تقارير

من دفاتر الأحزان والأشواق والآمال: من أحق بخلافة الرئيس.. (علي عثمان) أم (…..)؟!

كان الشاعر “متمم بن نويرة” يذرف الدمع السخي، وتهطل قطرات الماء من عينيه، كلما شاهد قبراً، ليتذكر شقيقه القتيل “مالك بن نويرة”، فنشد بيتاً من الشعر الرصين، فقال:
 أتبكي كل قبر رأيته
لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك
فقلت له الشجى يبعث الشجى
 فدعني فهذا كله قبر مالك
والتيار الإسلامي في السودان على سعته وتمدّد كسبه واستنارته، كلما لاحت في السماء (بروق) تجدّد لهياكله وضخ لأكسجين الحياة في قلبه، تذكر التيار ورموزه دوي الانقسام الشهير، وأخذت البعض (فوبيا) الانقسام مأخذاً دفعهم لمناهضة أية جدل يثور في عرصات التنظيم أو الشارع العام، و(يحسبون) أية دعوة إصلاحية مؤامرة تقف من ورائها وأمامها جهات مغرضة أو متربصة، وما نبأ ترشيح (علي عثمان محمد طه) لمنصب الرئيس إلا مثال وشاهد إثبات على وجل الواجلين من نوايا التغيير وإرهاصات استحقاقات ما هو قادم لا محالة، ومن يناهضون التجديد و(يجدفون) عكس صيرورة التاريخ والإنسانية، إنما يحفرون بأيديهم (قبوراً) لا تليق بمن يحسبون أنفسهم جنوداً مخلصين لهم اليوم!!
ودعوة التجديد وزهد الرئيس في البقاء في الحكم بعد (27) عاماً من السلطة بحلول عام 2015م، جاءت من تلقاء الرئيس نفسه بلا ضغوط أو أزمة حملته للهروب من سفينة غارقة، كما يعتقد البعض، والرئيس “البشير” بعد عامين من الآن سيبلغ السبعة والعشرين عاماً في الحكم، حارب وحورب وقاتل في إباء وشمم، ورصف الطرق، وفجر ينابيع البترول، وأرسى قواعد دولة تحكم بالشريعة الإسلامية، ركل أمريكا بحذائه وناهضها علناً، وقال للغرب (تُف) وفاوض الجنوب ومنحه حق تقرير المصير، وذهب ثلث السودان أرضاً وشعباً وموارد وعيناً من الحكام والوزراء والمحافظين ما لم يسبقه أحد في التاريخ الإنساني، لا تاريخ السودان فحسب، لم ينكسر في وجه عاصفة أو يهرب من أمام أزمة، وضع “الصادق” و”الترابي” و”نقد” و”الميرغني” في غياهب السجون وصالحهم ومنحهم ما يستحقون وما لا يستحقون من زاد الدنيا والسلطة والجاه، فما الذي تبقى لـ”البشير” من المجد الشخصي والإنجاز، ولم يفعله بعد؟!
{ ولكم في المخلوعين مثال:
يضرب الله الأمثال للناس للعبرة والدروس، ويخسف الله بالأنظمة الظالمة والعادلة الطاغية والمستبدة المستمدة وجودها من الشعوب والمستمدة وجودها بفوهات البنادق ومجنزرات الدبابات. وللأنظمة العربية والأفريقية أمثلة في سقوط العروش وتداعي السلطات المطلقة والأصنام التي تعبد بين غمضة عين وانتباهتها، سقطت عروش “حسني مبارك” وغرق “القذافي” في دمه وسط الحفر ومياه المجاري، و(فهم) “بن علي” ما يحدث في تونس بعد غروب شمس نظامه، فخرج من بلاد الزيتون والتين كما يخرج الماء من ينابيع الحجارة، وانتهى حكم (الشاويش) “علي عبد الله صالح” بصفقة بين القوى الاجتماعية بالداخل ومشيخات دول مجلس التعاون الخليجي، وبات مصير “بشار الأسد” في سوريا معلوماً بالضرورة ونهايته الحتمية أن يموت في شوارع دمشق، كما تموت الشاه أو يذهب لغياهب السجون، ويمنح رقماً مثل سائر السجناء في بلاد أضحت سجناً كبيراً لأهلها وثوار سوريا يطرقون أبواب المدن، وطائرات “الأسد” تحصد أرواح الشعب مثل حصاد الجراد الصحراوي بالطائرات، وقبر “خالد بن الوليد” في أطراف حمص يرتجف غضباً لما يحدث في أرض الأمويين. وفي السودان يدرك الرئيس “عمر البشير” بعين بصيرة وذهن