أنصاف تيار
سواء انعقد المكتب القيادي للمؤتمر الوطني، يوم غدٍ (الأربعاء)، لإجازة التعديل الوزاري الذي يقدمه إليه رئيس الحزب المشير “البشير” أو لم ينعقد.. ومرر التعديل بين الأعضاء، وإذا صدقت التوقعات والنبوءات والترشيحات بعودة الدكتور “الدرديري محمد أحمد”، لدائرة الفعل المباشر واختياره وزيراً للخارجية خلفاً لطبيب الأسنان “إبراهيم غندور” فإن عودة “الدرديري” لها أبعادها وتتجاوز مسألة التوظيف لواحد من قيادات الحزب الحاكم والحركة الإسلامية إلى ما هو أعمق من ذلك بكثير.
فالدكتور “الدرديري محمد أحمد” لا يمثل نفسه ولا يمثل كتلة اجتماعية لها مالها من مجاهدات وتضحيات وبذل وعطاء في سنوات خلت ولا تزال حاضرة في المشهد، يوم البحث عن أهل العزائم وانصراف عهد الغنائم.. ولكن “الدرديري” يمثل رمزية لجيل في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني صنع أعظم اتفاقية سلام في هذا البلد وتسوية تاريخية ونهاية لنزاع كان يمكن أن تصبح مثالاً في القارة الأفريقية ونموذجاً عالمياً يحتذى به في كيفية تسوية وتفكيك الصراعات السياسية والأيدولوجية والإثنية والعرقية.. لولا المؤامرة التي تعرضت لها اتفاقية نيفاشا من الداخل والخارج وتبرأ البعض منها.. وتقديم صناعها للرأي العام في ثياب وصورة الخائنين وما هم بذلك أيها الظالمون!!
صنع الدرديري مع رفاقه في ليل نيفاشا الطويل ونهاراتها الموحشة الحدث، وتم التوصل لاتفاق السلام الذي أنهى الحرب بفضل الرؤية الثاقبة والتدبر والتأمل في المستقبل في ظل استمرار الحرب وفي ظل وقوفها!! وكان قرار قيادة الدولة والحزب أن يقبل السودان حكومة على التسوية السلمية.. وبرزت مواهب وقدرات فريق التفاوض السياسي “علي عثمان محمد طه”.. وتيار الوعي.. وأهل النظر.. “إدريس محمد عبد القادر”.. و”يحيى حسين” و”الفاتح علي صديق”.. ود.”أمين حسن عمر”.. و”سيد الخطيب”.. وآخرين جلسوا الآن في الرصيف يراقبون تأرجح السفينة ما بين الشاطئ وعمق البحر.. وقد تم إقصاء هذا التيار بكامله من واجهة التنظيم.. ومن حكومته.. في ظل السياق المحموم بحثاً عن كراسي السُلطة.. وقد فقدت الدولة بابتعاد هذه المجموعة المستنيرة من أهل الفعل عقلها.. وبات أهل الفعل حاضرين في المشهد.. وغرقت الحكومة والبلاد في الأزمات الحالية كنتاج طبيعي وثمرة مرة لغياب من يقول لا.. واقترح.. وهذا صحيح وذاك خطأ.. وجلس على كراسي السُلطة أهل الطاعة العمياء الذين يجيدون المدح (ويرددون كل شيء تمام يا سعادتك) وقد اكتشف الرئيس حاجة الدولة والحكومة لأهل النظر والحلول، وجاء بالفريق “صلاح قوش” واحتفظ بـ”عوض الجاز” و”عوض بن عوف” وإذا عين السفير “الدرديري” في منصب وزير الخارجية، لن تتبدل علاقاتنا الخارجية بين عشية وضحاها إلى الأفضل، ولكن في تعيينه إشارة مهمة جداً للاستفادة من الخبرات مثلما فعل الرئيس بتعيين “قوش”، والرئيس ينبغي أن يكون نجاح حكومته وقدرتها على التصدي للمشكلات اليومية والتسويات مع الفرقاء السودانيين همه وأولوياته بعد أن خسرت الدولة الكثير جداً بتغيب (عقلها) ومحاربة نفسها.. وإقصاء أبنائها حتى بات “إدريس محمد عبد القادر” مزارعاً للبصل في كسلا، و”سيد الخطيب” يتأمل في كتاب العقد الاجتماعي لـ”روسو” الفيلسوف المولود في جنيف وذو الأصول الفرنسية الخالصة و”الفاتح صديق” ظل ممانعاً ورافضاً تعيينه وزيراً وهو يعلم عسر مشقة المسير بلا رفيق درب مثل “الدرديري”.. ووحشة مجلس الوزراء في غياب أهل الرأي والفكر والتدبر حتى كادت البلاد أن تغرق في طلمبات الوقود..!! الفارغة من الجازولين.