تقارير

(المجهر) تنقل بالكلمات والصور من المنشية الذكرى الثانية لانتقال الشيخ “الترابي”

"عبد الله دينق نيال" يروي قصة زجر الترابي لـ"محمد حسن الأمين" في رحلة ولاية النيل الأبيض

“غازي صلاح الدين” يكشف عن صفات “الترابي” في القيادة.. و”مصطفى عثمان إسماعيل” يحكي عن تجربته العالمية مع الحركات
الدموع تبلل خدود الصائمين في دعاء الشيخ “أبو ذر التجاني” و”سيف الدين حسن” يدهش الحضور بتوثيق نادر
الخرطوم – طلال إسماعيل
لم يتحمل الحضور بمنزل الشيخ “حسن الترابي” بالمنشية دعاء الشيخ “أبو ذر التجاني” عقب صلاة المغرب يوم أول أمس الاثنين لفقيد البلاد والمفكر الإسلامي في الذكرى الثانية لوفاته، فانهمرت الدموع تبلل الخدود.. صوت الشيخ “أبو ذر” ومن خلفه صورة كبيرة للشيخ “الترابي” كانت تبعث في نفوس الصائمين شجناً وذكريات عديدة مع زعيم الحركة الإسلامية بالسودان ومؤسسها وأحد أهم صناع تاريخ السودان الحديث.
توافد المئات إلى بيت “الترابي”، تحملهم عهود مع الرجل، ووعد بالحريات والشورى وبسط العدل بين الناس، وتحولت أسرة الشيخ إلى خلية نحل تستقبل عند مدخل الباب، وتخدم في المطبخ، وتقف على آخر الترتيبات والشمس تؤذن بالمغيب.
{ فيلم وثائقي نادر
على شاشة ضخمة كان المخرج “سيف الدين حسن” يخرج نوادره التلفزيونية في فيلم وثائقي لم ير النور بعد عن حياة الشيخ “حسن الترابي”.. المشاهد من قرية “ود الترابي”.. تسجيلات ومقابلات نادرة مع السيدة “وصال المهدي” ورموز الحركات الإسلامية العالمية.. نصف ساعة والأنظار لا تفارق الشاشة، الدموع تتسلل بين لقطة وأخرى، الحنين والأشواق تأخذهم إلى مواقف كل واحد منهم مع الشيخ.
بعدها ثمن “صديق حسن الترابي” مجهودات إخوانه، وأشار إلى منهج الشيخ في استحضار التاريخ الهجري لحوادث الدهر.
المنصة الرئيسة كان يجلس عليها “غازي صلاح الدين” و”عمر شمينا” و”مصطفى عثمان إسماعيل” و”خديجة كرار” و”نوال مصطفى” و”نجوى عبد اللطيف” و”عبد الله دينق نيال” و”عثمان البشير الكباشي” و”سليمان حامد”، وجاء الشيخ “إبراهيم السنوسي” من مطار الخرطوم إلى المنزل عقب عودته من العاصمة التشادية أنجمينا، وجلس “عبد الله أبو فاطمة” يستمع.
{ “غازي صلاح الدين” وسياحة في مهارات “الترابي”
لم يرض “غازي صلاح الدين” تقديمه برئيس حركة الإصلاح الآن في بيت “الترابي”.. “غازي” تكلم عن سياحة في شخص “الترابي” وملكاته ومهارته، وقال إن الفقيد في بناء حركة سياسية مهما قيل في نقدها فإنها ما زالت صامدة وقليلاً ما تجد في التاريخ شخصاً مفكراً وقادراً على فهم قضايا العصر ومنظماً في ذات الوقت، أغلب الظن أن المفكر ليس كفؤاً في التنظيم ولكن إذا اجتمعت في شخص الفكرة والتنظيم فهذا من باب القوة، وزاد بالقول: (جعل شخصية الترابي شخصية جاذبة للشباب خاصة وأن الشعور الملح لدى الشباب بعد الخمسينيات بعد خروج المستعمر قادهم للتفكر والتدبر ماذا نفعل؟ ولذلك بالنسبة لي في تلك الفترة كشاب كان التحول كلية نحو فكرة أن الإسلام هو الحل، فيما بعد طبعاً تنزلت من هذه الشعارات كثير من الأفكار ولكن رغبة أي شاب أن يكون حديثاً بمعنى أنه في عالم الحداثة ومدركاً لأدوات الحداثة ومقتضياتها وأن يكون متديناً.. هذا غاية ما كان يبتغيه الشباب في ذلك الوقت.. ومن صفات القائد المهمة جداً أهم صفة أن تكون ملهماً بأفعالك وأقوالك وعطائك شجاعتك، وجمع “الترابي” بين هذه الصفات واستطاع أن يكون متقدماً على الآخرين، أن يكون ملهماً وأن يكون قائداً، هو جسد لنا فكرة الانتماء إلى عالمين العالم الإسلامي بكل ما يحمله الإسلام من وعد وما تحمله الحركة الإسلامية من تبشير وطاقات جديدة تتفجر).
وأضاف: (وقد تجسدت فيه شخصية القائد لأن في سيرته أنه درس في فرنسا وبريطانيا وكان حريصاً في ملبسه أن يجمع بين الأصالة والحداثة.. وهكذا، وهذه الجوانب كانت ملهمة وكثير من الشباب رأوا فيه القائد الذي يمكن أن يحل إشكالية الحداثة والعصر والالتزام، لذلك كثيرون اتبعوه حتى في طريقة ملبسه وكلامه وهو كان حريصاً على أن ينقل التجربة للآخرين، وكثير من القادة يضن على تلاميذه بالمهارات والكفاءات التي يملكها هو كان يحاول ويتوخى أن يرسل الكلمات وقد تكون ملاحظة ساخرة أو تقطيباً للوجه لكنها تكون بالغة الأثر، وكان يحرص على تعليم التلامذة حتى في مسائل المأكل والمشرب).

{ “عبد الله دينق نيال”: “الترابي” يقدم دروساً عملية في الحريات
حكى “عبد الله دينق دينال” عن علاقته مع الراحل، وقال إن الشيخ “الترابي” قدم درساً عملياً في الالتزام بقضية الحريات وذكر أنه خلال جولة لهم مع “الترابي” في ولاية النيل الأبيض.. تعرض “الترابي” لنقد من أحد الطلاب، حاول “محمد حسن الأمين” أن يهاجمه، لكن “الترابي” أوقفه. وأشار “عبد الله” إلى أن “الترابي” طلب منهم الالتزام بنهج الحريات في ممارستهم حتى لو كانت الانتقادات ضدهم.
{ “مصطفى عثمان إسماعيل”: علاقتي بالترابي بدأت عندما كنت طالباً في المدرسة الوسطى
قال وزير الخارجية السابق والسفير “مصطفى عثمان إسماعيل”: (علاقتي بالترابي بدأت عندما كنت طالباً في المدرسة الوسطى بالقولد بعد ثورة أكتوبر، حيث جاء إلى الولاية الشمالية، إلى القولد، ومعه الشيخان الراحلان الجليلان شيخ يس عمر الإمام ومحمد صادق الكاروري ومعروف منطقتنا يتنازعها الحزبان الكبيران الأمة والاتحادي الديمقراطي، وتم تحريض الجميع حتى لا يأتوا لهذه الندوة ولكن نصب المايكروفون وطلب الدكتور الترابي من الشيخ محمد صادق الكاروري أن يتلو القرآن وظل يتلو ويتلو والناس تتجمع حتى امتلأ الميدان، وكانت تلك الندوة من أنجح الندوات أنا دائماً أذكرها لأنني كنت في المذاكرة وناظر المدرسة حذرنا من أن يذهب أحد إلى الندوة وبعد التمام قفزت من الشباك ثم من الحائط وذهبت إلى الندوة، وجاء الأستاذ المشرف الذي يبدو أنه جاء متلصصاً للاستماع للندوة وطلب مني المغادرة، وبعد نقاش حاد جلسنا الاثنان نستمع للندوة، ولكن خرجت بالجد منذ ذلك التاريخ لم تنقطع صلتنا بالدكتور الترابي).
وتناول “مصطفى عثمان” تأثير “الترابي” في العلاقات الخارجية للحركات الإسلامية وأضاف: (إن جاز لي أن أتحدث عن دور الترابي وفهمه للعلاقات الخارجية وعلاقاته بالحركات والمجتمعات الإسلامية دعوني أذكر أن من صفات الأنبياء التبليغ والفطان.. الترابي كان يحمل فكرة ويعرضها بكل الحجة والمنطق الذي تقنع الآخرين ولكنه في نفس الوقت كان شجاعاً في عرض الفكرة، كنت معه في بريطانيا وكانت الحرب العراقية الإيرانية الأولى على أشدها، وكنت أدير الندوة في مدينة كاردف وعادة الأسئلة تجرجر المتحدث إلى إجابات إما تكون واضحة فتدخلك في الخطوط الحمراء التي لا تريد أن تتخطاها وإما أن تجامل وتجيب، لذلك فضلنا أن تكون الإجابات بالأوراق من كان له سؤال يكتبه ويرفعه، وأنا كنت أقرأ السؤال واضع السؤال المحرج بجواري.. وأنا منهمك في اختيار الأسئلة فجأة اكتشفت أن شيخ الترابي يجيب عن الأسئلة التي حظرتها.. كان جريئاً وشجاعاً ولا يجامل، وهذا الذي جعل الحركات المسلحة تجد في الحركة الإسلامية السودانية ما هو جديد في الطرح).
وزاد “مصطفى”: (الدكتور الترابي كان يحرص جداً على ألا ترتبط المبادئ والقيم بالأشخاص وإنما تظل هذه المبادئ والقيم فإذا ما اختفى قائد المجموعة أو الزعيم أو غيره تظل هذه المبادئ تنتقل من جيل إلى جيل، وهذا السر الذي جعل الكثير من الحركات الإصلاحية تندثر بمجرد اختفاء قائدها، الدكتور الترابي اهتماماته كانت خارج السودان.. صحيح تأثيره داخل السودان معروف لكني صحبته لمجتمعات إسلامية وحركات إسلامية، وأذكر أننا ذهبنا إلى أفغانستان في وقت دب الخلاف بين المجاهدين والأفغان، وأذكر جلسة بين الشيخ الترابي وأحمد شاه مسعود، ووجدت أن أحمد شاه مسعود كأنه تشرب الفكر الذي يتحدث عنه الترابي، بالرغم من أن زيارتنا لأفغانستان شملت لقاء رباني وأحمد شاه مسعود وسياف وحكمتيار وجلسنا عدة أسابيع إلى أن تم حسم الخلاف بين المجاهدين، لكني لم أجد أحداً استوعب الفكرة التي يدعو لها الترابي مثل أحمد شاه مسعود، لذلك في أفغانستان تجد إرث الترابي يدرس عند الكثير من الحركات الإسلامية وما زالت تحافظ عليه، وفي بريطانيا يعرف الترابي عند الحركات الإسلامية من مختلف الأجناس).
وقال “مصطفى”: (الدكتور الترابي ارتحل ولكن بقي فكره، لأن الفكرة ارتبطت ببلاغ، عندما تتحدث عن الدكتور الترابي في العلاقات الخارجية تتحدث عن الدبلوماسية الرسالية بمعنى الكلمة ولكنك في نفس الوقت تتحدث عن الترابي إذا أردت أن تقول هذه هي الدبلوماسية الحديثة.. يعني الترابي في مظهره وملبسه كان متميزاً حقيقة، علّمنا كيف نلبس الشال ونطوي العمة وكيف نلبس الكارفتة وكيف نهتم بهندامنا، هذه كانت واضحة بالنسبة لكل من عاش مع الدكتور الترابي.. كذلك الجرأة في الطرح كانت موجودة دائماً لو تذكرون عندما حصل الغزو العراقي للكويت الجولة التي قام بها د. الترابي ومعه مجموعة من العلماء كانوا يحذرون من التدخل الخارجي في المنطقة ونتائجه ما نشده اليوم في الأمة العربية والإسلامية.. هو كان لا يخفي رأيه ويجهر به سواء أكان أمام سلطان أم حركات إسلامية، ما يؤمن به كان يعبر عنه بكل جرأة وإخلاص، حياته كلها كانت هكذا وهموم بالدعوة وشأن المسلمين في شتى أرجاء العالم، لذلك أعتقد نحن اليوم عندما نحيي ذكرى د. الترابي نحيي مبادئ تأصلت وتجذرت ومواقف تأصلت، ونحيي أيضاً تجربة مهما واجهها من عقبات وتحديات لكنها أصبحت تجربة نموذجاً حتى ولو حدث ما حدث في السودان هذه التجربة تجدها في تونس والغرب وفي الشرق).
