في ذكرى الانتقال الثانية للشيخ “حسن الترابي”.. (المجهر) تنقب عن الأثر الباقي
اهتمامه بالتفاصيل الصغيرة في خضم الأحدات الكبيرة من أهم مميزات شخصيته وجعلت منه شخصية استثنائية
الشنقيطي: ليس من السهل لغير المتمكنين من ناصية اللغة العربية أن يستوعبوا جميع كتابات “الترابي” بعمق
الترابي: من أخطر الابتلاءات التاريخية التي تُجابه الحركات هي أن تتحول من حيث لا تدري من دعوة منفتحة مقبلة على الناس إلى طائفة مغلقة
الخرطوم – طلال إسماعيل
إذا سألت المقربين من زعيم الحركة الإسلامية ومؤسس مدرسة التجديد في الفكر الإسلامي الشيخ “حسن الترابي” عن أهم مميزاته التي جعلت منه شخصية استثنائية شغلت الرأي العام كثيراً، لوجدتهم يتفقون بعبارات مختلفة على أنه يهتم بالتفاصيل الصغيرة في خضم الأحداث الكبيرة)، ولا يكادون يفترون من استحضار الكثير من الأمثلة على ذلك.
انتقل الشيخ “الترابي” في الخامس من مارس من العام 2016 م بعد أن نقل من مكتبه بالمركز العام للمؤتمر الشعبي صباح يوم (السبت) إثر علة لم تمهله طويلاً بمستشفى رويال كير، ليترك أسئلة عديدة حول أهم مشروعه استودعه مخازن الأسرار لدى أهل الخاص من الرجال “المنظومة الخالفة المتجددة”، وماهو مصير المؤتمر الشعبي؟
ولد الشيخ الدكتور “حسن عبدالله دفع الله الترابي” في 25 /رمضان/ 1350هـ الموافق الأول من فبراير في العام 1932 بمدينة كسلا شرق السودان، حيث كان والده قاضياً شرعياً بالمدينة، وقد كان لوظيفة والده الأثر في تجوله أنحاء عديدة من السودان حيث عاش في طفولته وشبابه الأول في عدة مدن، كما أنَّ والده اهتم بتعليم أبنائه العلوم الشرعية من قرآنٍ وحديثٍ وعلوم اللغة العربية من أمهات الكتب، وعن ذلك يقول الشيخ “الترابي” إنه لما بلغ المدرسة الوسطى كان له راتبٌ شهري من مصادر العلوم الشرعية يتعين عليه الرجوع إليها حتى إذا عاد إلى منزل الأسرة خلال عطلات نهاية الأسبوع، كان عليه مراجعة ما تحصله من معارف مع والده.
تلقى الشيخ الدكتور “الترابي” تعليمه النظامي في مدن مختلفة حيث درس المرحلة الوسطى بمدينة ود مدني والمدرسة الثانوية بمدرسة حنتوب الشهيرة شرقي ود مدني ثم التحق بدراسة القانون بجامعة الخرطوم بين الأعوام 1951-1955 ثم نال شهادة الماجستير من جامعة لندن في خلال عامي 1957-1959م، والدكتوراه من جامعة السوربون بفرنسا في العام 1964م. تمكنه المبكر من دراسة اللغة العربية وإطلاعه الواسع على مصادرها الأساسية مكنه من إجادة اللغتين الإنجليزية والفرنسية بطلاقة شديدة ثم اللغة الألمانية في وقت لاحق، فور عودته من الدراسة العليا في أوائل العام 1964 انخرط أستاذاً بكلية القانون بجامعة الخرطوم وتولى عمادتها لبعض الوقت، ولكنه ما لبث أن استقال وتفرغ لقيادة الحركة الإسلامية.
آخر نشاط اجتماعي للترابي قبل وفاته
في صلاة (الجمعة) بمسجد القوات المسلحة، القى “الترابي” خطبته الأخيرة، قال إن السودان ما زال يحافظ على قيم الوفاء بعقود الزواج أكثر من الحفاظ على العقود التجارية، ودعا الشباب بالإقدام على الزواج وعدم الخوف من سبل المعيشة.
