تقارير

لماذا تراجعت الحكومة عن التشكيل الوزاري؟؟

الخارجية تحاصرها الديون وشح المال يعطل هذه السفارات

لقاء الشيوعي وجهاز الأمن.. غياب الحزب فرض الأمر الواقع
حديث السبت – يوسف عبد المنان

بعد أن أعلنت الحكومة وحدها عن إعادة تشكيل نفسها وقال بعض النافذين إن أداء الحكومة في الفترة الماضية كان ضعيفاً ما يتوجب إجراء عملية جراحية عاجلاً باستبعاد بعض الوزراء والمجيء بآخرين، خاصة بعد تفاقم الأوضاع الاقتصادية وفشل الإجراءات الإدارية التي اتخذتها الحكومة في تحسين الخدمات الأساسية، رغم أنها حققت قدراً من التعافي للجنيه السوداني الذي أنهكه المرض والتعب.. وبعد إعفاء مساعد الرئيس السابق وتعيين د.”فيصل حسن إبراهيم” الذي قاد عملية جراحية كبيرة وسط قيادات الحزب وبدّل الأمناء ورؤساء القطاعات كافة وصب دواء العافية في جسد الحزب المرهق، ووعد المساعد الجديد بإعادة تشكيل الحكومة التنفيذية في العاجل، وحدد الوزير التعديل المرتقب بأنه سيشمل حتى شركاء الوطني من أحزاب حكومة الوحدة الوطنية السابقة وشركاء حكومة الوفاق الوطني الحالية.. لكن بعد كل تلك الوعود والآمال تراجعت الحكومة عن خطوة تعديل نفسها.. وبعد أن ظل المكتب القيادي ينعقد بصفة شبه دورية كل (أربعاء) وبدأ الناس العاديون ينتظرون ثمار تلك الاجتماعات متلهفين للتغيير، تباطأت خطى التغيير وكفت قيادات الحكومة عن الأمر.. فماذا وراء ذلك؟؟ هل تراجعت القيادة عن التغيير في الوقت الراهن؟ ومن يقرر في أمر تغيير الوزراء؟ مساعد الرئيس لشؤون الحزب أم الرئيس “البشير” وحده؟ أم رئيس الوزراء الذي اختار الصمت والترقب والانتظار؟؟
الواقع يقول، ظاهرياً ثمة حاجة إلى التغيير في بعض المواقع التنفيذية خاصة في القطاع الاقتصادي، ونعني بذلك وزراء المالية والبترول والغاز والأخير أقعدته سنوات العمر عن الأداء، وقد تم تعيين وزير البترول الذي تجاوز عمره السبعين سنة بديلاً لشاب طموح لم يبلغ الخمسين عاماً، وأجمع كل الخبراء الاقتصاديين وعامة الناس على فشل سياسات وزير البترول، واليوم تتمدد صفوف العربات أمام طلمبات الوقود في الخرطوم بينما توقفت الحركة في الولايات وتضاعفت أسعار الوقود وبلغ سعر جالون البنزين في الأبيض مائة جنيه، ويباع تحت الطاولات، ويتم وضع جركانة الوقود بين جوالات السكر والذرة.. أما وزير المالية فقد أجمع الناس على فشل سياسات هذا الوزير الصامت رغم الأزمة، ولا تبدو الحكومة قريبة من الناس العاديين ولا هي تشعر بالأزمة التي تعيشها البلاد، والوزراء أغلبهم تم وضعهم في حالة (الصامت) إلا قليل جداً يتحدث بما يعرف أو بعض مما يعرف.
تشكيل الحكومة هي سلطة رئيس الوزراء الفريق أول ركن “بكري حسن صالح”، لذلك إذا لم يبد الفريق “بكري” رغبة في تغيير حكومته وإعفاء البعض والاستعانة بآخرين لن تجرؤ أية جهة على اجتراح تعديل الحكومة، وحتى الرئيس “البشير” تحدث بصراحة شديدة أمام الهيئة النيابية لنواب المؤتمر الوطني حول الأوضاع الراهنة ونفى أن يكون قد تغول على سلطات وصلاحيات رئيس الوزراء!! وكل ما يقوم به الرئيس اليوم من جهود لخفض سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني وتكوين المجالس السيادية المنصوص عليها في مخرجات الحوار الوطني هو جزء من مهام أصيلة للرئيس، والنظام الرئاسي بطبيعة الحال (يحتكر) السلطة للرئيس فقط ،ولا أثر لسلطات أصيلة في الدستور لرئيس الوزراء ولا نواب الرئيس، لكن ضرورات الحوار اقتضت قبول الرئيس بتعديل جزئي في الدستور يسمح بتعيين رئيس لمجلس الوزراء.. ولولا الانسجام والتوافق الكبير.. وأخلاق الفريق “بكري” الرفيعة وأدبه الجم لحدث خلاف ليس شخصياً، ولكنه خلاف في استخدام السلطة.. وكان الرئيس الأسبق “جعفر نميري” قد اختلف مع أقرب القيادات إليه “الرشيد الطاهر بكر” رئيس مجلس الوزراء واضطر لإعفائه بعد فترة قصيرة.. ولو عين الرئيس بعد مؤتمر الحوار رئيس وزراء غير الفريق “بكري” لحدث خلاف وشقاق حتى لو كان من قيادات المؤتمر الوطني.. واليوم يطالب قيادات في الحزب بالتغيير.. وتمت تعبئة الرأي العام وتهيئته لتغييرات قادمة، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث حتى الآن، وربما يتم الإبقاء على الأوضاع على حالها حتى حلول النصف الثاني من العام الجاري، حيث يتوقع خبراء اقتصاديون تحسناً في الأداء العام وحدوث انفراجات اقتصادية، وفي ذلك النصف من العام تستفيد الحكومة من عائدات الصادر وتحسن إيرادات الجمارك والرسوم بعد أن انخفضت عائدات الجمارك في النصف الأول من العام الجاري بسبب حزمة السياسات التي نفذت وإيقاف الاستيراد إلا عند الضرورة.
وسياسياً بدأ الرئيس في التمهيد لخطوات لجمع صفوف الأحزاب الحليفة.. وقد جمع الرئيس ببيت الضيافة د.”أحمد بلال عثمان” والمرأة الحديدية “إشراقة سيد محمود” لتوحيد شعث الحزب ولملمة صفوفه بعد أن ضعف وفقد القدرة على المبادرة بعد خروج “جلال الدقير” (غاضباً) وتمرد “إشراقة” على الدكتور “أحمد بلال”.. وعُدّت الخطوة في جبهة الاتحاديين بمثابة تصفية للخلافات قبل التشكيل الوزاري الذي تأخر كثيراً.
{ ماذا يحدث في الخارجية؟
إضراب غير معلن ينفذه سفراء بوزارة الخارجية رفضوا الذهاب لمحطاتهم المهمة قبل أن تسدد الوزارة استحقاقات الموظفين.. وإيجار المقار.. ونثريات السفارات من كهرباء ووقود سيارات وتعرفة الهواتف والانترنت!!
سفراء السودان في عدد من المحطات الغربية موجودون في هذه الأيام بمقر الرئاسة في الخرطوم.. ينتظرون من السيد وزير الخارجية البروفيسور “إبراهيم غندور” حل المشكلات التي تعترض عملهم بتلك البلدان.. السفراء يهرولون يومياً لمكتب الوكيل.. ومكتب الوزير الذي يزور الخرطوم أسبوعياً وهو طائر ما بين القاهرة وجدة.. ونيروبي وبروكسل.. يعود إلى الخرطوم بحقيبة في الصباح وتكون حقيبة السفر في المساء جاهزة ليطير إلى محطة أخرى، ولكن كثرة الأسفار والترحال من بلدٍ لآخر وحضور المؤتمرات من البرازيل وحتى اليابان، لم يغط على حقيقة الأوضاع المالية الصعبة التي تعيشها وزارة الخارجية في الوقت الراهن.. رغم أن الوضع الاقتصادي العام في السودان ينذر بحلول أيام عصيبة على المواطنين، وقد اتخذت الحكومة سياسات تقشفية في الفترة الأخيرة إلا أن ذلك لا يجعل وزارة مهمة مثل الخارجية تشكو قلة المال، والسودان أكثر حاجة للتواصل مع الآخرين والانفتاح دبلوماسياً مع كل الشعوب.. خاصة الغرب والشرق، والسفارات لن تستطيع أداء واجبها في ظل أوضاع مالية بالغة السوء.. وإذا كانت الحكومة تعتزم بناء جيش قوي لصد أي عدوان عنها فالدبلوماسية لا تقل أهمية عن القوة الرادعة التي تصد عن البلاد الأعداء.
الأوضاع داخل وزارة الخارجية الآن تشير بوضوح إلى عجز مالي كبير وعدم التزام من قبل المالية بمشروع الموازنة العامة.. ما اضطر السفراء للبقاء في الخرطوم والتهديد على استحياء بإغلاق بعض السفارات في الدول الغربية التي تعاني بشدة في سداد مرتبات الموظفين والعمالة المحلية من جهة والصرف على الكهرباء وخدمات الهاتف.. فهل تضطر حكومة السودان لخفض تمثيلها في بعض البلدان لأسباب اقتصادية؟ وكيف تتراجع الخارجية عن سياسات أقرتها في السابق بالانفتاح على العالم؟؟ ومتى تسدد الخارجية ديون بعض الأفراد، بما في ذلك الوزير السابق “علي كرتي” الذي كان ينفق على العمل الخارجي من جيبه الخاص وهو رجل أعمال بالغ الثراء؟؟ واليوم يطوف البروفيسور “إبراهيم غندور” العالم لكنه عاجز عن توفير أهم مطلوبات النجاح لوزارته التي أخذت تفقد دورها.. بينما يتعاظم دور الدبلوماسية الرئاسية التي بيدها تحققت اختراقات كبيرة جداً في علاقات السودان الخارجية.. وخلال الفترة الماضية أحدثت الدبلوماسية الرئاسية اختراقاً في جدار العلاقات مع مصر وتشاد والخليج، وما يحسب لصالح الوزير “غندور” التنسيق الدقيق مع الفريق “صلاح قوش” في الأيام الماضية.. وقد بدا وزير الخارجية أكثر واقعية في أداء دوره بعد أن شغلته في السابق بعض مجموعات شباب الإسلاميين وهم يضعون صورته في قروبات التواصل الاجتماعي ويزعمون أنهم يسندون ترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية.. وكان حرياً بهؤلاء إسناد الرجل لأداء دوره التقليدي في وزارة الخارجية والتقليل من الأسفار والترحال، ومتابعة التدفقات المالية من القصر إلى الخارجية، وذلك لن يتأتى بالطرق التقليدية وكتابة المذكرات وانتظار أن تجود على الخارجية مجموعات الموظفين التي تتحكم في المالية على الصرف، تمنح من تشاء وترفض لمن تشاء دون حساب.. ورغم وجود ميزانية تمت إجازتها في مجلس الوزراء وفي المجلس الوطني، إلا أن موظفي المالية لهم قدرة فائقة على حجب المال عن من لا شوك له.. وفي غياب الوزير عن السودان وانصرافه لملفات العلاقات مع مصر والغرب والخليج جاعت فئران الخارجية وبقي السفراء في الخرطوم ينتظرون تدفق المال.. وفي ذلك هزيمة كبيرة لمشروع عودة السودان لمحيطه الإقليمي وللفضاء الدولي والتبشير بالحوار الوطني وفرص الاستثمار، فكل ذلك لن يتحقق إذا كانت وزارة الخارجية لا تملك المال الذي يسيّر أداء السفارات.. السؤال: كم تبلغ ميزانية الخارجية السودانية وكم تبلغ ميزانية الخارجية لدول مثل إثيوبيا ومصر والأردن وتونس؟؟ الأرقام التي أمامي مثيرة للسخرية والحزن وحتى لا نضيف للقارئ مزيداً من التعب والكلام الكعب، نمسك عن كشف عورات خارجيتنا في الوقت الراهن.
{ لقاء “قوش” والشيوعي
كشفت قيادة الحزب الشيوعي يوم (الأربعاء) الماضي عن لقاء جمعها بالمدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الفريق “صلاح قوش” داخل مباني جهاز الأمن والمخابرات.. ضم اللقاء قيادات الحزب الشيوعي التي اعتقلت بعد الاحتجاجات الأخيرة على الميزانية العامة للدولة، إضافة لقيادات أخرى حرة طليقة، وقال الحزب الشيوعي إن الفريق “صلاح قوش” أبلغهم بموقف الجهاز الجديد بإطلاق سراح جميع المعتقلين، وقال إنه شخصياً ضد الاعتقالات.. وشارك في لقاء مدير الأمن وقادة الحزب الشيوعي “صديق يوسف” إلى جانب “محمد مختار الخطيب” و”الحارث أحمد التوم” و”صدقي كبلو” و”صالح محمود” المحامي و”علي الكنين”، وقال بيان الحزب الشيوعي إن الفريق “قوش” أبلغهم بموقف الجهاز بإطلاق سراح جميع المعتقلين وإتاحة الفرصة للجميع للمشاركة في حل أزمة الوطن، وما هو معلن عن محاربة الفساد والأنشطة التخريبية في الاقتصاد، ودعا للحوار.
موقف جهاز الأمن والقوات المسلحة من القضايا السياسية ظل متقدماً جداً على المؤسسات السياسية الحزبية، خاصة المؤتمر الوطني، والحوار الذي جرى في جهاز الأمن مع قيادة الحزب الشيوعي كان منطقياً أن يقوده حزب المؤتمر الوطني الذي بينه والحزب الشيوعي قطيعة نفسية غير مبررة، وبينه والحزب الشيوعي الصيني ود واحترام وصداقة وتبادل منافع.. وبلغت الصداقة أن تكفل الحزب الشيوعي الصيني بتقديم دعم للمؤتمر الوطني ومساعدته في تشييد الدار الحالية التي تطاولت ولم تكتمل بعد والحزب الشيوعي لن يصد د. “فيصل حسن إبراهيم” و”حامد ممتاز” ولا د. “عبد الرحمن الخضر” إن هم أقبلوا على الحزب الشيوعي في داره وجرت مشاورات حقيقية وتبادل للرأي حول الأوضاع الراهنة في البلاد وكيفية تنقية الساحة السياسية من الصراعات المفضية إلى التشاحن وتقاطع المصالح، وكيف للحزب الشيوعي المشاركة في الانتخابات القادمة وفي تعديلات القوانين التي ينتظر أن يدفع بها للبرلمان في الفترة القادمة، ومن بين تلك القوانين قانون الصحافة وقانون الانتخابات.
حزب المؤتمر الوطني أجرى تعديلات في قيادته، وتم اختيار د.”فيصل حسن إبراهيم”، وهو شخصية واقعية براغماتية رغم صرامته الظاهرة ومظهره الذي لا يعبر بدقة عن جوهره، شخصية تملك القدرة على إدارة الحوار مع الآخر المختلف سياسياً وفكرياً، ولم يعرف عن د.”فيصل” نزوع نحو اللعب الضاغط مع المنافسين في الساحة، وحينما كان والياً على شمال كردفان قاد حوارات مع رموز سياسية من حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي والمؤتمر الشعبي وشيوعيي كردفان والبعثيين.. لكن حزب المؤتمر الوطني في الخرطوم يكبل نفسه ولا يقبل على خوض حوارات حقيقية مع الآخرين.. وكان “عبد الباسط سبدرات” قد لعب أدواراً مهمة جداً في الحوار بين الرئيس “البشير” والراحل “محمد إبراهيم نقد” سكرتير الحزب الشيوعي السوداني الذي يحظى عنده “سبدرات” بثقة لا حدود لها.. وجدوى استقطاب القيادات من الأحزاب الأخرى والتيارات الفكرية المغايرة في قدرتهم على التواصل مع رفاق الأمس، وقد لعب المهندس “حسن صباحي” دوراً مهماً في التقارب بين “البشير” و”الصادق المهدي” من خلال أبناء المسيرية في حزب الأمة، وساهم رجل الأعمال “علي أبرسي” وابن الختمية د.”عبد الرحمن الخضر” في التسوية التي جرت بين المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي الديمقراطي، ويستطيع د.”فيصل” اليوم مد جسور التواصل مع الحزب الشيوعي وحزب البعث والحركة الشعبية، وذلك أكثر جدوى من أن يقود الحوار التنفيذيون في الدولة وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية.. لكن حينما تعجز الأجهزة السياسية عن دورها وتترك فراغات، فإن العسكريين يجدون أنفسهم مرغمين على (سد الفرقات)، وهذا ما حدث من مدير جهاز الأمن الوطني، يلتقي بقادة الحزب الشيوعي وقادة أحزاب المعارضة الأخرى، ويفتح جسور التواصل مع المصريين والجنوبيين لسد فراغات الدبلوماسية، وفراغات السياسة هي التي تجعل الحكومة بدلاً عن أن يتقدم حزبها تتقدم أجهزتها العسكرية سياسياً على الحزب الذي يشغل نفسه بكثرة الاجتماعات واللقاءات المغلقة.. ولا يخرج الحزب إلى الفضاء السياسي المفتوح يحدث الناس عن الاقتصاد ومخرجات الحوار الوطني والعلاقات الخارجية ومفاوضات السلام.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية