خطب مجلس
لم نشاهد ونتابع برامج التلفزيون القومي بشغف مثلما تابعها الشعب الاثنين الماضي، وجلسة مجلس الوزراء يتم بثها كاملة للرأي العام؛ ليقف على مستوى الحوار والنقاش داخل أكبر مؤسسة تنفيذية في البلاد، فهل فاجأ التلفزيون السادة الوزراء ببث الجلسة، أم أحاط الرئيس وزراءه قبل بدء الجلسة، التي كشفت عن ضعف الملكات الخطابية لبعض الوزراء، وتهافت آخرين على الاتفاقية مدحاً أذهب عنهم الوقار أمام الشعب؟!.
خلع الدكتور “عبد الرحمن أحمد الخضر” عباءة الحكمة وسعة الأفق وتحدث عن أجهزة الإعلام بما لا يشبه “ودالخضر” الودود المثقف، فتقمصته روح شريرة، ودعا جهراً لإغلاق صحيفة لم يسمها، ولكنه كان يترصد الزميلة (الانتباهة) في تعدٍ صريح للقانون وجهر بالسوء في أكبر مؤسسة تنفيذية بالبلاد.. نعم نختلف مع “الطيب مصطفى” في منهجه ودعوته، ولكني أقف مع حق (الانتباهة) في الحياة وحقها في التعبير عن رؤيتها لقضية سياسية، ولا ينبغي إهدار قدسية المبادئ؛ حرصاً على مكانة الأشخاص وأفعالهم.. والاتفاقية الموقعة مع الجنوب جهد بشري لا يرقى لمرتبة الكمال والعصمة عن النقد والتحليل والتشريح، وقد وجدت من التأييد ما يدفعها لتبقى وتعيش، ولا ينتقص منها نقد متحاملا أو متربص..
و”الطيب مصطفى” وأصحابه نختلف معهم في ازدراء الناس وتحقيرهم وتسفيه آراء المخالفين ووصمهم بأقذع الأوصاف، ولكننا نقف أمامهم دفاعاً عن (الانتباهة) الصحيفة التي وجدت من يقرأ ما يُكتب بها.. ومضى على درب الدكتور “عبد الرحمن الخضر” والٍ آخر، هو مولانا “أحمد هارون” الذي طالب الرئيس باتخاذ إجراءات استثنائية في مواجهة الأقلام والصحف التي ترفض الاتفاقية أو توجه نقداً لنصوصها، وقد انصرف الرئيس عن حديث “هارون” ليهمس في أذن الدكتور “الحاج آدم يوسف”، وحديث “هارون”
يكشف عن طبائع الاستبداد المعاصر وضيق الصدر والانحراف بالقضية من الشأن العام لجراح الذات والنفس التي يعاني منها “هارون” بعد أن طالبت أقلام شخصية بالاستقالة؛ لأسباب عددها هؤلاء الكُتاب والسياسيون، فرض عين وضرورة، تمليها حقائق الواقع على الأرض.
وحديث الأخ الوالي “أحمد هارون” في مجلس الوزراء خلط فيه بين المبادئ وما في النفس من شيء.. وتلك من أسوأ الأدواء، وقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بإتباع سنته على الإطلاق؛ لأنه معصوم (عليكم بسنتي)، ثم أمرنا بإتباع سنة الخلفاء من بعده، لكنه قيدها بشرط (الرشد)، وهنا حينما (يفتقر) القادة والرموز للرشد تسقط أقنعة زائفة، وتتعرى الأجساد من الثياب المستعارة، وقد بدا والي شمال دارفور “عثمان يوسف كبر” كبيراً في نظرته لقضية الاتفاق.. لم يهتف ولم يصمت يوم الحديث، والجهر بالرأي والحكمة اللتان تحلى بهما الرئيس في تعقيبه على (مداخلات) أعضاء المجلس أسقطا دعاوى “الخضر” بإيقاف صحيفة، ولم الرئيس يلتف لمطالب “هارون” باتخاذ التدابير والإجراءات الاستثنائية، وبلادنا رزئت بالإجراءات الاستثنائية؛ حتى شبعت واتخمت، ولكن دعاة الاستثناء لا يزالون في أنفاقهم القديمة، و(إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَّ)!!