وأشاد “الترابي” في خطبة لثلاث زيجات بحضور رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير”، أشاد بقيم السودانيين الاجتماعية في التماسك الأسري مقارنة بدول العالم الأخرى، وأدى الشيخ “الترابي” مراسم عقد قران الثلاث زيجات وسط الرئيس “البشير” كان وكيلاً عن العريس “حافظ شرف الدين” من زوجته “أسماء آدم جبريل آدم”، ووكيلاً عن العروس “سمية محمد الجاك” من زوجها “عبد الرحمن عابد”، بالإضافة إلى مراسم عقد زواج “عائشة عادل حسن البشير” من زوجها “طارق محجوب”، كما شهد “الترابي” حفل زفاف أحد مرافقيه الخاصين “علي شرف الدين”.
وأضاف “الترابي”: “أهم حاجة في العقد ما دام طوعياً أن يكون سوياً بين اثنين، ولو علا واحد على الآخر لما كان ذلك عقداً، ولكان أمراً ولكان قهراً بالطبع، نفى بهذا العقد ولا نخون العقود، في دول العالم الآن تتخاون عندهم عقود الزواج وأصبحت مفتوحة ومستباحة، الخلة والعلاقات الأخرى – في إشارة منه لتفشي الممارسة الجنسية المحرمة – لكن الحمد لله في بلدنا ما زلنا وفيين لهذا العقد أكثر من عقودنا في التجارة، وهذا العقد معمول عشان يطلع أولاد وأحفاد وذرية تتعلم أن العلاقات مع الآخرين عقد، إذا تاجرتم تتاجر معهم عن تراضٍ منهم لا تأكل أموالهم بينهم بالباطل، تكون تجارة عن تراضٍ”، وأضاف “بعدين أوفوا بالعقود لكن مرات مرات لمن نمرق إلى السوق نمرق ناس تانيين لكن في بيوتنا الحمد لله موفون بالعقود جداً مفترض أن نتربى على هذا العقد وعلى عقد السياسة إن ولينا هو يوفي بعقده ونحن نفي كذلك بعقودنا معه، لا يخون ولا نخون إن شاء الله.”، وزاد: “أولاد إذا مشوا التجارة أتقياء وإذا مشوا السياسة أتقياء هذا العقد ليس للشهوة، نريد أن نكتب العقود”.
وأضاف “الترابي”: “العقد الأول مع الله لا إكراه في الدين واشترى منا أموالنا وأنفسنا بأن لنا الجنة، علمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف نخطب وكيف نتزوج وكيف نتعرض لابتلاءات الزواج وعسر المعاش وحرمة البيوت، وهكذا كما تجدون في القرآن الكريم ونستن بهذه السُنة إن شاء الله، وكل قوانين الطبيعة هي قدر من الله يحكمنا لكن في عملنا أدانا مجال ونحن مخيرين في أن نعبد الله، عشان بعدين دي ما حياتنا دي أيام امتحانات ساكت – في إشارة منه للحياة الدنيا – لكن هنالك أزل الحياة الطبيعية قدام – حياة الآخرة”.
ودعا “الترابي” إلى إكرام النساء وفقاً للتعاليم الإسلامية التي منحتهن حقوقاً اجتماعية وسياسية وقال: “برجالتنا بنسترجل عليهن ونقهرن ولكن الله تعالى قال لا تكرهونهن ولا تضيقوا عليهن ولا تعضلوهن بعضلاتكم ديل، حتى إن اختلفا يكون بتشاور منهما وتراضٍ حتى إذا اختلافا في مصائر الأولاد من بعد ذلك يكون بالتراضي بينهما والتشاور والله سبحانه وتعالى لم يذكر كلمة الزواج إلا ومعاها التقوى”.
كما دعا “الترابي” الشباب إلى الزواج وعدم الخوف من المعيشة، وأضاف: “أمشي اتزوج ما تشفق من الزواج الله هيأ لك مخرجاً من الأزمات ويرزقك من حيث لا تحتسب وييسر لك الأمور القاسية عليك وكل آيات القرآن جاءت بكلمة التقوى وما مفترض هذا العقد يمشي المحاكم.
“الشنقيطي”: ليس من السهل لغير المتمكنين من ناصية اللغة العربية أن يستوعبوا جميع كتابات الترابي بعمق
يقول الباحث الموريتاني “محمد مختار الشنقيطي” :” لا تزال الآراء التي أفصح عنها الدكتور “حسن الترابي” مؤخراً تثير عاصفة من الردود. وقد وجدت من خلال تتبعي للجدل الدائر حولها شيئاً من التساهل في النقل، والتسرع في الحُكم، واتهام النوايا، ونقص الاستقراء، وصياغة المسائل الفرعية صياغة اعتقادية، والظاهرية التجزيئية في التعامل مع النصوص، وتداخل الأهواء الشخصية والسياسية مع الآراء الشرعية. وهذه نظرات على معظم آراء “الترابي” المثيرة للجدل، نضع من خلالها هذه الآراء ضمن سياق التراث الإسلامي، آملين من خلال ذلك أن يرتفع الحوار حول آراء “الترابي” إلى مستوى الحوار المعرفي، بديلا عن خطاب التكفير والتشهير. فلست أشك أن لدى كل من “الترابي” ومخالفيه من أهل العلم ما يثري الحوار وينفع الأمة، إذا ساد الجِدُّ العلمي وخلصت النية لله رب العالمين..
ولست بالذي يُفاجأ إذا أحاط بآراء “الترابي” الكثير من اللبس وسوء الفهم، فقد كنت أشرت في مقدمة كتابي عن “الحركة الإسلامية في السودان: مدخل إلى فكرها الإستراتيجي والتنظيمي” إلى ما اتسمت به كتابات “الترابي” من “التجريد في الأفكار والمصطلحات”، مؤكدا أنه “ليس من السهل على شباب الصحوة الإسلامية غير المتمكنين من ناصية اللغة العربية، المتمرسين بالمفاهيم الفلسفية والأصولية، أن يستوعبوا جميع كتابات “الترابي” بعمق، وهي كتابات تجمع بين تجريدات (هيجلْ) الفلسفية ولغة “الشاطبي” الأصولية”.
ومما يحسن بيانه هنا أيضا أن هدف هذه الملاحظات ليس الدفاع عن شخص “الترابي”، فأنا –بنعمة من الله- ممن يؤمنون بقدسية المبادئ وأرجحيتها على مكانة الأشخاص، بمن فيهم الصحب الكرام رضي الله عنهم، وكتابي المعنون: “الخلافات السياسية بين الصحابة: رسالة في مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ” رسالة تأصيلية في هذا السبيل نسأل الله قبولها ووصولها.. كما يحسن التأكيد على أني لم ألتق الدكتور “الترابي” قط، ولا وطئت قدمي أرض السودان الطيبة. ويوم كان “الترابي” ذا جاذبية سياسية عظيمة وحضور وطني ودولي لم أحضر مؤتمراته، ولا اشتركت في “مؤتمره الشعبي العربي الإسلامي”.
1\ “فوزي بشرى” – قناة الجزيرة
” سيبرز وجه الشيخ “حسن الترابي” عليه شآبيب الرحمة من ربه، سيبرز وجهه وضيئاً في تاريخ السودان عالماً وسياسياً وخطيباً، عالماً قام بفريضة التفكير كما لم يقم بها سياسي في هذا البلد. وسيتربع اسمه في دفتر التاريخ السوداني والإسلامي كواحد من قلة خاضوا غمار الحياة بلا مهابة واجترأوا على قوالب التفكير السائدة وعاداته ودخلوا قلاع النصوص ينخلونها نخلاً بعلم وكتاب منير”.
2\ “وليد جنبلاط” – رئيس حزب اللقاء الديمقراطي اللبناني
” فقد العالم العربي والإسلامي الشيخ الدكتور “حسن الترابي” الذي كان مثقفاً متنوراً وباحثاً وعالماً، وسوف يترك غيابه فراغاً كبيراً على مختلف الأصعدة الثقافية والسياسية والحقوقية.
لقد كان الشيخ “الترابي” مثقفاً من الطراز الرفيع، حصل علومه في السودان وأوروبا ثم عاد إلى الخرطوم ليناضل في سبيل المبادئ التي آمن بها لا سيما الحُريات العامة ومكافحة الفساد، واعتقل مرات عديدة في هذا السبيل.
له العديد من المؤلفات السياسية والفكرية والفقهية، لا سيما في عناوين الإصلاح الديني التي تبدو أنها ملحة أكثر من أي وقت مضى على ضوء المتغيرات غير المسبوقة والخطيرة التي تشهدها المنطقة بأكملها “.
