بعد دعم أمريكا للمقترح الأفريقي .. هل يتبنى "أمبيكي" منهج "دانفورث" في أبيي؟!
إعلان “سوزان رايس” مبعوثة أمريكا في الأمم المتحدة دعم بلادها لمقترح الوساطة الأفريقية بشأن حل نزاع أبيي بين حكومتي السودان وجنوب السودان، عقب جلسة مجلس الأمن، التي عُقدت مساء الخميس الماضي، وناقشت اتفاق الدولتين الأخير، دعا الناس للسؤال عن حقيقة الدور الأمريكي في مسألة أبيي المختلف حولها بين الشمال والجنوب.
وإذا حاولنا الرجوع إلى أصل بروتوكول أبيي، نجد أن الدور الأمريكي بدأ في هذا الملف منذ أن تقدم المبعوث الخاص الأمريكي، عراب اتفاقية السلام الشامل – حينها – السناتور “جون دانفورث”، بمقترح مبادئ الاتفاق حول أبيي إلى الأستاذ “علي عثمان” والدكتور الراحل “جون قرنق” في 19/مارس 2004، وأعلن الطرفان تبني هذه المبادئ أساساً لحل نزاع أبيي، وكانت من الفقرات اللافتة في هذا المقترح الذي نسب لـ”دانفورث” وتم التوقيع عليه في 26/5/2004، أن الإقليم يشمل تسع مشيخات من دينكا نقوك حولت إلى كردفان في عام 1905 وتحتفظ المسيرية والجماعات الرعوية الأخرى بحقوقها التقليدية في الرعي والتحرك عبر أراضي أبيي، وورود هذه الصيغة في الاتفاق قاد إلى تمسك قيادات أبيي في الحركة الشعبية بعدم أحقية المسيرية في التصويت أو هكذا أجمع كثير من المراقبين.
وبالعودة لمقترح “أمبيكي”، الذي سبق أن قدمه لقيادة البلدين في الخرطوم وجوبا في العام 2011، يقول أحد قيادات المسيرية: إن المقترح تضمن بنوداً كثيرة لم يكشف الرئيس “البشير” عن بعضها، ووقتئذ تم التحفظ عليها. ويذكر أن “أمبيكي” كان قد قدم في العام الماضي ستة مقترحات. ووفقاً لما نشر في الإعلام، شملت إصدار قرار من الرئاسة يقضي بضم أبيي إلى جنوب السودان، ومنح مجموعات المسيرية من أبناء المنطقة حق المواطنة، أو تقسيم المنطقة بين الطرفين. وتحدث المقترح الثالث عن إعطاء المسيرية ثلث المنطقة. والرابع عن إجراء الاستفتاء في موعده. أما الخامس، فقد أشار إلى إمكانية القبول بتحكيم لاهاي أو القبول بتقرير الخبراء. وأشار المقترح الأخير إلى إمكانية إسناد المنطقة إلى إدارة دولية تابعة للأمم المتحدة.
وبالنظر إلى مقترحات “أمبيكي” نجد أن هناك رابطاً بينه وبين ما اقترحه المبعوث الأمريكي السابق “أسكوت غرايشون” في 2010، بل يلاحظ أن “أمبيكي” تبنى المقترح الثاني لـ”غرايشون”، الذي نص على تقسيم المنطقة مع وجود ضمانات فيما يخص استخدامات الأرض بالنسبة للمسيرية، لكن كما هو معروف أن “لوكا بيونق” و”دينق ألور” وقفا ضد مقترح تقسيم المنطقة بشدة، وظهر ذلك عندما عارضاه في مفاوضات أديس أبابا.
المسيرية من جهتهم، أبدى بعضهم اعتراضاً على هذا المقترح، فيما أظهر الذين يقفون ضد عملية الاستفتاء ويعتبرون أن أمره انتهي بانفصال الجنوب مرونة حياله. وقالوا يمكننا التفاوض حول موضوع قسمة أبيي، لكن الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون التعاون مع دول أفريقيا “ميخائيل مارغيلوف”، أكد في حديثه لوكالة (نوفوستي) بعد المحادثات التي أجراها يوم الجمعة 5 أكتوبر/2012 في السودان، أن الخرطوم موافقة على تقسيم منطقة أبيي الغنية بالنفط مع جوبا. وهذا بحسب ما تناولته بعض المواقع الإلكترونية.
وذكر “مارغيلوف” في المقابلة المذكورة مع وكالة (نوفوستي) الروسية أنه بحث موضوع منطقة أبيي المتنازع عليه بين البلدين مع الرئيس السوداني “عمر حسن البشير” الذي استقبله في الخرطوم، مساء الجمعة.
وقال المسؤول الروسي إن “البشير” أبلغه بتفاصيل الاتفاقيات التي توصلت إليها الدولتان خلال محادثاتهما الأخيرة التي جرت في أثيوبيا. ونقل “مارغيلوف” عن الرئيس السوداني، أنه يوافق على تقسيم أبيي بين قبيلتي دينكا نقوك والمسيرية.
وأكد الرئيس السوداني للمسؤول الروسي أنه يسعى لتعزيز السلام وعلاقات حسن الجوار مع جنوب السودان، مؤكداً أن الصلات الوثيقة التي تربط بين البلدين لا يمكن قطعها.
من ناحية أخرى، استبعد الأمين العام للحركة الشعبية “باقان أموم” عقب عودته من أديس وبعد توقيع اتفاق التعاون المشترك مع دولة السودان إجراء تفاوض حول أبيي.
وأعلن كبير مفاوضي حكومة جنوب السودان أن حكومته لن تجري محادثات مع حكومة الخرطوم بشأن منطقة أبيي المتنازع عليها، متعهداً بمناقشة مصير منطقة هجليج.
وأكد “أموم”، في خطاب بثه (تلفزيون جنوب السودان) الأسبوع الماضي، أن وفده لن يجري مزيداً من المحادثات حول أبيي، مشدداً أن قضية أبيي قد انتهت. قائلاً : (مسألة أبيي انتهت، لن يكون هناك نقاش. من جانبنا كـ”حكومة” قبلنا مقترح الوساطة الأفريقية، ولم يتردد الرئيس “سلفاكير”، ولكن السودان رفض ذلك المقترح).
ولفت أموم إلى أن أمام وفده الآن قضيتين فقط، هما: (مسألة ترسيم الحدود والمناطق المتنازع عليها، التي سيتم بحثها في الجولة القادمة من المحادثات)، هذا التصريح يتطابق في بعض فقراته مع ما قالته “سوزان رايس”، حيث أكد “باقان” قبولهم مقترح الوساطة الأفريقية، وكان واضحاً أنه يتحدث عن ما تم طرحه للرئيسين “البشير” و”سلفاكير” في أديس مؤخراً، بينما قالت “رايس” في تصريحات صحفية بعد جلسة مجلس الأمن إن واشنطن تدعم مقترح للجنة الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة “أمبيكي” بشأن أبيي، والذي سلمته لطرفي النزاع في سبتمبر الماضي. ولم تحدد على وجه الدقة أي مقترح لـ”أمبيكي” تدعمه أمريكا، لكن أشارت بوضوح إلى أن “أمبيكي” سيقدم تقريراً لمجلس السلم والأمن الأفريقي قبل أن يرفعه لمجلس الأمن الدولي، وهذا ما طلبته دولة جنوب السودان حينما رفض الرئيس “البشير” مقترح إجراء الاستفتاء في منطقة أبيي في شهر أكتوبر في التفاوض الماضي الذي قاد للاتفاق الأخير، بحجة عدم استقرار المسيرية في هذه الفترة، بجانب اعتراض السودان على رئاسة الاتحاد الأفريقي لمفوضية استفتاء أبيي التي تضم خمسة أشخاص، واتفق على أن يمثل فيها اثنان من دينكا نقوك واثنان من المسيرية، واقترحت الوساطة الإفريقية أن يتولى رئاستها شخص من الاتحاد الأفريقي، وكان قد نوّه الرئيس “سلفاكير”، بعد “دينق ألور” الذي خرج من الاجتماع غاضباً، إلى أن موضوع أبيي سيتم رفعه إلى مجلس السلم الأفريقي.
وبالضرورة من غير المستبعد أن يدفع به إلى مجلس الأمن الدولي، كما فعل في السابق بملف الدولتين حينما تصاعد التوتر بين الشمال والجنوب عقب أحداث هجليج؛ الأمر الذي دعا مجلس الأمن إلى إصدار القرار 2046. وفي السياق توقع بروفيسور “حسن الساعوري”، في حديثه لـ(المجهر) أن يكون القصد من تصريحات “سوزان رايس” – بشأن أبيي – إقناع أعضاء المجلس بهذا المقترح على أساس أنه الحل الأمثل حتى لا تحاول دوله استخدام حق الفيتو، إلا أنه قلل من تأثير ذلك حتى إذا صدر قرار بالفعل من مجلس الأمن. مراقبون آخرون قرؤوا هذا الدعم في سياق الدور الأمريكي لقضية أبيي منذ أن قدمها الأمريكي “دانفورث” كمبادئ اتفاق، ولم يستبعدوا أن يتبنى “ثابو أمبيكي” منهج “دانفورث”، هذه المؤشرات تدل على أن قضية أبيي ستدخل نفق التدويل أو ستدخل المنطقة في حرب مفتوحة.