مشاهد من عودة الرئيس ووفد الحكومة من أديس أبابا بمطار الخرطوم
منذ الساعة الثالثة من عصر يوم أمس (الجمعة) كان المئات من المواطنين ينتظرون وصول رئيس الجمهورية “عمر البشير” ووفد الحكومة العائد من أديس أبابا عقب التوقيع على اتفاقيات مع جنوب السودان لإعادة استئناف ضخ النفط ومعالجة المشكلات الأمنية بين البلدين والتعاون الاقتصادي بينهما، ويبدو من الحشد الجماهيري الذي دعا إليه والي الخرطوم “عبد الرحمن الخضر” عبر نداء في التلفزيون القومي والرسائل النصية أن الحكومة تريد من الرأي العام الالتفاف حول الاتفاقيات، وكانت رسالة الرئيس ووزير الدفاع والوفد المفاوض للأجهزة الإعلامية واضحة بهذا الخصوص.
كان في استقبال الرئيس الجمهورية بمطار الخرطوم النائب الأول “علي عثمان محمد طه” والمساعدون والوزراء والمسؤولون بالدولة بالصالة الرئاسية في المطار، وفي الساحة الخارجية كان المواطنون ينتظرون خطاب الرئيس الذي قال لهم، وهو يرتدي جلابية بيضاء – على ظهر عربة مكشوفة ومعه والي الخرطوم ومعتمد الخرطوم “عمر نمر” قال:” صلوا على رسول الله مرة تانية وتالتة ورابعة وخامسة عليه” وقال:” الشعب السوداني الأبي الصابر – السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته – اليوم الحمد الله سبحانه وتعالى، ربنا أنعم على أهل السودان بنعم كثيرة أولها الإسلام وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، نحمد الله على ما تحقق من إنجاز لأن همنا الأكبر هو تطبيق السلام في السودان، لأن السلام اسم من أسماء الله، وهو مفتاح لحل كل القضايا السياسية والأمنية والاجتماعية، وأول عمل قمنا به في الإنقاذ هو المؤتمر الوطني حول قضايا السلام، والناس بيقولوا لينا انتم ” كرعينكم ما ثبتت لسة” ونحن ما جينا عشان نقعد في الحكم، والحكم لم يكن غاية وهو وسيلة لتحقيق الأمن والرفاهية لكل أهل السودان.” وأضاف :” كان سعينا للسلام وكنا في أبوجا الأولى والثانية ونيروبي والإيقاد وما خلينا محل ما مشيناه نكوس السلام حتى وقعنا اتفاقية السلام، والناس كانوا يعتقدون أننا لن ننفذ الاتفاق لأن هنالك بنوداً خطرة مثل حق تقرير المصير لكن نحن أهل عهود وأهل مواثيق، وهذا أمر دين، ونحن في السودان بنزيدها رجالة وأهلنا قالوا :” الراجل بمسكوه من لسانو مابمسكوه من كراعو “، وأشار “البشير” إلى أن ذلك ما جعلهم يلتزمون بالاتفاقيات وتنفيذها، وأضاف الرئيس:” لكن بكل أسف ظلت بعض القضايا عالقة وجونا الشواطين بتاعت الأنس والجن وبدو يشتغلوا في هذه المنطقة، يحركوا هنا ويحركوا هناك حتى كدنا أن نرجع الى حالة حرب شاملة تماماً، لكن حكمنا صوت العقل وصبرنا وتحاورنا مرة تانية وجلسنا وشلنا وختينا لحدي ما جبنا اتفاقية شملت كل القضايا العالقة، وهي البداية الحقيقية للسلام بين السودان والجنوب، وبعد الاتفاق جلست مع الأخ “سلفا”، وأؤكد لكم أنه صادق وجاد في هذه الاتفاقية ومصر على تنفيذها، والأيام القريبة الجاية دي إن شاء الله حتظهر هذه الجدية، وهي بداية النهاية لأي مشكلة مع جنوب السودان، وأي مشكلة وضعنا لها أسس وآليات وطريق لحلها حلاً نهائياً يرضي كل الناس، وحنعود نحن شعب السودان وشعب جنوب السودان إخوان زي ما كنا قبل الانفصال، وحيكون التبادل بيننا تبادل منافع، ما تبادل سلاح ولا معارضات ولا ذخائر، حيكون تبادل تجارة ورأي وعمل مشترك، حنرمي قدام وما في رجوع للوراء”.
وزير الدفاع و”إدريس” في مؤتمر صحفي بالمطار:
عقب وصول الرئيس جاء للصحفيين الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير “العبيد مروح” ليتفقد مكان المؤتمر الصحفي، وقال للصحفيين:” انتم جاهزون؟”، ثم عاد بعد بفترة وجيزة بوزير الدفاع الفريق أول “عبد الرحيم محمد حسين” ورئيس وفد الحكومة المفاوض “ادريس عبدالقادر” و”الزبير أحمد الحسن”، كان عبدالرحيم ينتظر الإشارة ليبدأ الحديث، بينما كان التلفزيون القومي ينقل الوقائع قبل وصول الوفد على الهواء مباشرة، وسارع “العبيد” إلى تنبيه وزير الدفاع بالقول:” انت على الهواء سيادتك”.
قال وزير الدفاع : ” الحمدلله الذي وفق لهذا الاتفاق الذي وقعه الأخ الرئيس، أفتكر أن وجود الأخ الرئيس في الأيام الأخيرة في المفاوضات ووجود الأخ “سلفاكير ميارديت” أعطى المباحثات دفعة قوية، واستمرار وجودهما في أديس إصرار على أن تمضي قضية ومشوار السلام الى منتهاه والحمدلله، وأفتكر أن هذه الجهود كُللت بالنجاح التام، ووقعت اتفاقيات عديدة أخونا “إدريس عبد القادر” رئيس الوفد المفاوض سيعطي توضيحات أكثر حولها ولكن أنا هنا بصدد الحديث عن اتفاقية الترتيبات الأمنية والتي كانت بها الكثير من العقبات، ولكن بجهود الرئيسين وبالجهود التي بُذلت من الوساطة، بحمد الله تكللت الجهود بالنجاح، نحن بالنسبة للترتيبات الأمنية من كل جوانبها سواء كان الدعم أو الإيواء للحركات المعارضة في البلدين وسواء كان فك الارتباط بالنسبة لإخواننا في المنطقتين – النيل الأزرق وجنوب كردفان – وسواء كان الانسحاب الفوري وغير المشروط من المناطق المحتلة من الطرفين وإذا كانت المنطقة الآمنة منزوعة السلاح بين الدولتين 10 كيلومترا في كل جانب، واذا كانت أيضا قضية (14 ميل) والاحتفاظ بالنظام الذي كان سائداً فيها في العام 1905، كل هذه القضايا حُسمت بالتوقيع والنجاح والحمدلله، وإن شاء الله ستبدأ الآليات لتطبيق هذه الاتفاقية في العمل فوراً، وللترتيبات الأمنية آلية لمراقبة المنطقة منزوعة السلاح، نحن متوقعين أن تفتح هذه الاتفاقيات المجال واسعاً لعلاقات قوية ومتينة بين البلدين. ونحن يا إخوان كنا نعرف أن الترتيبات الأمنية هي أساس البناء لهذه الاتفاقيات، وبالإرادة السياسية المتوفرة بين البلدين والالتزام الشفاف والصادق ببنود هذه الاتفاقيات نأمل أن ننتقل بعلاقاتنا في السودان والجنوب الى علاقات إخاء وجوار وتعاون، وقد اكد ذلك زيارة الأخ “سلفاكير” إلى الرئيس بمقره – في أديس أبابا – ليؤكد التزامه القاطع بكل ما وُقع من اتفاقيات، ونأمل أن تكون الاتفاقيات خطوة لما فيه خير البلدين، ونأمل أن يلعب الإعلام دوراً قوياً، ومطلوب أن تمضي هذه الاتفاقيات بخطوات ثابتة لأننا نفتكر أن الإعلام له دور في هذه المرحلة لنعضد الإيجابيات الكثيرة لتكون الطريق الممهد لعلاقات متينة وسلام دائم بين البلدين.
أما رئيس وفد الحكومة المفاوض “إدريس عبد القادر” أشار خلال حديثه في المؤتمر الصحفي إلى أنه يأمل في أن يجيز المجلس الوطني في السودان والمجلس التشريعي بجنوب السودان الاتفاقيات خلال (40) يوماً بحسب الاتفاق بين الوفدين في أديس أبابا، لكنه يتمنى أن تجاز خلال وقت أقصر من ذلك بكثير. كان “إدريس” يقدم كلمات الشكر بحق دولة أثيوبيا ورئيس وزرائها الراحل “ميلس زيناوي”، وكذلك الوساطة الأفريقية و”سلفاكير ميارديت” الذي تعاون في هذه الاتفاقيات، وقال إدريس:” لابد لي أن أشكر وفد حكومة جنوب السودان برئاسة السيد “باقان أموم” لما أبداه من إيجابية وحرص كامل ومرونة مكنت من التعامل بين الوفدين حتى وقعنا اتفاقية التعاون بين الدولتين.” وأشار “إدريس” الى أن السودان وجنوب السودان سيأمران الشركات العاملة بالبدء الفوري في الإعداد لضخ النفط، وقال :” أكملنا الاتفاق حول النفط بكل تفاصيله ولا نحتاج الى تفسير.” وبخصوص قضية أبيي قال “إدريس” إن موقف السودان هو اجراء الاستفتاء في المنطقة وفقاً لما جاء بالبرتوكول، لكنه أشار إلى أنه يمكن للخرطوم وجوبا الوصول الى حلول سياسية خارج إطار اتفاقية السلام وأعلن استعداد الحكومة السودانية لذلك.
جوبا: استئناف النفط خلال 3 شهور
نقلت وكالة السودان للأنباء عن وزير النفط بدولة جنوب السودان “استيفن ضيو داو” قوله إن الاتفاق الذي أبرم بين السودان وجنوب السودان حول البترول والمسائل المتعلقة به يصب في صالح الشعبين في السودان وجنوب السودان وسوف يؤسس لعلاقات جديدة بين البلدين في المجالات الاقتصادية والاجتماعية السياسية، وأضاف:” إننا نؤمن أن التعايش السلمي والتعاون بين الشعبين هو الأصل في العلاقات وليس الاحتراب والنزاعات “، وقال إنه يؤمن أن الشعبين هم في الأصل شعب واحد يتبادلون المنافع فيما بينهم”. وكشف عن أنه سيتم إعادة إنتاج النفط خلال الثلاثة إلى الأربعة أشهر القادمة، وهي عملية تتوقف على الاستعدادات الفنية ولا توجد حواجز، مضيفاً أنه منذ التوقيع على الاتفاقية يوم (الخميس) فقد بدأت الاستعدادات والتجهيزات لإعادة الإنتاج وأن حكومة جنوب السودان ستقوم خلال الأسبوعين القادمين بإخطار شركات البترول العاملة في جنوب السودان، وأن الحكومة السودانية ستقوم بذات الخطوة لتجهيز المنشآت النفطية والخطوط والميناء وغيرها. وقال إن الطرفين اتفقا أيضاً على إعفاء الديون المتبادلة بينهما والمطالبات المتأخرات الحكومية على أن تظل مطالبات أي طرف خاضعة للقوانين العادية للوفاء بها، وأوضح أن البترول قد يكون ثروة محلية ولكنه آثاره عالمية، وأن الأطراف المستفيدة من النفط ليست دولة جنوب السودان لوحدها وإنما الاقليم والعالم كله. وقال ” في تقديرنا أن شعبنا في جنوب السودان وفي السودان سوف يستفيد من هذه الثروة” .