{ “الترابي”.. حقوق الإنسان والحريات والحكم الفيدرالي
درس “الترابي” الحقوق في جامعة الخرطوم منذ عام 1951 حتى 1955 حتى حصل على شهادة عليا في القانون، ثم سافر إلى بريطانيا، وحصل على الماجستير من جامعة لندن وبعد عودته إلى وطنه عمل أستاذاً في جامعة الخرطوم.. ثم تولى “الترابي” عمادة كلية الحقوق بجامعة الخرطوم.. يقول أستاذ القانون بجامعة الخرطوم “عمر شمينا”: (كان يدرس حقوق الإنسان بالتفصيل ويشرحها بالتفصيل، وكان يعقد الندوات لمناقشة هذه المسائل ويطرحها للمشاركة حتى يكون هنالك أثر على لجنة الدستور.. كان السودان يحكم بالنظام البرلماني وكنا لا نعرف شيئاً عن النظام الرئاسي وخلافه فدرسنا النظام الرئاسي رغم أنه خارج عن المقرر، وكان يعقد حوله الندوات ويتكلم عنه وكان قليلاً ما يتكلم ويشجعنا على أن نتكلم وكنا في بعض المرات نذهب إليه و”نتونس” معه و”نسة عامة” وكانت العلاقة علاقة الأستاذ والأخ الأكبر.. والمسألة الثالثة التي لم تكن معروفة بالنسبة لنا كانت مسألة الحكم الفيدرالي وكان يتكلم عن الحكم الفيدرالي والجنوب وكان يشرحه لنا رغم أنه لم يكن موجوداً في المنهج، هذه ثلاثة أشياء مر عليها أكثر من نصف قرن وما زالت في مخيلتي).
{ “شمينا”: بعد (40) عاماً من تدرسينا لفكرة المحكمة الدستورية نفذها في دستور 1998
وأضاف “شمينا”: (هذا نهجه في التعليم الجامعي الذي يربط العلم مع الحياة، وفي دستور 1998 تكلم معي ليدخلني في لجنة الحريات وطلب منا أن نتكلم بصراحة لأنه مهتم بها وكانت هي ما عكف عليه من فكر ومبادئ، ثم بعد ذلك استمرت العلاقة وطلع دستور 1998.. إنشاء المحكمة الدستورية كان من أفكار حسن الترابي، يتكلم منذ أيام نحن طلاب لا يمكن أن نتبع النهج الإنجليزي بعد الاستقلال وتكون المسائل الدستورية في المحكمة العليا، ومثلها ومثل أي قضية حول الأرض لازم تكون هنالك محكمة دستورية.. الفكرة في رأسه، وبعد أربعين عاماً حققها على أرض الواقع.. هذه إضافة للفكر الدستوري وكيف يحكم السودان.. المحكمة الدستورية كانت تقوم على مسألتين الحفاظ على الحكم الفيدرالي الولائي والخلاف بينه بين الحكومة، والحريات العامة ومن قرأ قانون المحكمة الدستورية الذي وضع عام 1998 تدور حول هاتين الفكرتين).
وزاد “شمينا”: (من الحاجات التي أخضع استاذي الترابي فكره لها أنه لم يخضع ولم يتقيد بالنظم الدستورية الموجودة في العالم، النظامان الجمهوري الأمريكي والبرلماني البريطاني، فأدخل مبدأ الهجين في دستور 1998 النظام البرلماني الرئاسي، بمعنى أن يكون هنالك رئيس جمهورية ورئيس مجلس وزراء والاثنان يعملان في الأمور العامة، وتجربة حكم 1965 كنا في النظام البرلماني الإنجليزي ثم في فترة مايو جربنا النظام الجمهوري).
{ “عثمان الكباشي” يتناول رؤية “الترابي” حول الجماعات الإسلامية والسلفية والطرق الصوفية
قال “عثمان الكباشي”: (الترابي دائماً يأتي من المستقبل، لأنه معني بالمستقبل مستقبل الآخرة ومستقبل الأمة والمسلمين كيفما كانت تحدياتهم، الشيخ ما كان ينظر إلى نفسه أنه قائد لجماعة وإن كان قائداً لجماعة لأكثر من 50 عاماً، الجماعة في نظره هي أمر عابر ووسيلة محدودة لكن الذي يسيطر عليه هو الأمة، ويبحث دائماً عن المشتركات بين المسلمين حتى صارت منهجاً لهم من جماعة الميثاق الإسلامي التي جمعت الطرق الصوفية مع السلفية، بالإضافة إلى جماعة الإخوان المسلمين، وبحث عن تحالف أوسع مع حزب سانو الجنوبي ومع حزب الأمة وليس المهم ذلك الشكل ولكن المهم أنه كان يبحث دائماً عن وعاء أكبر ليعبر عن حركة الإسلام ويدفع به، ليس للنصرة السياسية والحشد الانتخابي ولكن المهم عنده كانت نصرة قضية الإسلام، لذلك حاول أن يؤسس لهذا الخطاب الذي يتجاوز جماعته ويتجاوز حزبه ويتجاوز التكوينات الضيقة، وتدرج بجماعته التي تؤمن بالقاعدة الصلبة وكان يحطم القيود عندما تستقر الحركة الإسلامية في شكل من الأشكال، وكان يتطلع لشكل أوسع).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية