أحياناً كثيرة تناقض الحكومة نفسها، حيث إنها تجتهد بشدة في وضع قانون رادع على متعاطي التبغ وزارعيه، ذات الحكومة عبر سلطاتها الولائية والمحلية تفرض رسوماً كبيرة على زارعي هذا التبغ، بما يحفزهم على المزيد من الزراعة لأنه لا أحد يسألهم، يحدث ذلك رغم علمها بإضرار التبغ، فهؤلاء يساهمون بنسبة كبيرة في ميزانيات عدد من الولايات والمحليات، بل يشارك هؤلاء عبر نقاباتهم في دعم الخدمات.
قبل فترة لم تجد ولاية الخرطوم، من سبيل في حسم الجدل حول منع استخدام التبغ من عدمه إلا باستصدار توجيهات لمصانع التبغ بوضع صورة معززة لما يمكن أن يصيب متعاطي السجائر على وجه الخصوص مثلاً، وبالفعل ملأت هذه الصور علب السجائر المنتشرة في أرفف السوبر ماركت ومحلات الإجمالي، فلم يمنع هذا القرار أو يحد من استخدام التبغ.
التبغ بأنواعه المختلفة لا تمنع القوانين والتشريعات استخدامه أو تعاطيه، لأنه سلوك شخصي أكثر من كونه ظاهرة تتطلب من الدولة التدخل وحسم أرقام فلكية عن حالات الإصابة بالسرطانات جراء استخدام هذا التبغ سجلتها دفاتر وزارة الصحة، ولكن حال ذلك لم يحول بين الشخص واستخدامه له.
موضوع التبغ وحظره أو الحد من استخدامه يحتاج لعمل تثقيفي، ولبرامج توعوية، لذلك مطلوب من الحكومة أن تحول المبالغ الكبيرة التي تستقطعها من زارعي التبغ لصالح المعالجات المنطقية وليس بإطفاء الحرائق، لأن لهيب استخدام التبغ لن تنطفئ بين ليلة وضحاها.
وقرأت أمس على لسان رئيس لجنة الصحة بالبرلمان، “امتثال الريح”، عن تعديل على قانون التبغ، يُوقع عقوبات قاسية على مزارعيه بفرض ضرائب كبيرة عليهم، وإن القرار يتضمن إجراءات مشددة لمتعاطيه بمنع التدخين في الأماكن العامة خاصة المتعلقة بالأطفال والمشافي، كل هذا موجود، ولكن ما ليس هو بموجود، جدية وزارة الصحة الاتحادية والحكومة في التعاطي مع هذه المشكلة.
رئيسة اللجنة قالت: (إن التعديلات قامت بها وزارة العدل، التي أودعته قبل بضعة أيام منضدة مجلس الوزراء، توطئة لإيداعه منضدة البرلمان لإجازته، وتوقعت إجازته في الدورة المقبلة، المزمع قيامها بداية الشهر المقبل، لكن الأخطر في معلومتها التي رمت بها هي وصول نسبة النساء المتعاطيات للسجائر والتبغ و(الشيشة) إلى (2%) من جملة سكان البلاد، بينما بلغت عند الرجال (18%)، توقفت عند نقطة مهمة نادت بها رئيس اللجنة وهي: فكانت تضمين نصائح للطلاب بخطورة تعاطي التبغ من خلال المناهج الدراسية، وفعلا يمكن أن يكون هذا هو طوق النجاة من استخدامات الطبق، على المدى المتوسط، الحكومة تحتاج أن تعزز من ثقافة خطورة تعاطي التبغ، في أجيال المستقبل، لأنك لا يمكن أن تقنع من يتعاطون التبغ اليوم على الإقلاع منه، ولكن عندما يكون الأمر مرتبطاً بالتنشئة، فإن صداه يكون أوقع وسيقلع الجيل الحالي من تعاطيه له، وهذا هو المطلوب لأن القوانين ليست هي السبيل لحسم المشكلة.
والله المستعان.