسألة مجرد بركة فقط، فأنا خليفة والدي وهو خليفة أبو قرون، أما الزاوية فيؤمها المئات من المريدين يوم واحد من كل أسبوع، ونؤدي فيها ببعض الروحانيات والذكر والمديح.
{ بخلاف حفيدك “معتز” مَنْ مِنْ الأسرة سلك درب الفن؟
– هناك ابني الكبير “تاج الدين” عازف جيتار، و”حسن” يعزف معي على الأكورديون.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية