حوارات

القيادي بالمؤتمر الشعبي الشيخ "إبراهيم السنوسي" لـ (المجهر) "1"

“إبراهيم السنوسي”، بعد سنواته السبعين، له خطوة شابة وتعبير حي وبشاشة بطعم الدنيا إذا أتت الرياح بما يشتهي، وبعد كل جملة يقولها ثمة أخريات تحت الغصة لا سبيل لاستدراكها، فالرجل خبير برسم الطريق..
وفي الصالون الرومانسي، لا سيما في المساء، إذا أُضيئ النور الأصفر وبرزت المنضدة والمراجع والقصاصات التي يكتب فيها سنوات السجن وذكريات الحركة، مروراً بالتحديات التي تواجه السودان في مقبل السنوات.. في ذلك الصالون المعدّ أصلاً للاجتماعات الرفيعة، طلب تنويره بالمحاور لينظم أفكاره، وأطلقنا نكاتاً تمهيداً للصراحة والشفافية، وانقضت ساعتان من الانسجام في بؤر قضايا الناس والوطن والحزب والحركة.. وكانت نجوم العاشرة مساءً شاهدة على الحزم والجدية لتوضيح الصورة على الطبيعة، وفي الأثناء ذاتها تلقى “السنوسي” مكالمة وأكرم (المجهر) بالقصة.. إنه ابن “علي الحاج” جاء من ألمانيا ونال الجنسية، وكان أيام المفاصلة طفلاً صغيراً، جاء الآن ليتزوج.. والحوار متشعب فإلى تفاصيله المحكية:
 
{ حدثنا عن منفستو الحركة الإسلامية؟
– كلمة (منفستو) إنجليزية ولا علاقة لنا بها، ولدينا دستور الحركة مكتوب منذ عام 1954 ومصدره القرآن والسنة يدعو للإسلام بالحسنى.
{ ولكنكم ظللتم نخبة؟
– نحن حركة قامت طلابية وشبابية، لكننا نعمل في وسط المجتمع ولا ننسي أننا حركة عالمية، لأن النبي “صلى الله عليه وسلم” أُرسل للناس كافة، والحركة متحركة مع تغيرات المجتمع، تتطور وتتقدم.
{ كيف تتطور وتتقدم؟
– بتطور السودان، فالديمقراطية الأولى في 1954م لن تكون هي ذاتها، والحركة تتطور بما يقتضي تنوع الحلول، كمثال، قضية الجنوب لامتحان قدرة توفير الخيارات، هم مسيحيون ونحن غالبية مسلمة، وكان التحدي كيف نحكم بالشريعة مع وجود آخرين، وتفاهمنا على مساحة واسعة لحرية اعتقاد الأديان.
{ القضية واحدة.. نأخذ مثالاً الاقتصاد والحريات؟
– كل شيء ناقشناه بدقة، الحريات المتعددة والاقتصاد، وأن لا يكون هناك ربا، فالربا محرم في المسيحية أيضا لأنه استغلال.
{ نرجع لدستور الحركة الإسلامية؟
– الدستور مع اكتمال صور أخرى كالفيدرالية يبني ملخصات وافية  لبناء وجهة نظر سياسية منسجمة، ونعدّ دستور 1998م نموذجياً وفيه الحقوق والواجبات، فالبرلمان لا يُحل بالمزاج، والطوارئ لا تُعلن إلا بموافقة البرلمان، وهذا الدستور وقّع عليه “البشير” رئيس الجمهورية.
{ كيف تحل التشابك بين الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني والحكومة التنفيذية؟
– التشابك موجود فقط في ذهنك، وفي فهمنا أن الحركة الإسلامية في أحشاء المؤتمر الوطني بمبادئها طبعاً، والمؤتمر مُلزم بتنفيذ كل السياسات.
{ هذا معناه أن وظيفة الحركة الإسلامية رسم خطي الدولة؟
– وظيفة الدولة منحصرة في توجيه السياسات والإشراف على دولة تسير على قيم، وتعمل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
{ كل ذلك النشاط والحركة بدون جسم واضح؟
– نعم، غابت الحركة الإسلامية بوجودها العضوي.
{ أُعلن عن قيام مؤتمر للحركة ومنعت الدعوة للمؤتمر الشعبي؟
– لا أريد التحدث عن هذا الموضوع، وما يخصهم لا ينبغي أن يخصنا، فالتقديرات مختلفة تماماً.
{ هم يدعون أنهم الممثلون الشرعيون للحركة الإسلامية؟
– احسبهم ولن تجد منهم واحداً حضر المؤتمر العام الأول، التقوا في حنتوب وخور طقت، انظر فقط لـ “يس عمر الإمام” ظل في الحركة لأكثر من نصف قرن، (هؤلاء صغار)، ومن حضر ذلك المؤتمر تجده مهمّشاً لا حول له ولا قوة.
{ ما نعلمه غير ذلك.. قرار حل الحركة الإسلامية بواسطة “الترابي”؟
– لم تُحل الحركة الإسلامية في يوم من الأيام أصلاً لأنها كانت قائمة قبل الإنقاذ.
{ أيهما أقوى في تقديرك.. بناء صلب للحركة أم قرار حلها نهائياً؟
– هم يقصدون حركة فيها الحريات معدومة، والعمل النقابي معطل، ولا فرصة للتظاهر والاحتجاج، وكيف لحركة قائمة على الشورى أن تدوس أن تفعل ما فعلت في الانتخابات.
{ تحدث كما تشاء؟
– نعم، وهناك إباحة الربا وهو عندنا أعظم من جريمة الزنا، والناس يضيعون في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، والحرب مستمرة.
{ والأفراد كوادر الحركة الإسلامية؟
– الشقي منهم من تم اكتشافه، وهم لا يعلمون أن الناس يعرفون عنهم كل شيء، والحركة بقيمها وليس شعاراتها، والكل الآن مدجج بالحصانات، وفي الإسلام لا حصانة لأحد، والمثال البارز الرسول “صلى الله عليه وسلم” حينما طلب منه الأعرابي أن يأخذ حقه فقبله على ظهره.
{ كل تلك العيوب موجودة في الحركة التي ترتب لعقد مؤتمرها العام مطلع نوفمبر القادم؟
– نعم، وما يقال عن مؤتمر الحركة يتناقض مع مبادئ الحركة الإسلامية التي نعرف ونفهم ونحفظ، حيث سلوك الأفراد متشابه في الدولة وعند الأفراد في أنفسهم.
{ إذن ما المرامي الخفية وراء تضخيم الحدث والإصرار عليه؟
– باسمها يأخذون شرعية ويدغدغون مشاعر المسلمين أنهم ما زالوا على الجادة، وأن هناك حركة تحكم، والصحيح أن ما يحصل الإسلام منه بريء.
{ لماذا تحجر على الآخرين بناء مؤسساتهم المعبّرة عنهم؟
– ليس صحيحاً أنني أحجر، وهم بعيدون عن بنائها الأول فكيف يعرفون تاريخها، ولأنني كنت معاصراً كل مراحلها فقد كانت لها أجهزة منتخبة، ومن بينها مجلس الشورى، له اختصاصات محددة ومدة وأجل، وآخرها أكمل مدته وأنجز مهمته قبيل مجيء الإنقاذ.
{ وكيف كانت مهمته بعد مجيء الإنقاذ؟
– قرر ذلك المجلس أن يتأنى في المجلس القادم لينضم إليه آخرون.
{ من هؤلاء الآخرون؟
– كان المجلس يضم المدنيين، والمقصود بالآخرين الأجهزة الأمنية.
{ الأجهزة الأمنية؟!
– العسكر.
{ قلت إنك واحد من (ستة) أتوا بالإنقاذ.. من هم الخمسة الباقون؟
– “حسن الترابي”، “علي عثمان”، “يس عمر الإمام”، “عوض أحمد الجاز” و”علي الحاج”.
{ إذن قلبك مليء بالأسرار.. حدثنا لو كان المجال يسمح؟
– كلهم أُنيطت بهم مهام في الإخراج، وحينما تموت الإنقاذ سنقول كل شيء.
{ ربما عملت ونفذت مع الأستاذ “علي عثمان” كثيراً من المهام الخطيرة.. هل تعرف الرجل جيداً؟
– كان بيني و”علي عثمان” علاقة عميقة جداً وحميمة مع أسرته، وبيننا تكليفات مشتركة قمنا بها في إطار التنظيم الواحد.
{ حدثنا عن عمل مشترك واحد؟
– عقب أحداث يوليو 76 وأنا محكوم عليّ بالإعدام، ومطلوب من قبل أجهزة أمن “النميري”، كان “علي عثمان” مسؤولاً عن تحركاتي، وهو الوحيد الذي كان يعلم بتحركاتي ومكان اختفائي.
{ (سبحان الله) تفرقت بكم السبل.. متى آخر مرة تقابلتما فيها؟
– لا أذكر.
{ إلى هذه الدرجة ضاقت المواعين؟
– هو (مؤتمر وطني) وأنا (مؤتمر شعبي).
{ المؤكد أن الحزب الآخر مطمئن أنك لن تفشي الأسرار الكبيرة؟
– ليس اطمئناناً، والإنقاذ أسرارها متعددة في صدور الرجال، وكل في موقفه وتكليفاته يمتلك نوعاً من المعلومات.
{ أين يوجد الصندوق الأسود للإنقاذ؟
– عند الأمين العام الدكتور “حسن عبد الله الترابي”.
{ (تعال أقول ليك).. أنتم في المجتمع السوداني مجرد حركة نخبوية؟
– الحقيقة الحركة بدأت طلابية شبابية في كنف الشباب، ثم أخذت أبعاداً شعبية من بعد أكتوبر وتكوين جبهة الميثاق ثم الجبهة، ونلنا في آخر انتخابات (50) مقعداً في البرلمان.
{ (50) مقعداً أغلبها في المدن؟
– (مين قال ليك؟).. طفنا السودان قرية قرية، الجميع سمع بنا وفي عهد “النميري” عندنا (9) وزراء.
{ الشعبية لا تقاس بعدد الوزراء؟
– نحنا حركة شعبية وليست نخبوية، ولم تكن معزولة أو صفوية.
{ بعد مفاصلة رمضان 1999 تم توجيه كوادركم في المؤتمر الشعبي بالتغلغل في المجتمع ووسط الجماهير؟
– ليس التغلغل، بل لمزيد من التغلغل داخل المجتمع ومنظمات المجتمع المدني.
{ كيف تقدر مساحة الحرية السياسية لأي بلد؟
– إن كانت هناك حرية وديمقراطية فالمجتمع يصبح هو الذي يأتي بالسلطة، ولن يغتصبها عسكر.
{ ولكن الإنقاذ جاءت بالعسكر؟
– سنردد كلاماً كثيراً قلناه من قبل لتوضيح هذا الجانب، فالكل كان يخطط للقيام بانقلاب عسكري.
{ كيف تنظر لواقع الإدارة الأهلية على سبيل المثال؟
– موجودة، ولا أحد ينكر أن الطائفية موجودة في الساحة، بل في كل العالم العربي والأفريقي، والطائفية في السودان في طريقها إلى زوال، وقياداتها سبب تمزقها مما لا يبشر لها بمستقبل، لأن منهجها يقوم على الفرد الزعيم، يأمر ولا يؤمر ولا يشاور.
{ وما هو سبب زوال الطائفية وهي معمرة منذ مئات السنين؟
– انعدام الحرية والديمقراطية في الطائفية هو سبب فنائها، وعدم وجود برنامج يلبي حاجات المجتمع المعاصر، حاجات الشباب في الفن والرياضة والاقتصاد، والتعرف على الخارج وماذا يجري في العالم.
{ قلت إن قيادات الطائفية سبب تمزقها.. هل تقصد الإمام “الصادق” ومولانا “الميرغني”؟
– أنا لا أتكلم عن أشخاص.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية