الديوان

معهد سكينة لذوي الاحتياجات الخاصة.. عكازة (أمل) في (زمن كسيح).

(قراب منك) تبدد وحشته وتعيده سيرته الأولى.

أم درمان ـ هبة محمود
ظل لأكثر من ثلاثين عاماً، عبقا تاريخياً وإرثاً أم درمانياً عريقاً يحوي بين جنباته مئات القصص لذوي الاحتياجات الخاصة، الذين ارتبطوا بالمكان وارتبط بهم، وبحالاتهم الإنسانية عقب مجهودات مؤسسة “د.فيصل محمد مكي” ومحاولاته الدؤوبة لانتزاع الفكرة الشائهة داخل الأنفس والأذهان عن شريحة أطفال التوحد والمعاقين ذهنياً وقتذاك، وإبدالها بفكرة أن المعاق يمكن أن لا (نخجل) منه، فكان معهد سكينة يبث الطمأنينة ويحيي الأمل في النفوس (اسماً) و(فعلاً).
وعلى الرغم من القيمة الإنسانية المتعاظمة للمعهد إلا أنه ظل مهملاً يعاني الوحشة والإهمال، فبدا وكأن الحياة غادرته مذ وقت بعيد عقب رحيل ” د. فيصل فأصبح لا يحوي إلا قدرا ضئيلا من التلاميذ لا يتجاوز عددهم الأربعين تلميذاً، وهو الذي كان يعج يوماً بـ(٦٠٠) و(٧٠٠) تلميذ، إلى أن كانت (قراب منك) وهي مبادرة طوعية نظمها (أمس الأول) في لفتة إنسانية بارعة، مجلس الشباب العربي والأفريقي بشراكة ذكية مع (مجموعة جانا الطوعية _ جمعية الهلال الأحمر السوداني _ مفوضية العون الإنساني _ الشرطة الشعبية)، لإعادة تأهيل المعهد إيذانا بالاحتفال بعيد الأم يوم السبت القادم ٢٤مارس، كما سيشهد الاحتفال ختاماً للمبادرة التي انطلقت في ديسمبر من العام الماضي.
وتأتي ( قراب منك) في مرحلتها الثالثة والأخيرة، متضمنة للعديد من القيم الإنسانية النبيلة من أجل الوقوف إلى جانب شريحة مجتمعية هامة، وتقديم العون لها وخلق بيئة مناسبة لها، في ظل غياب تام من قبل الجهات المسؤولة، فشملت مراحل المبادرة الثلاث عمل (نظافة _ ردميات _ شتول _ تركيب مكيفات _ ترميم الفصول الدراسية ودهنها _ طلاء الجدار الخارجي للمعهد وعمل اشكال ورسومات).
مساحة شاسعة من الحب
لم تقف مساحته الشاسعة التي ربما قاربت الألفي متر، فرغ الشباب المتطوعون من أداء مهمتهم رغم سخونة الأجواء، ولكن إيمانهم بقيمة المعهد وما يقدمه، جعلهم يهرعون لتلبية نداء الإنسانية دون قيد، فكانوا أيادي بيضاء تقدم الخير وتنبض بالجمال، وهم يقسمون العمل فيما بينهم .. يد تزيل الأنقاض وتقتلع اليابس لتبدله اخضر يانعاً، وأخرى ترسم أجمل اللوحات وأزهاها على جدران المعهد الخارجية لتبدد بريش ممسكيها وحشة المكان وبؤسه.
ظل الشباب (سارة فيصل) تشكيلية _ (ايمان عبد الرحيم) طبيبة (حسين عبد الله) مصمم كوش) ورفاقهم الذين بلغوا ٢٤ شاباً وشابة من مختلف التخصصات يعملون في شكل متناسق لا يجمعهم شيء سوى الانتماء للعمل الإنساني والطوعي، فكان المحفز والدافع الأساسي “لسارة” التي تعمل متطوعة بدار أيتام، هو العمل الإنساني الذي اعتادت عليه من خلال مشاركاتها عبر مجموعات ومبادرات أخرى، جادت أناملها عبرها بأجمل الرسومات على جدران المدارس فأكدت لـ(المجهر) أن إعجابها بالفكرة نتاج الاهتمام بشريحة يكاد يكون الاهتمام بهم معدوماً.
أما ” إيمان عبد الرحيم ” فأكدت أن تحمسها للمبادرة تولد نتاج العمل الانساني البحت، الذي تخوض غماره لأول مرة وهي تترك برسوماتها أثراً جميلاً زاهياً على جدران المعهد سيجعلها تحكي عنه ، وتشير إليه كلما أتت المكان، وقد قطعت أن الخطوة إيجابية تدل على أن الناس فيها خير بحد تعبيرها. وبالمقابل يرى “حسين عبد الله” أن البيئة النظيفة التي يحتاجها الأطفال لتلقى تعليمهم بشكل جيد كما هو الحال في بقية المؤسسات هو ما جعله حضوراً بين عقد الشباب المتطوع.

عمل طوعي

الأمين العام لمجلس الشباب العربي والأفريقي “عوض حسن” قطع لـ(المجهر) أن أحد أهم أهداف المجلس هو نشر ثقافة العمل الطوعي، مشيراً إلى أن الفكرة هي أن يتم الاحتفال باليوم العالمي للتطوع بإحدى الدور والوقوف على احتياجاتها وقد كان الاحتفال في ديسمبر الماضي بمعهد سكينة، لافتاً إلى أن مبادرة إعادة تأهيل معهد سكينة تأتي ضمن مبادرات المجلس لعدد من دور الرعاية الاجتماعية، فيما قطع باستمرار المبادرات والمجهود الطوعي لبقية معاهد ذوي الاحتياجات الخاصة، وقال: (كل ما نخلص من حتة حنمشي حتة تانية)، وزاد جاري الآن الاتصال مع وزارة الرعاية الاجتماعية للقيام بدورها المتكامل تجاه معهد سكينة، ولابد من وجود دعم ثابت للمعهد.
وفي الأثناء أكد الممثل الإقليمي للرابطة الإقليمية للجهود الطوعية ومطلق المبادرة (قراب منك) وعضو مجموعة (جانا) “أسامة مصطفى” لـ(المجهر) أن المبادرة تأتي ضمن المبادرات التي تطلقها مجموعة جانا الخيرية والتي تهدف إلى تشبيك المجتمع ونشر ثقافة العمل الطوعي بالبلد، بجانب استهداف المناطق المهشمة ومراكز التوحد.
فيما أوضح الأستاذ ” صهيب الجيلي” المدير الإداري لمجلس الشباب العربي والأفريقي أن الحملة لا تعد الأولى وقد سبقتها مبادرات وحملات لدور المسنين بجانب الوقوف بجانب الطلاب الأجانب، وهو ما درج عليه المجلس، كما كشف عن تواصل الحملات الطوعية في شهر رمضان وتقديم مساعدات للأسر المتعففة.

مقشاشة ودور كبير

جنباً إلى جنب حمل (مقشته) وبدأ العمل مشاركاً الشباب المتطوعين في المبادرة، ينظف الحديقة التي توسطت المعهد بعد أن اكتست حلة زاهية من مختلف الشتول أضفت مشهداً رائعاً يسر الناظرين، بينما اعتلت ملامحه فرحة مستترة وهو يرى تبدد الوحشة التي رافقت المكان وقتاً طويلاً قبل أن تأتي المبادرة لتحيل الوضع لآخر فكان “علاء الدين مكي” نائب المدير وشقيق الراحل “د.فيصل” أكثر سعادة، وهو يؤكد لـ(المجهر) طيب المبادرة وبراعة اللفتة، لافتاً إلى عدد من المبادرات التي قدمت للمعهد، إلا أنه يصف مبادرة قراب منك بـ(الكبيرة)، مشيراً إلى أن المعهد يعد أول معهد أنشيء بالسودان، تأسس عقبه عدد من المعاهد الأخرى المختلفة، وكان يأتيه الدعم بصورة مستمرة، إلى أن انقطع عقب رحيل دكتور فيصل وأصبح بعد ذلك يعاني الإهمال.
شكا “علاء” من مشكلة الترحيل التي يعاني منها معهد سكينة حيث أنه يملك عربة واحدة لجميع مدينة أم درمان، الأمر الذي جعلهم كإدارة به يرفضون قبول أي معاق خارج أم درمان إلا عقب التزام والديه بترحيله، وقال: عندنا مشكلة في الترحيل وبسبب ذلك أصبح عدد التلاميذ مابين ٣٠ _٣٥ بعكس ما كان عليه، أبان فيصل الذي كان يسعى لأن يكون معهد سكينة قومياً لكل السودان.
وبعيداً عن “علاء الدين” كان هاشم آدم (الوحدة الفنية) بمجلس الشباب، يحمل كاميرته يوثق للمبادرة كما هي عادته التي تقتضيها مهنته، وهو يتجول بين الشباب المتطوع تارة خارج المعهد يوثق للشباب الذين اختاروا من أقدامهم مكاناً للجلوس عليها، وهم يمارسون مهنتهم (الرسم على الجدران الخارجية للمعهد)، وتارة بين الذين اختاروا لأنفسهم أمر النظافة ونقل المخلفات خارجه، فأكد لـ(المجهر) أن الفنانين التشكيليين منهم هاوون ومنهم من يتبعون لـ(قلرينا) و(مجموعة الشمائل الثقافية) ومجموعة من جامعة الأحفاد، قاسمهم المشترك هو العمل التطوعي والإنساني.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية