البيان البائس
البيان البائس لوزارة المالية وبنك السودان أمام المجلس الوطني يوم (الثلاثاء) الماضي أسقطه النواب ورفضوا إجازته وتمريره وتمت إحالة البيان إلى لجنة الشؤون الاقتصادية التي يرأسها وزير المالية الأسبق “علي محمود عبد الرسول”.. وشن نواب البرلمان لأول مرة هجوماً على السياسات الاقتصادية التي يتبعها الجهاز التنفيذي لمعالجة الأوضاع المزرية في البلاد منذ يناير الماضي وحتى الآن.. ووقف نواب المؤتمر الوطني والنواب المستقلين الذين يشكلون نواة لمعارضة برلمانية خشنة في منصة واحدة من البيان.. ولم يشذ عنهم حتى نواب الأحزاب الحليفة للمؤتمر الوطني الذين يجلسون في مقاعد البرلمان بمنحة مجانية مدفوعة التكاليف من المؤتمر الوطني الذي (أخلى) لهم الدوائر الجغرافية.. وأرغم قواعده على التصويت لحلفائه، وهؤلاء ظلوا على الدوام يردون للمؤتمر الوطني الدين مضاعفاً ويساندون بيانات الوزراء.. وترتفع أكفهم بالتصفيق.. وتحدث المهندس “عبد الله مسار” رئيس لجنة الصناعة منتقداً أداء الفريق الاقتصادي الحكومي بنبرة حادة جداً.. ولم يتبق في صف مساندة الفريق الاقتصادي إلا الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة د.”أحمد بلال عثمان”.
وبؤس البيان الذي قدمه د.”عبد الرحمن ضرار” وزير الدولة ود.”حازم عبد القادر” محافظ البنك المركزي يتمثل في خلوه من أية وصفة اقتصادية لمعالجة الأوضاع الراهنة وانكفاء البيان حول المعالجات المؤقتة.. والتدابير الإجرائية.. ومحاولة التقليل من حجم الأزمة الاقتصادية، وأسوأ ما في حديث المحافظ “حازم عبد القادر” أنه اعترف بإحجام المواطنين عن إيداع أموالهم في المصارف.. وجرف الشائعات العميق جعل كل من له حساب يقدم أورقاً لسحب أمواله خوفاً عليها من المصارف التي يقول “حازم عبد القادر” إنها وحدها اتخذت قرارات بالحد من صرف السيولة لزبائنها ولم يصدر قرار من البنك المركزي بتحديد سقوفات السحب من الأرصدة.
فإذا كانت المصارف تفعل كل ذلك بأموال المودعين ولا يجرؤ البنك المركزي على محاسبتها باعتباره الضامن لحقوق المودعين، فإن شكوكاً تحوم حول إصدار البنك المركزي توجيهات شفاهية بالحد من سحب أموال المودعين بطرق غير مباشرة.. وتجنب البنك المركزي (توريط) نفسه في إصدار منشور معلن، وتضطرب إجابات د.”حازم عبد القادر” حول شح السيولة في الصرافات التي أصبحت ساحة للتندر والسخرية من قبل المواطنين على السياسات الحكومية، ويقول إن الصرافات ستنساب الأموال من منافذها لتغطية احتياجات المواطنين في الأيام القادمة دون تحديد.
وبيان المحافظ المركزي زاد الغموض غموضاً حول تبدد الثقة في المصارف من قبل (الزبائن) الذين تطلق عليهم البنوك صفة عملاء وما هم بعملاء بالتفسير العسكري والبوليسي لمعنى عميل.
أما السيد وزير الدولة بالمالية فقد كانت إفادته أكثر بؤساً من المحافظ.. خاصة فيما يتصل بالأزمة التي تشهدها البلاد حالياً من نقص الوقود والغاز.. وفشل الوزير في رسم صورة واضحة لمقبل الأيام إذا كانت الولايات السودانية من النيل الأبيض وحتى الجنينة تشهد شحاً في الوقود لم تشهده البلاد منذ (30) عاماً، فكيف يمكن تجاوز الأزمة الحالية ومتى؟؟ والموسم الزراعي المطري لم يتبق عليه إلا (90) يوماً فقط!!
وبالطبع لم يعد وزير المالية يتحدث عن زيادة الإنتاج ومضاعفة صادرات الثروة الحيوانية والإنتاج الزراعي، ولا خطة للارتقاء بالإنتاج من البترول، في ظل سياسة إطفاء الحرائق وسد الاحتياجات العاجلة على حساب التخطيط للمستقبل القادم.