3\ د. “عدنان إبراهيم” –مفكر إسلامي
“ببالغ الحزن والأسى تلقيت نبأ وفاة علمين من مشاهير أعلام المسلمين في عصرنا الحاضر: الدكتور “حسن الترابي” (1932-2016) المفكر والعالم السوداني المعروف والدكتور “طه جابر العلواني” (1934-2016) المفكر والعالم العراقي الشهير، والرجلان غنيان عن التعريف بما قدماه من نتاج علمي وفكري ذي طابع تجديدي وإصلاحي اتسم بالجدة والعمق والشجاعة والأمانة على مدى يتجاوز نصف القرن”.
4\ “توكل كرمان” – ناشطة يمنية حائزة على جائزة نوبل للسلام
ببالغ الأسى والحزن تلقيت خبر وفاة الدكتور “حسن الترابي”، والذي يعد من الشخصيات البارزة والعملاقة التي أثرت العمل الإسلامي السياسي والفكري في القرن العشرين.
لقد سعى “الترابي” في كل اجتهاداته ومواقفه ومؤلفاته لمجاراة العصر، وتجاوز الأفكار التقليدية، وقد جلب له هذا التوجه كثيراً من الانتقادات والهجوم لدرجة تجرؤ البعض على إخراجه من دائرة الإسلام.
اتسمت آراء “الترابي” بالشجاعة والتجديد والإيجابية، ويحسب له أنه كان من الأشخاص الذين مارسوا النقد الذاتي دون تصنع أو تكلف.
ومثل كل المهتمين بالشأن العام، لم أكن باستمرار مؤيدة أو معارضة لكل ما كان يقوله “الترابي”، لكني كنت أكبر فيه حيويته الفكرية وتلقائيته التي جعلت منه شخصاً حاضراً في كل المناسبات المعرفية الجادة.
5\ “راشد الغنوشي” – رئيس حركة النهضة التونسية
” فقدت الأمة بفقدان “الترابي” قائداً سياسياً كبيراً، وعالماً ملتزماً ومربياً وأصولياً من كبار الأصوليين. شخصاً جمع في شخصه أبعاداً كثيرة: البُعد التراثي، والبُعد الحداثي، والبُعد السياسي، والبُعد العلمي، والبُعد التنظيمي، ولذلك المصيبة بفقدان هذا العلم لا شك مصيبة كبيرة. نسأل الله أن يُعَوِّضَ أمة الإسلام في السودان والأمة الإسلامية في كل مكان والمؤتمر الشعبي، أن يُعَوِّضَ فيه كل هذه الأبعاد خيراً،
ونعزي السيدة الكريمة حرمه، ونعزي الأسرة كلها، والسودانيين، والرئيس “عمر البشير”، وكل الإسلاميين في العالم، نعزيهم بفقد هذا العلم، الذي أعطى للسودان بعداً دولياً”.
6\ دكتور “عبد الله علي إبراهيم” – أستاذ بالجامعات الأمريكية
” إن الذين يدمغون “الترابي” بصفة السياسي الملتاث بجنون السُلطة لا يعولون كثيرًا على كون التمكن من الدولة هي لحمة مشروعة للتجديد الإسلامي وسداه. فهو يستخدم الدولة كمرادف للحداثة حذو النعل بالنعل، وإن كانتا – أي الدولة والحداثة – غافلتين عن الدين في صميم رأيه. ومن هنا تجيء دعوة “الترابي” للدولة أن تؤوب إلى الدين “.
من ورقة بعنوان: “حسن الترابي” لاهوت الحداثة
7\ الشيخ “يوسف القرضاوي” – رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
“حسن الترابي” هو الحسن الثالث في الإسلاميين، بعد “حسن البنا” الأول، و”حسن الهضيبي” الثاني، هو سوداني قح، تعلم القرآن الكريم وحفظه وجوده في صباه، وتعلم اللغة العربية والشريعة، ولم يتغير فكره الإسلامي الأصيل عن أصله، رغم أنه حصل على قمة الدراسات العليا في الغرب: الماجستير من جامعة أوكسفورد، ثم الدكتوراه من جامعة السوربون، وأتقن رحمه الله عدة لغات بفصاحة: الإنجليزية والفرنسية والألمانية، ولكنه بقي سودانياً عربياً مسلماً، يقول:
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا “بقيس أو تميم”!
كان “حسن الترابي” من النوع الحيّ المتحرك المحرِّك، لا يعرف البلادة، ولا الكسل ولا الرقاد الطويل، ولكنه رجل حُر، مستقل الفكر، مستقل الإرادة، مستقل القرار، عقله متوقد، ولسانه فصيح، وجهه سوداني أصيل، مبتسم دائماً، من غير تكلف “.