تقارير

سطوة (الدينكا) السياسية والقبلية في جنوب السودان

الثروة والمال أكبر مصادر القوة

السلطان “منوط”: قبيلة (الدينكا) لها خلافات مع القبائل الأخرى في بحر الغزال
“قاروج لام فول”: هيمنة (الدينكا) على الحركة تسببت في انهيار الدولة الحالية بعد رحيل “قرنق”
الخرطوم – فائز عبد الله
على مر العصور كانت إثنية (الدينكا) صاحبة سطوة قبلية وأكسبها نفوذها الاقتصادي هذه الميزة، فهي تمتلك ثروات كبيرة من الأبقار. ورغم أن قيادات الاستوائيين سبقوا قبيلة (الدينكا) بالخروج على الدولة وتأسيس الـ(أنانيا1) وكانت لهم صولات سياسية منذ الاستقلال، إلا أن (الدينكا) استطاعوا ومن خلال تمددهم أن يخطفوا الأضواء السياسية وتكون لهم مكانة طاغية في التشكيلات السياسية والعسكرية.
(الدينكا) يمثلون أكبر قبيلة في جنوب السودان وتحكمهم تقاليد وعادات راسخة في إدارة الحكم الأعلى، وينتشرون في كل ولايات الجنوب، فهم يعدّون ثاني أكبر قبيلة في أفريقيا.
تنتشر إثنية (الدينكا) بولايات بحر الغزال الكبرى وولاية أعالي النيل وبور وجونقلي ورومبيك.. خلافات قبيلة (الدينكا) مع القبائل الأخرى- حسب قول قيادات سياسية- قديمة منذ قرون في ولاية بحر الغزال والاستوائية ومنطقة بور والي النيل والوحدة.
استطاعت إثنية (الدينكا) من خلال انفتاحها تحقيق وعي لدى الكثير من أبنائها، وكان لذلك الفضل في أن يتعلموا بصورة كبيرة، فقاد ذلك إلى تغلغل القيادات القبلية داخل المنظومة السياسية والعسكرية وبالتالي وجد (الدينكا) ضالتهم من خلال هذا الانتشار الكثيف.
ويحمد للراحل دكتور “جون قرنق”، وهو مؤسس الحركة الشعبية، أنه ظل حريصاً على خلق توازن قبلي داخل المنظومتين السياسية والعسكرية وكانت هيئة قيادة الحركة الشعبية مكونة من (د. جون قرنق نفسه ونائباه سلفاكير ميارديت ورياك مشار من إثنية النوير وجيمس واني إيقا من قبيلة الباريا أم القبائل الاستوائية).
{ إثنية عرقية متنوعة تمارس الرعي
يقول السلطان “منوط أتينق” إن هيمنة قبيلة (الدينكا) قديمة منذ فترة السلاطين والعمد وكانت هناك قيادات أهلية من قبيلة (الدينكا) تقود القبائل الأخرى، وأضاف إن الموطن الأصلي الذي تنتشر فيه قبيلة (الدينكا) مناطق بحر الغزال وولاية جونقلي وولاية الوحدة وولاية أعالي ومنطقة أبيي المتنازع عليها بدولة جنوب السودان، وأوضح أن قبيلة (الدينكا) تعدّ مجموعة عرقية تمارس الرعي والزراعة ولها خلافات مع القبائل الأخرى في ولاية بحر الغزال قديمة، وأنهم يعتمدون على رعي قطعان الماشية بالمراعي القريبة للأنهار خلال موسم الجفاف، وأشار إلى أنهم في موسم الأمطار يزرعون محصول الدخن وأنواع مختلفة من الحبوب، كاشفاً عن أن التعداد السكاني للرعاة بينهم يبلغ أكثر من (1.5) مليون نسمة.
ويؤكد “أتينق” أنهم أكبر مجموعة عرقية في جنوب السودان، وتنحدر قبيلة (الدينكا) من فروع الشعوب النيلية وتتحدث باللغات النيلية وهم من أكثر الأفارقة سمرة وطولاً، ولا يملك (الدينكا) سلطة تنفيذية مركزية وأسسوا نظماً عشائرية مستقلة، ومترابطة في الوقت ذاته وعلى رأس كل قبيلة قائد أو سلطان يسمى (بنج) أو (علام طيط). وتسمى لغتهم بـ(الدينكاوية) أو (طونق جانق) “بإدغام النون والقاف” ومعناها (الناس) أو(القوم).
ويقول القيادي بالحكومة والرئيس السابق لمنظمة السلام في الجنوب “جون مايكل موال” أن قبيلة (الدينكا) تتفرع في اللغة واللهجة بين اللغة النيلية والصحراوية وتكتب بالأبجدية اللاتينية، وأضاف إنهم يتجزأون إلى مجموعات كثيرة منهم مجموعة (فدانق) وتشمل جميع مجموعات (الدينكا) الذين يستوطنون شرق النيل بالإضافة لأبيي ومجموعة ابيمنم وفاريانق (ريك) تشمل مجموعة فاريانق ملوال وأقواك وافوك وأوان (أقار) ورومبيك و يورول شوايبيت.
{ أساطير وطقوس (الدينكا)
(الدينكا) كأكبر إثنية بجنوب السودان لديها معتقدات دينية وطقوس خاصة في الزواج والطلاق، وتشتغل بالزراعة ورعي الماشية، ومنها انحدرت قيادات جنوب السودان وبينهم “دينق مجوك” و”أبيل ألير” و”جون قرنق” و”سلفاكير ميارديت”.
وتقول أسطورة قبيلة (الدينكا) إنها المقصودة بـ(الشعب الأسود) الذي أشار إليه الكتاب المقدس (الإنجيل)، ووفقاً لأساطيرهم فإنهم الشعب الأول في أفريقيا.
ويرى المحلل السياسي الجنوبي بجامعة جوبا، الذي فضل حجب اسمه، أن صراع المعتقدات الأفريقية صار يؤثر بصورة مباشرة في الحياة السياسية بين قبيلة (الدينكا) والقبائل الأخرى في دولة الجنوب، وأدى إلى انتشار الهيمنة القبلية للقيادات السياسية في دولة الجنوب، وهناك قبائل أصبحت تواجه الكثير من الاستهداف السياسي من قبيلة (الدينكا)، وقال إن هذا الصراع أفرز الكثير من الحقد السياسي القبلي بسبب مزاعم قبيلة (الدينكا). وأضاف إن الدولة الآن تشهد انتشاراً قبلياً في كثير من المكونات السياسية بسبب السياسات والسلطة.
{ عادات وتقاليد
ويرى القيادي الاستوائي “قاروج لام فول” إن هيمنة (الدينكا) كانت سبباً في انهيار الدولة الحالية بعد وفاة “جون قرنق” والقيادات السياسية أخذت طريقاً منفصلاً للبحث عن الاستمرار في السلطة وحماية القبيلة، وأضاف إن الهيمنة متوارثة عند قبيلة (الدينكا) منذ الإدارة الأهلية والسلاطين بحجة أنهم يمتلكون ثقافة قديمة. وقال إن من ثقافتهم عمل ثقوب أو شقوق في الجلد، لتمييزهم عن القبائل الأخرى. وأشار “فول” إلى أنها موروثات من الأجداد والآباء، حيث ترمز إلى انتماء الفرد إلى (الدينكا)، وقال إن جميع القبائل لها أشكال ورسوم.
وقال “أكينج فدينق” من أبناء منطقة بور بالخرطوم إن جميع (الدينكا) لهم شلوخ تميزهم عن غيرهم من بقية القبائل، وأضاف إن عادة (التشليخ) قديمة وترسم على جانبي الوجه وفقاً للمعايير الاجتماعية السائدة عند قبائل جنوب السودان، موضحاً أن هذه (الشلوخ) علاج لبعض الأمراض مثل الصداع وأمراض العيون، وأصبحت ثقافة ترسخت في الأذهان، وارتبطت بالجمال والشجاعة عند الرجال، إلى أن تغير مفهومها الجمالي إلى العكس، حيث صارت عبارة عن تشوهات للوجه.
والآن، الأجيال الحالية لأبناء قبيلة (الدينكا) ترفض هذه العادة وأصبحت في طريقها إلى الاندثار بسبب انتشار الوعي الصحي بمخاطر وأضرار التشليخ وزيادة نسبة التعليم، وتغلغل القيم الحضرية لأبناء (الدينكا) حتى أصدرت قيادات (الدينكا) قانوناً يحظر هذه العادة، خاصة لدى الأطفال.
وكانت قبائل عدة في جنوب السودان مثل: قبائل (الدينكا، والنوير، والمندري، والزند، واللوتوهو)، وقبائل كثيرة أخرى، تمارس طقوساً تقليدية مختلفة تتعلق بالتكريس والانتقال من مرحلة عمرية إلى أخرى، من ضمنها ممارسة (التشليخ)، وتعامل الاستعمار معها بوصفها علامة على الهوية.
ويتم رسم (الشلوخ) عندما يبلغ الفتى أو الفتاة سن البلوغ حيث تقام طقوس احتفالية للتكريس، بعدها يعدّ الخاضعون لتلك العملية القاسية التي تستخدم فيها آلات حادة (كالموس، والسكين)، قد انتقلوا من طور الطفولة إلى مرحلة الرجولة، وتكون البنت قد أصبحت فتاة مؤهلة للزواج وإنجاب أبناء، ويخضع لعملية (التشليخ) مواليد الشهر الواحد، في السنة الواحدة، ويطلق عليهم في اللغات المحلية مصطلح (الدفعة).
{ السياسة والهيمنة داخل الحركة الشعبية
يؤكد الأمين العام للحركة الشعبية بالمعارضة “بيتر ربنقو تنقو” أن الهيمنة القبلية على الحركة الشعبية بالمعارضة الجنوبية كانت منذ تكوين حركة (أنانيا2) بقيادة الرحل الدكتور “جون قرنق دي مبيور” ورفيقه “كاربينو كوانين” ولم تشهد الحركة الشعبية انقساماً إلا بعد أن تولى الرئيس “سلفا كير” رئاستها وعمل على نشر القبلية وإقصاء قيادات الحركة من القبائل الأخرى التى ناضلت وقادت إلى الانفصال، وقال إن “سلفا كير” أقصى قيادات الحركة المؤسسين واستقل سلطته في تدمير الحركة الشعبية بعد أن كانت تمتلك قوتها ومؤسساتها.
وأشار إلى أن الحركة الشعبية كانت تمثل مؤسسة الدولة وفق الأسس والقواعد التي كانت منذ سنوات النضال، مضيفاً إن هيمنة قبيلة (الدينكا) على دستور الحركة وإقصاء القيادات أحدث الكثير من الأزمات والخلافات بين القيادات وخرجت الكثير من القيادات، مضيفاً إن الخلافات التي حدثت داخل الحركة الشعبية هي بسبب “سلفا كير” وشخصيته السلطوية لاحتكار السلطة لقبيلة (الدينكا).
{ القيادات السياسية لقبيلة (الدينكا)
أبرز القيادات السياسية من قبيلة (الدينكا) السلطان “دينق مجوك” و”أبيل ألير” والراحل “جون قرنق”، و”كاربينو كوانين”، انتهاء بـ”سلفا كير”.
وقال مصدر بجبهة الخلاص الوطني، فضل حجب اسمه، إنه وبعد رحيل زعيم الحركة الشعبية مؤسس الـ(أنانيا 2) “جون قرنق دي مبيور” عقدت الحركة الشعبية مؤتمراً وأعلنت تنصيب الرئيس الحالي “سلفا كير ميارديت” رئيساً لدولة الجنوب بتأييد مجلس أعيان (قبيلة الدينكا)، وقال إن قبيلة (الدينكا) تعدّ أكبر قبائل جنوب السودان، وأشار إلى أن الجنرال “كاربينو كوانين” الذي يعرف بأنه الرجل الذي أطلق أول طلقة في الحرب الأهلية في جنوب السودان عام 1983 بدأ الهيمنة على الحركة الشعبية (أناينا2) منذ نشأتها وتأسيسها مع الرحل “جون قرنق”، وجناحها العسكري بالجيش الشعبي.
{ التجربة السياسية والعسكرية
وقال المصدر إن الجنرال “كوانين” يعرف بتغيير مواقفه السياسية باستمرار، وحياته السياسية والعسكرية ظلت مضطربة حتى قتل في ولاية بحر الغزال نهاية التسعينيات، وأوضح أن أول تمرد عام 1983 قاده “كوانين” مع الرحل “جون قرنق” (أنانيا2)، ثم انشق عنه عام 1992 وأسس مجموعة بحر الغزال، وانضم إلى “رياك مشار” (من قبيلة النوير) في ما عرف بمجموعة الناصر، ودخلوا في تفاوض مع حكومة الخرطوم نتج عنه التوقيع على اتفاقية الخرطوم للسلام 1997، وقال: (بعد توقع اتفاقية أديس أبابا، وتحديداً مع بداية التوتر بين الجنوبيين وحكومة الخرطوم، كلف كوانين بالتوجه نحو الشمال في مايو 1983، فرفض هو وكتيبته التي كانت كلها من الجنوبيين تنفيذ الأوامر، ودخلوا الغابة وأعلن التمرد)، كاشفاً عن أن “كوانين” قام باختلاس مبالغ مالية ضخمة من حكومة “نميري” وتمكن من الهرب بها إلى الغابة.. وقد قُتل في سبتمبر 1999، وتبادلت عدة أطراف جنوبية الاتهامات بقتله.
وقالت مصادر مطلعة لـ(المجهر) إن “سانتينو دينق” و”كلمون ماجوك” و”وليام دينق” والجنرال “كوانين” هم أول القيادات التي دعت إلى الانفصال كمقترح لحل قضية الحرب، وأضافت المصادر إن الحركة الشعبية منذ تأسيسها كانت تقوم على سياسات الهيمنة القبلية لقبيلة (الدينكا) خاصة المناصب القيادية، وأشارت إلى أن الوضع الحالي في دولة الجنوب يؤكد ذلك وأكثر من (22) عاماً من تاريخ الحركة الشعبية (أنانيا2).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية