تقارير

اللاجئون الجنوبيون في السودان.. انفجار سكاني يحاصر ولايات التماس!!

هل تعيد الحكومة النظر في المعالجات؟

تقرير ـ هبة محمود
بفصائلهم ومللهم كافة يعود الجنوبيون عودة قسرية واضطرارية فرضتها ظروف الحرب مرة أخرى يتوكأون عصا الترحال، في هجرة عكسية وينتشرون في عدد من بقاع وطنهم الأول (السودان الشمالي)، بأعداد كبيرة سيما عقب قرار رئيس الجمهورية بمعاملتهم كمواطنين، عادوا لتمتلئ بهم شوارع العاصمة (الخرطوم) وتكتظ بهم ولايات التماس (جنوب كردفان ـ النيل الأبيض ـ شرق دارفور) الأمر الذي دعا بعض ولاة تلك المناطق يجأرون بالشكوى، في ظل موارد الولايات المحدودة.
(المجهر) تلمست تداعيات هذه العودة وآثارها على الخدمات الاجتماعية والصحية.
جحيم الحرب والجوع اضطرهم للعودة !!
هرباً من جحيم الجوع بسبب المجاعة التي تضرب جنوب السودان تدفقت أعداد كبيرة من اللاجئين إلى السودان بمعدلات يومية فاقت المئات، فيما أعلنت حكومة جوبا مؤخراً تأثر أجزاء واسعة من الولايات والمقاطعات الجنوبية بالمجاعة، ووفقا لمنظمات سودانية فإن أكثر من خمسة آلاف جنوبي وصلوا البلاد بسبب الأوضاع التي يشهدها الجنوب، وبحسب بعض المصادر الإلكترونية، فإنه وفقا لإحصائيات لمنظمات محلية فإن عدد اللاجئين الجنوبيين منذ بداية الحرب تجاوز الـ(1.5) مليون شخص دخلوا عبر ولايات النيل الأبيض وجنوب كردفان وشرق دارفور وجنوب دارفور، قبل أن تصبح المجاعة دافعاً أكبر للهروب.
صرخة والي!!
وفي لقائه بمنبر وزارة الإعلام الأسبوعي (أمس الأول) أكد والي شرق دارفور “أنس عمر”، أن ولايته تستضيف (130) الف لاجيء من دولة الجنوب، أي ما يعادل (36%) من سكان الولاية، في الوقت الذي وصف فيه والي النيل الأبيض “عبد الحميد موسى كاشا”، خلال مؤتمر صحفي متزامناً مع لقاء والي شرق دارفور، بمباني شركة بتروناس (أمس الأول) لتدشين مشروع دعم المجتمعات المضيفة التي تأثرت بنزوح لاجئي جنوب السودان بولايته، وصف الأوضاع بالمعسكرات بالمأساوية التي تدمع لها الأعين نسبة لاستمرار التدفق الذي ادى بشكل كبير إلى عدم الاستقرار الاجتماعي وازدياد الضغط على الخدمات الأساسية والظروف المعيشية حتى أصبحت الولاية تعاني ضغوطاً شديدة بحد تعبيره، مشيراً إلى تضاعف أعداد اللاجئين للضعف، في الوقت الذي أكد فيه على أن فترة انتهاء المعسكرات بالولاية لا يمكن لأحد تحديدها، ووصفها بيوم القيامة، قائلا: المعسكرات دي زي يوم القيامة، في زول بعرف يوم القيامة بجي متين، عشان كدا حتظل موجودة، بالمنطق كدا يمشوا وين؟، إلى أن يحلها الله.. والله يخارجنا منها.
وكشف كاشا عن تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الجنوبيين بصورة غير متوقعة وصلت حوالي (455) ألف لاجئ في أكتوبر 2017، فيما أشار إلى وصول (185) ألف لاجيء مسجل خلال هذا العام الأمر الذي عده ملفتاً للنظر، مؤكداً على أن معظم اللاجئين يقيمون مؤقتا في الولايات الحدودية بينما يقيم داخل الولاية (166) ألف لاجيء .
“استيفن”: نصف سكان جنوب السودان يعيشون خارج موطنهم
القيادي الجنوبي الأمين العام للهيئة القومية لدعم السلام “استيفن لوال” أرجع لـ(المجهر) ذلك التدفق الكبير والأعداد المهولة من الجنوبيين لخرق اتفاقية التسوية 2015 والتي ادت إلى نزوح غير مسبوق، في الوقت الذي أكد فيه أن نصف سكان جنوب السودان يعشيون خارج موطنهم وأكثرهم نزوحاً إلى السودان، مشيراً إلى حتمية النتائج بسبب خرق الاتفاقية.
ويقول “لوال”: أكثر الذين لجأوا إلى السودان هم سكان مناطق أعالي النيل وشمال بحر الغزال نتيجة لعدم احترام اتفاقية وقف التنفيذ المبرم بين المجموعات المتصارعة في أديس أبابا تحت رعاية الإيقاد، وزاد: نتيجة كل ما يغذي للعنف نزح المواطنون إلى دول الجوار (السودان ـ إثيوبيا ـ يوغندا ـ كينيا) إلا أن أكثرهم متواجد في السودان نسبة للموقف المشرف للرئيس السوداني “عمر البشير” ونتيجة لقراره الشجاع يكتظ السودان بتدفقات يومية تقدر بالآلاف نتيجة اتساع دائرة الحرب.
برلماني قضية النازحين الجنوبيين في جنوب كردفان مزعجة..
في الأثناء وصف العضو البرلماني وأحد قيادات ولاية جنوب كردفان د. “علي إبراهيم” في حديثه لـ(المجهر)، قضية النازحين الجنوبيين لولاية جنوب كردفان بالمزعجة، لافتاً إلى أن ولايته والولايات الأخرى المتاخمة لحدود دولة جنوب السودان يعانوا من الآثار المترتبة على التدفقات المهولة لأعداد اللاجئين، مؤكداً على عدم وجود عزل بينهم والمواطنين العاديين، فيما كشف عن أعداد مسلحة تتبع للحركة الشعبية ومعارضون للحكومة الجنوبية كانوا سبباً في أحداث خور الورل الشهيرة، كما شكا من عدم استخدام اللاجئين للمراحيض وتسببهم في تصحر المنطقة بسبب قطع الأشجار.
د. “علي” : أخشى أن تصبح منطقة (الليري) أبيي أخرى!!
وقال: معسكر اللاجئين في محلية (الليري) يبعد عن المدينة مسافة لا تتعدى الـ(20 ـ30) متراً ويتداخلون مع السكان نسبة للصلات القديمة بينهم، واخشى أن تصبح منطقة (الليري) أبيي أخرى نسبة للتصاهر والتماذج بين الشلك والقبائل الموجودة بالمنطقة، وزاد: هناك مخاطر كبيرة من تواجد اللاجئين بالرغم احترامنا لقرار الرئيس من معاملتهم كمواطنين، إلا أن الخطورة تكمن في الآثار السالبة التي خلفها اللجوء والمتمثلة في ازياد نسبة الجريمة، حيث إنهم أضحوا مهدداً أمنياً، فضلاً عن انتشار الأمراض مثل الكبد الوبائي والايدز والخمور .

“لوال” يدعو لتفهم الوضعية التي تمر بها الولايات الجنوبية
في الوقت الذي تتأرجح فيه آراء الكثيرين ما بين مؤمن بأن الانفصال لم يكن الخيار الأوحد أمام الجنوبيين، إلا أنهم صوتوا له إيمانا منهم بأن استقلالهم عن الشمال لن يكون إلا به ولا يستحقون المساعدات، وما بين من يرى أن العمل الإنساني يعلو فوق كل شيء، يطالب فيه محدثي “استيفن لوال” بضرورة وضع رؤية ثلاثية بين الحكومة السودانية والمنظمات الإنسانية الدولية ومنظمة الهجرة لوضع ترتيبات تساعد على استقرار مواطني جنوب السودان داخل الأراضي السودانية، مؤكداً على أن المواطن الجنوبي يرى نفسه داخل الأراضي السودانية ويحاول قدر المستطاع أن يوفر لنفسه الغذاء والدواء، فيما طالب القائمون على أمر ولايات التماس، بضرورة تفهم الوضعية التي تمر بها الولايات الجنوبية، وقال: هناك خطوات لتهجير الجنوبيين من أراضيهم بسياسة الأراضي المحروقة، والوضع داخل الجنوب لا يطمئن، ولذلك احذر الأمم المتحدة ودول الإيقاد والاتحاد الأفريقي على تجاهل الخروقات داخل اتفاقية التسوية التي نحن مقبلون عليها في أبريل المقبل بأديس أبابا، ونطالبهم بالضغط على الأطراف المتحاربة ليعود الوضع إلى الأفضل.
ووقفاً لمحللين سياسيين فإن قرار انفصال الجنوب يعتبر إخفاقاً سياسياً، لا يتحمله المواطنون الجنوبيون وحدهم، عقب تخلي السياسيون الجنوبيون من الذين صنعوا الانفصال عنهم وتركوهم يحصدون نتاج قرار الانفصال الذي عضوا عليه أناملهم غيظا، فيما ظل البعض على موقفه رغم ما يشهده البلدان من سوء في الأوضاع، وفي تصريحات سابقة لـ(المجهر) أكد القيادي بمنبر السلام العادل ونائب رئيس الحزب “ساتي سوركتي” أن مشكلة الجنوب بلغت مدى في الاستفحال وعمقت في العقل الجنوبي عداوة نحو الشمال تم توظيفها قبل عهد الاستقلال، وقال: حتى عقب الاتفاقية وبالرغم من سوء بعض تفاصيلها بالنسبة للشمال وسوء صياغة بعض الفقرات خاصة الأمنية، إلا أن الجنوبيين لم يرضوا عن الشمال، ولم يكن في عقلهم أن السودان وطن واحد.
وما بين الصرخات التي تصدرها ولايات التماس السودانية مع دولة جنوب السودان من حالة الانفجار السكاني للاجئين الجنوبيين يبقى المحك والسؤال المهم.. كيف ستعاجل الحكومة السودانية هذا الاستفحال من الوضع الذي تضرر منه مواطنو الولايات الحدودية.. وهل ستفكر الحكومة جادة في إعادة النظر تكييف أوضاع الجنوبيين؟.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية