الأحزاب السودانية .. شرخ الزمن يهز جدار الثقة والشباب يبحث عن بدائل عصرية
هل انتهى بالفعل دور الأحزاب التي كان الناس يبحثون في (الحقيقة) بين أطروحاتها، ولم تعد تلبي طموحات الشعب وبخاصة الشباب، حتى أن البعض يدلل بما جرى إبان الاحتجاجات الأخيرة، حيث تجاوز المحتجون الأحزاب التقليدية منها والأيدولوجية، وأخذوا يبحثون عن أطر بديلة؛ الأمر ذاته حدث قبلاً في مصر، حينما تجاوز الشباب الأحزاب، وأخذوا يبحثون عن مفاهيم جديدة، في وقت يشهد فيه العالم تحولات ضخمة شملت الفكر والثقافة والأيدولوجيا والنظر إلى مفاهيم الوطن والمواطنة والاقتصاد وحقوق الإنسان والعديد من التحولات التي جعلت الانتماء إلى الأحزاب غير ذي قبل.
يتحفظ القيادي الشيوعي “يوسف حسين” على ما يقال من أن الأحزاب لم تعد تلب طموحات وتطلعات الناس والشباب على وجه الخصوص، ويستدل بذلك بأن الأحزاب نفسها بها الشباب، ويحيل المتشكك إلى ما شاهده الناس في جنازة زعيم الحزب الشيوعي الراحل “محمد إبراهيم نقد”. ويواصل بالقول: لا توجد دراسة عميقة، فالأحزاب – كما يقول – هي التي تؤدي العمل الدعائي والتحريض المؤسسي في المجتمع، والشباب أنفسهم متأثرون بالنشاط الحزبي، هذا انطباع عابر عند الناس. وذهب يضيف: فالأحزاب هي نتاج لتوصل العقل البشري للحقائق التي أطرها في الأحزاب، ولكن القيادي الشيوعي يرجع، ويقول: انصراف الشباب عن الأحزاب جاء نتيجة لدق “أسفين” مدته (23) عاماً هي عمر الإنقاذ التي منعت النشاط الحزبي، وحتى حزبنا الشيوعي المسجل، تجد أن صحيفته ممنوعة بأمر السلطات، وينطبق ذلك على صحيفة (رأي الشعب) المعارضة.. الشمولية عامل طارد يعمل على إبعاد الشباب، ولكن بعودة الديمقراطية، فإن الشباب سوف يعودون، كما أن العوامل التي أبعدت الشباب ستنتهي.
من جهته، يتفق أستاذ العلوم السياسية البروفيسور “الطيب زين العابدين” مع ما تذهب إليه “يوسف حسين”.. ويقول لقد عانت الأحزاب السودانية ماعدا حزب (المؤتمر الوطني) من نظام الحكم الشمولي، وبخاصة أحزاب (الأمة – الاتحادي – الشيوعي)، حيث استهدفتهم (الإنقاذ) بالاعتقال والمصادرة والتصفية للممتلكات. ويمكن ملاحظة كيف أن الأحزاب خرجت عقب انتهاء حكم الفريق “ابراهيم عبود” دون أن يحدث لها ضرر كبير، فحصلت عقب قيام الانتخابات على أصوات انتخابية قريبة للتي حصلت عليها سابقاً، وبما أن “الإنقاذ” حكومة عقائدية شمولية عسكرية؛ لذلك لاحقت هذه الأحزاب وأتعبتها، هنالك أسباب حقيقية جعلت الأحزاب ضعيفة. ويضيف بروف”زين العابدين” مفهوم التداول السلمي للسلطة غير موجود عندنا، وفي رأيي أن (الديمقراطية التوافقية) هي طريقنا للاستقرار السياسي، لا توجد حكومة ديمقراطية، شاخت الأحزاب وقياداتها، ولم تتطور، ويمكنك أن تلاحظ أن الحركة الإسلامية كانت أقوى مما هي عليه الآن، لقد كانت أكثر حيوية، وحماسة وتجديد للعمل، فما بالك بالأحزاب المبعدة، هنالك حيوية لدى الشباب إلا أنهم يبحثون عن الرموز التي تقدم لهم برامج ونموذجاً، وفي السودان قليلة هي رموزنا الفكرية في العمل السياسي والمقدرات الفكرية في السودان محدودة قياساً بالعالم العربي.
ويرى مدير مركز السودان للبحوث والدراسات الإستراتيجية د. “خالد حسين” أن المسألة الأساسية هي في وجود متغير أساسي في التعامل السياسي في العالم بأكمله، وفي العالم العربي على وجه التحديد ودول العالم الثالث بوجه أشمل.. ففي حقبة الستينيات إبان فترة التحرر الوطني، وقيام عدد من الأنظمة، عمل الغرب على صنع أنظمة سياسية لخدمة أغراضه؛ وذلك بعيداً عن تطلعات الشعوب، غير آبه بالقيم التي يدعو إليها عبر وسائل الإعلام مثل (الديمقراطية وحقوق الإنسان) ولقيت قبولاً كبيراً في تكوين الشباب، وتكوين فكر سياسي، وهذا الموقف أوجد لدى الشباب موقفاً سالباً من الغرب عموماً على الرغم من احتفائه بالقيم الإنسانية التي جاءت من الغرب، ولم تستطع الأحزاب الموجودة في العالم العربي والدول الإفريقية وحتى الأنظمة، أن تستجيب للمتطلبات الفكرية للشباب، وحتى الأحزاب السياسية، فباتت الأحزاب والأنظمة الحاكمة في العالم العربي وجهين لعملة واحدة، لم تتطور، ولم تستجب لتطلعات الشباب، فكفروا بهما.. وأصبحوا يبحثون عن وسيلة للتواصل خارج هذا النطاق، فوجدوا ذلك في ما أنتجه التطور العلمي الحديث من خلال الشبكة العنكبوتية، وبذلك تكونت نواة حتى أضحت جسماً هلامياً يستطيع أن يستخدم هذه المنظومات العلمية الحديثة، وبالتالي في التغيير سواء للأنظمة، أو الأحزاب، وهذا ما حدث بالضبط في بلدان (الربيع العربي).. يضيف الدكتور “خالد حسين”:هذا التطور الفكري والسياسي لا ينفصل عنه شباب السودان، فأصبحوا يمارسون هذا الدور، وإن كان في بداياته، لكن في تقديري سوف يتطور هذا العمل الشبابي، وإن لم تدرك الحكومة والأحزاب معاً، فسيجدون أنهم خارج اللعبة تماماً.
أخيراً يبدي المتفائلون قدراً من الثقة بأن الثقة بالأحزاب ستعود مجدداً، ويدللون على ذلك بـن الناس عادت إلى الأحزاب، وأعادت الثقة بها عقب انتهاء حكم “عبود” و”نميري”، ويقولون بأن الأحزاب مازالت هي الوعاء السياسي والتنظيمي والاجتماعي للجماهير لإحداث التغيير الذي تريده، وبالمقابل فإن الأنظمة الشمولية ستظل حتى الرمق الأخير تهاجم أحزابهم، ويقللون ممّا يحدث اليوم بأن التحولات التي شهدها العالم في المنظومة السياسية وانتهاء عالم القطبين وما تلاهما من تحولات أدت إلى اهتزازات أثرت في قناعات الشباب.