أخبار

في بحر أبيض

كانت (الجمعة) في المقينص مختلفة عن بقية أيام الأسبوع في الخرطوم، حيث تتشابه تفاصيل الحياة المملة وتتزاحم مشكلات الحصول على ضرورات الحياة بعد أن صار الحصول على قطعة الخبز سبباً للفرح والوقوف في محطات الوقود لساعة شيء مألوف وأن تتوقف حركة السير ويزدحم الطريق بسبب خناقة بين مواطن غاضب وآخر أكثر غضبا هي سمة حياة الخرطوم، مما يجعل الخروج للريف في هذا الواقع الكئيب فرض عين لمن يملك سبيلا ووسيلة وموطئ قدم وعشيرة وأصدقاء.
خرجت من الخرطوم برفقة عدد من الأصدقاء لزيارة صديق مشترك بعيداً عن بريق تلك الأسماء ومواقعها اللواء “عبد الله علي صافي النور” واللواء “حسن محمد دفع الله” ونقيب الصحافيين الذي منحه رئيس الوزراء رتبة عميد وخلع عليه الرئيس منصب شرتاي و”الحبيب محجوب فضل بدري” والناشط “ياسر مختار” وفاكهة الرحلة “محمد صالح بحر” وجسر المحبة الذي ينسج خيوط التلاقي بين البقارة في كردفان والنيل الأبيض الوزير “سلمان الصافي” وخرجنا جميعاً إلى ديار البرلماني في عهدين والسياسي “أحمد حاج النور” في باديته بجنوب النيل الأبيض محلية السلام وجبل المقينص، الذي يشبه كنيسة كتانيا التي تفصل بين دولتين في القارة الأوروبية العجوز أي بين إسبانيا والبرتغال، ومثل جبيل صغير يفصل بين مدينة جنيف السويسرية ومدينة فيرني فولتير الفرنسية وجبل المقينص تتلاقح صخوره ما بين جنوب السودان كدولة وجنوب كردفان كولاية والنيل الأبيض وبين ثلاث مجموعات سكانية الأحامدة والشلك من مقاطعة فشودة والكواهلة من جهة كردفان والجبل سعيد بهؤلاء مثل سعادة “أحمد حاج النور” بقدومنا لبادية المقينص التي لم تصلها شركة سوداني بعد، ولذلك تصمت الهواتف عن إرسال النغمات مجرد الابتعاد عن مدينة كوستي ببضع كيلومترات جنوباً، ولكن شركة سوداني وصلت مقاطعة برشلونة في إسبانيا وفشلت في الوصول للمقينص..
استقبلنا الوالي “عبد الحميد كاشا” بمملكته في ربك، وانصرف مسرعاً لأن حكومات الولايات في هذه الأيام مثل (الترزي يوم الوقفة) تسارع الحكومات لعقد الاجتماعات من أجل إنجاز مشروعاتها المؤجلة قبل أن يطوف عليها طوفان التغيير الذي يقوده د. “فيصل حسن إبراهيم”.
من كوستي وأنت متجه جنوباً ينتهي شارع الإسفلت قبل الخروج من حي الرديف جنوباً، والشارع الترابي الذي وقف من عشر سنوات وما زاد بات صعباً على السيارات السير على الدقداق والحفر ولا تجد إجابة واضحة عن أسباب تعثر سفلتة طريق كوستي/ الروات/ المقينص، ولن نحدثكم الآن عن حقل الروات النفطي وغضب الأهالي وحنقهم على وزارة النفط التي استكثرت على أهالي المنطقة تعيين حتى الخفراء والسائقين والحرفيين والعمال من أهل المنطقة الذين ينظرون لبترول الروات بعين السخط وقد حرمتهم الوزارة حتى من فضيلة دخول مملكتها
واحتكرت تعين حتى الخفراء لمن هم خارج النيل الأبيض الاجتماعية والنيل الأبيض الجغرافية وقصة حقول بترول الروات التي لم يحصد منها سكان بحر أبيض إلا تدمير البيئة وتحطيم الثروة الحيوانية سنعود إليها في قادم الأيام.
لكن منطقة المقينص التي تنتج نصف حاجة البلاد من الذرة ونصف صادر الثروة الحيوانية من الأبقار والضأن تقع في هامش اهتمامات المركز لا ماء يبلل عطش الإنسان ولا حتى خدمات اتصال كأنها منطقة لا وجيع لها؟ هل تصدق القارئ الكريم أن برميل الماء الواحد بمبلغ ثلاثين جنيهاً وأي أسرة صغيرة تستهلك يومياً اثنين برميل ليذهب كل مداخيل الأسر الفقيرة أصلا لسد فاتورة المياه التي تأتي من السد على بُعد تسعة كيلومترات، وفشلت الحكومة في إدارته بسبب تعدد وتداخل الاختصاصات بين ماهو مركزي وماهو ولائي وثالثهم المحلي.
في سوق المقينص نصف السوق يقع في دولة السودان والنصف الآخر يقع في دولة جنوب السودان، وتتمازج وتتصاهر ثقافات الشلك والأحامدة ويعيشون في مودة وإخاء وتبادل مصالح بعيدا عن صراع وخلاف الدولتين حول الحدود ويعتبر جبل المقينص واحداً من المناطق المختلف عليها، ولكن أهل المنطقة من المجموعات المتجاورة والمتعايشة لم تشارك حتى اللحظة في شأن الحدود وهي شأنهم وقضيتهم ومستقبلهم لكن الموظفين في البلدين هم من يقررون نيابة عن أهل الحق الأصيلين وتلك من مشكلات مجتمعنا.
في جنوب بحر أبيض يهدد التصحر ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية بسبب سوء إدارة الأرض وغياب الرقابة والمسؤولية حيث يزرع المزارعون الأرض ولا يخصصون جزءاً منها للغابات حتى باتت الأرض جرداء تجرف تربتها رياح الشتاء والصيف.
الرحلة في أعماق بحر أبيض نعود إليها في مقبل الأيام.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية