خسارة وكسب
من كسب من لقاء قادة الحزب الشيوعي بمدير جهاز الأمن والمخابرات؟ الحزب العجوز والأكثر شراسة في معارضة النظام؟ أم الحكومة التي فتحت خطوط اتصال من أكثر الأحزاب المعارضة تشدداً ورفضاً للحوار ورهاناً على إسقاط النظام بقوة السلاح.
إن حسابات الربح والخسارة في السياسة تختلف عنها في التجارة ولغة الأرقام الحسابية لأن السياسة منهج تقديري ما تعتقد أنت أنه كسب لك أو لغيرك أراه أنا بغير ذلك والحزب الشيوعي الذي ظل يرفض الحوار من حيث المبدأ وظل يراهن على قدرة قوى التغيير الناعمة والخشنة هو من أصدر البيان الصحافي عن لقاء قادة الحزب في المعتقل بمدير جهاز الأمن إضافة إلى القيادي في الحزب “صديق يوسف” بدعوة خاصة ولم يوضح الحزب للرأي العام من قدم الدعوة الخاصة لـ”صديق يوسف” اهو الحزب الذي لا يستقيم منطقاً أن يقول إنه قدم دعوة خاصة لأحد قادته لحضور اجتماع مثل هذا الاجتماع، أم الدعوة الخاصة قدمها جهاز الأمن لـ”صديق يوسف” وبالتالي تتناسل الأسئلة لماذا “صديق يوسف”؟ وهل لمرونته أم لتشدده؟
والحزب الشيوعي الذي بادر في بيانه بنبذ العنف على الاستحياء، وقال إنه مع إسقاط النظام بالطرق السلمية وضع نفسه أمام التزام يصعب النكوص عنه في المستقبل، ولكن هل تم هذا بالقناعة والإيمان العميق؟ أم الضرورات أباحت المحظورات وفرضت على الحزب تقديم تنازلات كبيرة حتى يخرج قادة الحزب من غياهب السجون والمعتقلات إلى فضاء الحُرية ويُعد الحزب نفسه للمشاركة في الانتخابات القادمة من خلال تحالفات مع الآخرين أو الحزب الشيوعي منفرداً وهو أكثر الأحزاب اليسارية في العالم العربي براعة في إبرام التحالفات التكتيكية والإستراتيجية.
من جهة الحكومة فقد كسبت مرتين الأولى حينما شنت حملة اعتقالات واسعة أخمدت بها التظاهرات والاحتجاجات التي اندلعت بعد الميزانية التي أجازها البرلمان في ديسمبر الماضي، وكان يمكن أن تؤدي تلك التظاهرات لتطورات في غاية الخطورة على النظام خاصة وقد مست الميزانية عظم الشعب والمكسب الثاني أن الحكومة تكسب الآن وهي تطلق سراح المعتقلين السياسيين ويثني على فعلها الكثيرون من أهل السودان ويقدم الحزب الشيوعي في بيانه ثناءً غير مباشر على موقف الفريق “صلاح قوش” وهو موقف النظام وهو يقول التوجه الجديد أن لا يبقى معتقل في الحبس.
ولكن من جهة أخرى تفتح نيابة أمن الدولة بلاغات تحت مواد تصل عقوبتها الإعدام لعنق الإمام “الصادق المهدي” الذي تحلل من التزاماته السابقة بنبذ العنف والنضال السلمي ويضع “المهدي” بيضه مرة أخرى في سلة المعارضة المسلحة التي نصبت “المهدي” زعيماً لها وهي له كارهة وزعامة “الصادق” لن تدوم طويلاً وقد عودنا الرجل على البراعة في فض الشراكات وقت ما شعر بتدني مردودها، فهل كسب المهدي بمواقفه الجديدة؟ أم خسر آخر أوراقه؟ وبات في الخارج ينتظر أن تجود عليه تقلبات السياسة بعودة ظافرة وهو الآن أكثر اطمئنانا من ذي قبل بأن وجود “عبد الرحمن” ابنه بالقرب من “البشير” يجعل من المساس به الآن أو مستقبلاً شيئاً مستحيلاً.