مفتوح إن سنوات حكمه التي ستنقص فقط ثلاث سنوات عن جملة سنوات الرسول (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء الراشدين الأربعة من بعده، ألا تكفي هذه السنوات لرجل من حقه علينا أن نجعله رمزاً قومياً وقيادة متفق عليها، ولكن حينما يسعى البعض لحمله على البقاء في السلطة (مكنكشاً) لدورة جديدة تحت ذريعة إن البلاد في خطر وأمنها في وجوده ووحدتها في بقائه حاكماً، وترجله عن السلطة يفتح باب الفتنة والصراع وتموت الناس في الشوارع، ذلك هو النصح الخاطئ بعينه ومن يؤثرون مصالحاً خاصة عليهم النظر بعين الرأفة لمصلحة الرئيس قبل مصالحهم، التي قد يجدون لها منفذاً في من يأتي خليفة من بعد “البشير” ومن أجل الخلافة اجتمع المهاجرون والأنصار في سقيفة بني ساعده لبحث مسألة من يخلف الرسول (صلى الله عليه وسلم) قبل أن ينتقل للرفيق الأعلى راضياً مرضياً، ونهض أبو بكر وقال: (نحن قريش والأئمة منا)، واحتدم النقاش بين فريقين، واستطرد رضوان الله تعالى عليهم قائلاً، (ولن تعرف العرب الأمر إلا لهذا الحي من قريش)، وقد قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) هذا الشأن بعدي في قريش، ثم التفت لأحد زعماء الأنصار وهو يشير اللهم نعم!! وعندما سمع “عمر بن الخطاب” (رضي الله عنه) بوفاة الرسول بادر بمبايعة رجل من قريش هو “أبو عبيدة بن الجراح” وسيدنا “عمر بن الخطاب” حينما طعنه المجوسي (أبو لؤلؤة) لعنة الله عليه قال برأيه جهراً في خليفته، ولا أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء الرهط الذين توفى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عنهم راضياً فسمي علياً وعثمان وطلحة وسعد وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام، وقال يشهدكم (عبد الله بن عمر) وليس له في الأمر شيء أي أخرجه من السياق على الخلافة حتى لا يؤسس الخليفة العادل لمبدأ الحكم المثوارت والملك العضوض، فقال (يا با طلحة إن الله عز وجل طالما أعز الإسلام بكم فأختر خمسين رجلاً من الأنصار، فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلاً منهم) وخرج صهيب من المنافسة باختياره إماماً للصلاة بالناس لمدة ثلاثة أيام وهي ما عرفت بالإمامة الصغرى، ذلك ما كان في عهد النبوة والخلفاء الراشدين من بعده. فكيف يستكثر على الصحافة في العصر الحديث حيث تسود قيم المجتمعات المدنية من تداول للسلطة سلمياً، يستكثرون على بعض من أنصار الحركة الإسلامية التفكير بصوت جهير في خلافة البشير، فإذا كان الصحابة رضوان الله عليهم اجتمعوا في السقيفة وتحدثوا جهراً عن مستقبل دولتهم ورسالة الإسلام، فكيف لا تجهر قيادات الحركة الإسلامية ورموزها بالرأي من هو خليفة البشير؟ وتنهض الأصوات المستفيدة والأصوات المحتمل أن تستفيد من تدجين السلطة وإرساء قواعد دولة كرتونية ستنهار على رؤوس الجميع إن هم تمسكوا بالسلطة دون تغيير حتى تعصف بهم العواصف، وحينها لا منجاة لأحد من الغرق في لجة بحر لا ساحل له، من لا يقرأ العبر من دروس التاريخ ولا يتأمل الأحداث من حوله، ولا يعترف بحتمية التغير، هؤلاء يسعون لإيقاف عقارب الساعة و(تخويف) من يفكر بصوت جهير بشبح المؤامرة، مع إن المؤامرة الحقيقية على الرئيس “عمر البشير” والحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني تبدأ بإرساء نظام الملك العضوض، وتأليه البشير وإسكات أصوات التغيير بالترهيب والتخوين.
{ من أحق من “علي عثمان”؟!
تبدت صورة “علي عثمان محمد طه” في المخيلة، ذلك السياسي نظيف الثياب واليدين، طاهر اللسان عن كل فاحش قول وجارح كلم، وكأن (عثمان) ذلك الشاعر اليساري النظيف والشيوعي الذي لم يقتل ولم يسرق ولم يكنز مالاً من مكة ومدينة الشيوعيين الكرملين. مات الشاعر “جيلي عبد الرحمن” وكلماته ترن في الأذن:
أنا ها هنا في عودتي الظمأى
على غبش النهار
بيتي سرير فارغ قنديله زيت يضاء
عريان ها أنا ذا سيف يبطش ولا حراب
لا شيء في داري سوى قلب وقافية
كتاب
حمى النهار وحلم معتوهين في الأرض
الخراب
ماتوا وعشنا عبر أسوار النهار نجتر
أوهاماً بلا جدوى سقطنا في الدمار
وأنا أعود كفارس يجتاز عتمات المضيق
لا كسرة في الدار ولا قلب يحن ولا صديق
و”علي عثمان” هو الأمين العام للحركة الشعبية الإسلامية بعد تنحي “الترابي” أو إبعاده من تنظيم صنعه في ليالي أساه الطويلة ومعه آخرون منهم “علي عثمان” الذي ترقى لمنصب خليفة أمين الحركة الإسلامية حينما كانت البلاد تحت ضوء القمر وديمقراطية حرة ولا تعرف التنظيمات (الاستكمال) الذي يمثل أبشع سلوك الدكتاتورية والوصاية، فاختار الإسلاميون “علي عثمان” لينوب عن “الترابي”، واختاره “الترابي” و”البشير” لينوب عن رئيس الجمهورية، فهل وجود “علي عثمان” في منصب النائب الأول (ديدبانة) فقط أم وجود حقيقي وهو الاحتياطي الأول لسد الثغرة إذا ما أخذ الله البشير بالموت أو الهرم أو أسباب أخرى للتنحي، ومن بينها إذا أمضى (27) عاماً في السلطة وهي فترة أمضاها أربعة من الخلفاء الراشدين (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي)، وخمس سنوات من عمر الرسول (صلى الله عليه وسلم). وأين (الغرابة) وما الدهشة والخبر حينما يترجل “البشير” من السلطة وتؤول الخلافة للنائب الأول (“علي عثمان محمد طه” والذي لم يعرف عنه الشعب السوداني (خيانة) لمبدأ ولا سرقة مال ضعيف ولا نهب حقوق جوعى ومرضى، ولم تكتشف فيه ضعف أمام نساء جميلات ولا تحيزات لقبيلة أو جهة، وفي صحائف الرجل الكثير من نقاط القوة وقليل من الضعف.
نفى حزب (المؤتمر الوطني) أن تكون قضية الخلافة قد تم تداولها في أجهزته ومؤتمراته، وتلك حقيقة لا تنتطح حولها (عنزتان)، ولكن كم هي القضايا التي لم تحظِ بمجرد المناقشة في أجهزة الحزب أو الحركة الإسلامية ومضت إلى الواقع السياسي والاجتماعي، وأكبر حدث شهدته البلاد في المائة عام الماضية هو انقسام جنوب السودان، فهل تمت مناقشة أسبابه وظلاله على ما تبقى من السودان؟
وتقرير الصحافي الأستاذ “النور أحمد النور” المنشور في صحيفة (الحياة اللندنية) ثمة شواهد ظرفية تعزز مصداقية التقرير كواقع حال في ساحة الإسلاميين وليس تقريراً مسنوداً (لقال وقلنا)، وكان بمقدور “النور أحمد النور” إسناد الخبر لمصادر في لندن، ولكنه لم يفعل لمصداقية النبأ، و”النور أحمد النور” من صلب التيار الإسلامي ومفاصله، وكل مجالس أنس الإسلاميين ومنتدياتهم المعلنة والاجتماعية تتحدث عن تيار غالب سيطرح رؤيته في المؤتمر العام المقبل ويدعو للتجديد وتحقيق رغبة الرئيس في التنحي، والحال كذلك لن (يختلف) اثنان في أحقية أمين الحركة الإسلامية ورجل الدولة الثاني وأكثر القيادات الإسلامية في الساحة تأهيلاً من حيث القدرات والخبرات وملكات الخطابة ثم القبول في الشارع العام وحتى وسط القوى السياسية المعارضة التي تنظر لـ”علي عثمان” بعين التقدير والاحترام، للرجل مواضع ضعف وثغرات ولكن مصادر قوته تؤهله طبيعياً لتقد المنصب، ومن يثيرون الغبار في وسط البحر، بأن قضية الخلافة لم يحنِ بعد موعد الحديث عنها، هؤلاء يغردون خارج سياق التاريخ الطبيعي. وقد ابتدرت صحيفة (المجهر) منذ صدورها قبل نصف عام من الآن الحديث عن خلافة البشير، بدأ الحديث عن “علي عثمان” ثم “نافع علي نافع”، ومن العسكريين “عبد الرحيم محمد حسين” و”بكري حسن صالح” واللواء “كمال عبد المعروف”، ومن تيار الشبان رشحنا “أسامة عبد الله محمد الحسن” و”د. مصطفى عثمان إسماعيل”، صحيح إن تلك الحلقات أثارت سخط قيادات وتم تفسيرها وفق مناهج البوليس في التحري عن البعض، لكن التيار الغالب في أوساط الإسلاميين اعتبرها صحية في زمن الصمت ومبادرة لصحيفة ولدت لتسهم في التغيير والتجديد، لا التبشير وعرض ما هو متاح من أخبار فقط، والساحة السياسية التي ضربها الجفاف والتصحر وجفت ينابيع مياهها منذ سنوات، وانتهت الحركة النقابية وماتت نقابة المحامين وما عاد لها بريق وصوت في الساحة السياسية، ولا يتذكر الناس الآن من هو نقيب المحامين، وفقدت نقابة الأطباء دورها السياسي في ترقية المهنة حتى سطا على الساحة الطبية ما يسمى بنقابة الظل ممثلة في نواب الاختصاصيين. ولا يذكر أحد الآن من هو نقيب البياطرة والمهندسين وحتى نقابة الصحافيين التي يتشرف كاتب المقال بعضوية المكتب التنفيذي، لا ذكر لها دوراً في الساحة السياسية، بل أنصب جهدها ومبلغ علمها في توزيع أراضي الإسكان للصحافيين، ولكن نقابة الصحافيين كأداة تنوير معرفي وقيادة رأي عام لا وجود لها مثل سائر النقابات والاتحادات المهنية، وحتى الأحزاب السياسية تعاني مرض فقر الدم، لا تقدم الأحزاب قيادة جديدة ولا نشاطاً في دور الأحزاب والتي أصبحت ملتقى للذكريات والاجتماعات التي لا تثير حتى اهتمام رجل الشارع العام. فكيف تخرس الصحافة وتتوارى خوفاً أو طمعاً عن الجهر برأي عام حول خلافة الرئيس، وكما ذكرنا في صدر المقال، كيف اجتمع الصحابة قبل وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، و(تدارسوا) أمر خليفة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ولم تخرج فئة من الصحابة وترفع في وجوههم السيوف بدعوى درء الفتنة!
{ السودان وامتحان الوجود
انفصال الجنوب وذهابه لسبيله دولة مستقلة وعودة العلاقة دافئة بين (جوبا) و(الخرطوم) لا ينبغي أن يصرف قيادة الدولة والحزب للنظر بجدية لمآلات الصراع الحالي في دارفور والأزمة التي تفاقمت في جبال النوبة والنيل الأزرق والعلاقة مع العالم الخارجي التي تمر بحالات مد وجذر، وكلما اقترب السودان من تسوية ملفاته مع الغرب، عاد للمربع الأول والسيد “علي عثمان محمد طه” بما يملكه من قدرات وثقة العالم الغربي والعربي والإسلامي فيه، يجعله دون منازع رجل المرحلة المقبلة! إلا إذا كان معيار الكفاءة ومصلحة البلاد لا ينظر إليها كأولوية، وحتى (الثقة) التي يتحدث عنها بعض الناس ويميلون إلى المؤسسة العسكرية، ويتحدثون عن (خليفة) للبشير ببزة عسكرية، فإن “طه” اختبره الرئيس ولم يجد عنده إلا الثقة والكفاءة والطاعة والاحترام، والسودان الذي يلفت الحركة الإسلامية السلطة فيه عبر انقلاب عسكري في 1989م، آن له أن يحكم بقيادات الحركة الإسلامية من المدنيين، والمشير “البشير” خرج من صلب الحركة الإسلامية ولكنه ليس قائداً للتنظيم. وفي مناخ ما بعد الثورات العربية ونمو التيار الإسلامي في المغرب العربي ومصر وآسيا، كيف لا يرتقي لمقام الرئاسة رجل الحركة الإسلامية الأول، وقد ينتخب المؤتمر العام في نوفمبر المقبل أميناً عاماً للحركة الإسلامية غير “علي عثمان”، ولكن هل يمثل الأمين العام المنتخب سواء أكان “إبراهيم أحمد عمر” أو “أحمد إبراهيم الطاهر” أو “د. غازي صلاح الدين” زعيماً للإسلاميين في وجود “علي عثمان”؟ نواصل.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية