الفريضة الغائبة
منذ أن خيمت على بلادنا الأزمة الاقتصادية الحالية وارتفعت أسعار السلع بصورة جنونية.. وتدني الإنتاج وشحت المواد البترولية حتى عادت صفوف البحث عن جالون البنزين.. وتوقفت يوم أمس (الأحد) أغلب المركبات العامة في النقل العام.. وتكدست الحشود البشرية في الطرقات تبحلق في الشارع بحثاً عن وسيلة نقل تعيد الموظفين إلى (بيوتهم) اختارت الحكومة الصمت المريب والتعامي عن الأزمة وإنكارها من قبل بعض (المكابرين) أمثال وزير البترول والغاز، الذي لم يجد غير المخاشنة مع الصحافيين رغم محاولات نقيب الصحافيين إنقاذ الموقف.
في مناخ الأزمة الحالية لن يجدي الصمت والهروب أو حتى المعالجات الأمنية سواء (لضبط) سوق المواد البترولية أو الاستعداد لقمع أية احتجاجات ناجمة عن الأوضاع الحالية.. وفي غياب خطاب حكومي عقلاني وواقعي.. يشرح أسباب الأزمة وطرق حلها.. والشعب السوداني الصابر على المحن لا يزال ينتظر من الإنقاذ إنقاذه.. ولم يفقد الأمل بعد في حكم الرئيس “عمر البشير”.. بل الولايات السودانية والقطاعات الحية في المجتمع مثل الشباب والمرأة قالت كلمتها ورشحت الرئيس رغم المحن التي حاقت بالشعب لدورة رئاسية قادمة.. ورفضت أن يتنحى الرئيس في مثل هذه الظروف الصعبة.. والشعب الصابر يستحق أن تخرج إليه الحكومة عن صمتها.. وتخاطبه وجهاً لوجه بحقيقة أسباب الشظف الحالي.. ودواعي القرارات التي جففت السيولة من المصارف والأسواق.
وحصاد السياسات الحالية بعد شهور أو سنوات من الآن. ولن يستمع الشعب في مثل هذه الظروف الضاغطة إلا للرئيس “عمر البشير” الذي يملك شجاعة المواجهة والقدرة على التعبير عن الأزمة ببساطة وعمق وتجد كلمات الرئيس ملايين الآذان المفتوحة.. بينما فقد الشعب ثقته في بعض وزراء الحكومة من أمثال وزير البترول ووزير المالية الذي تعيش في عالم آخر غير عالمنا.. لا يشعر بآلامنا ولا أوجاعنا.. ويستنكف مجرد الحديث لنا.. نحن الشعب الذي يمنح صوته ومشروعية الحكم، ولكن مثل هؤلاء الوزراء لا يقيمون وزناً لصوت الشعب.. في (غمة) أحداث سبتمبر التي كادت أن تعصف بالإنقاذ لولا حنكة المؤسسة العسكرية تحدث الرئيس “عمر البشير” حينذاك للشعب مباشرة.. في خطاب بثته وسائل الإعلام كافة.. وكان خطاباً مقنعاً بتشريحه الدقيق البسيط لأسباب رفع الدعم جزئياً عن الجازولين في ذلك الوقت، وبعد حديث الرئيس توقفت الاحتجاجات والتظاهرات.. وعادت الحياة إلى طبيعتها بعد أن لعبت الأقوال الأفعال الحكومية دوراً في تحريض الناس من لدن (حديث الكِسرَة) لوزير المالية “علي محمود” إلى تهديد “الحاج آدم يوسف” ما أشبه الليلة البارحة.. وما أحوج الخرطوم إلى ظهور الرئيس “البشير” في المسرح ومخاطبة المواطنين مباشرة.. وشرح أسباب الأزمة وهو القادر على الإفصاح والإبانة.
ترك الأمور تمضي بلا خطاب سياسي.. يعد بمثابة السر على حافة الهاوية.. والهروب من مواجهة الشعب بالحقيقة بعد مساهمة سالبة في زيادة حجم الاحتقان في الشارع الذي بات في حيرة من أمره.